الرئيس الامريكي دونالد ترامب اعتاد هذه الايام ان يزبد ويرعد وحيدا ، ضد ايران والاتفاق النووي ، من دون ان يجد آذانا صاغية لدى ، بريطانيا وفرنسا والمانيا وروسيا والصين والاتحاد الاوروبي ، وهي الدول التي شاركت امريكا في التوصل الى الاتفاق النووي مع ايران.
ترامب لم يفشل في اقناع الدول التي شاركت امريكا في المفاوضات التي انتهت بالتوقيع على الاتفاق النووي ، بعدم التزام ايران بالاتفاق فحسب ، بل فشل ايضا في اقناع حتى صقور ادارته من امثال وزير الدفاع جيمس ماتيس وكذلك وزير الخارجية ريكس تيلرسون ، اللذان مازالا يحضانه على عدم انتهاك الاتفاق النووي مع ايران ، لما سيترتب على الانتهاك من تداعيات كبيرة على سمعة ومصداقية امريكا لدى حلفائها في العالم.
الملفت ان ترامب تلقى صفعات مدوية من قبل حلفائه الغربيين ، الذين كانوا اكثر تشددا من الامريكيين خلال المفاوضات الماراثونية مع ايران ، بعد ان رفضوا حتى مجاملة ترامب في موقفه من الاتفاق النووي ، عندما القوا خطاباتهم من على منبر الجمعية العامة للامم المتحدة في دورتها الاخيرة ، وهو المنبر الذي شهد خطاب ترامب الناري ضد ايران والاتفاق النووي ، حيث شدد الجميع دون استثناء على ضرورة احترام الاتفاق النووي والعمل على ديمومته.
آخر صفعة مدوية انهالت على وجه ترامب جاءت من لجنة جائزة نوبل للسلام ، التي منحت جائزتها لعام 2017 الى منظمة “الحملة الدولية للقضاء على الاسلحة النووية” (آيكان) ، في اجراء وصفه المراقبون بانه تحذير لترامب من مغبة انتهاك الاتفاق النووي ، والدفع باتجاه الحفاظ عليه ، والحث على ايجاد صيغة مشابهة له مع كوريا الشمالية.
مديرة منظمة “آيكان” بياتريس فين ، التي اشادت بالاتفاق النووي ،قالت أن رسالة نوبل أتت في الوقت المناسب وسيتلقاها المجتمع الدبلوماسي الأميركي والكونغرس ، فهناك اشخاص مؤثرين مثل وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس يريدون الحفاظ على الاتفاق بطريقة أو بأخرى.
من الواضح ان منح “آيكان” جائزة نوبل للسلام في هذا الوقت بالذات ، سيعطي الجهود المبذولة من اجل الحفاظ على الاتفاق النووي زخما اضافيا داخل امريكا ، لاسيما ان النواب الجمهوريين ، كما كشف احد الدبلوماسيين الغربيين في حديث مع وكالة فرانس برس ، ليسوا سعداء من العودة إلى موضوع يتوجسون منه ، ولا يرغبون في أن يتحملوا مسؤولية افتعال أزمة دولية ، فيما يبحث العديد من أعضاء مجلس الشيوخ عن تسوية من أجل عدم انهاء الاتفاق.
ترامب ليس في وضع يُحسد عليه ، فالرجل مطلوب منه الانسحاب من الاتفاق النووي ارضاء للوبي الصهيوني ، الا انه وحيد في الميدان ، وليس هناك من يؤيد انسحابه من الاتفاق الا “اسرائيل” ، وقد تخلى عنه حتى حلفاؤه التقليديون ، كما كشف الدبلوماسي الغربي في حديث لفرانس برس ، قائلا :” قلنا للادارة الأميركية، سواء أعلنتم ضمانة التزام ايران بالاتفاق أم لا، هذه ليست مشكلتنا، انما هي سياسة أميركية داخلية ، لكن حذار من انتهاج مسار يعرض الاتفاق للخطر”.
في حال انتهك ترامب الاتفاق النووي فلن تقوم لسمعة امريكا قائمة ، لانه ببساطة ، كما ترى الباحثة في مؤسسة “بروكينز” الأميركية للدراسات جونغ باك ، لن يكون بامكان احد ان يضع ثقته بأمريكا بعد ذلك ، خصوصا أن الموقف الأميركي تجاه طهران كان رسالة واضحة جدا بالنسبة الى بيونغ يانغ ، فلن يكون لدى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون ، أي سبب للتفكير بأن اتفاقا محتملا مع امريكا سيبقى قائما في حال تغيرت الادارة الأميركية.
يرى البعض ان الصفعات التي انهالت وتنهال على ترامب ، واخرها صفعة “جائزة نوبل”، على خلفية تهديداته بالانسحاب من الاتفاق النووي ، اما ان تعيد الوعي اليه ، او ان تفقده الوعي تماما ، وان كنا نتمنى ان تصحوا النخب السياسية الامريكية على وقع هذه الصفعات، ويقفوا في وجه ترامب قبل ان يرتكب حماقة لا يمكن التكهن بنتائجها.
ماجد حاتمي/ شفقنا