خاص الكوثر_خلية حب
قصة سمر صبيح
سمر صبيح، ابنة مخيم جباليا الذي كبرت فيه ودرست في مدارسه حتى التحقت بالجامعة الإسلامية تخصص دراسات إسلامية. انتقلت بعدها سمر إلى الضفة الغربية لتبدأ حياة زوجية سعيدة، لكن جيش الاحتلال لم يهنأ له ذلك، فاعتقلها في مدينة طولكرم وهي حامل في شهرها الأول بعد محاصرة بيتها بالجيبات والكلاب البوليسية على حينِ غرة.
في عام 2005، طوّق جيش الاحتلال الاسرائيلي منزلها من الجهات الأربع، تصف المشهد قائلةً: "عجت باحة البيت بالجنود، فلم أكن أعرف أنهم قادمين لاعتقالي إلا حين صوبوا كشافاتهم نحو غرفتي بالتحديد، وأخذوا ينادون عبر مكبراتهم بالإخلاء فورًا.
داخل بيتٍ خشبي بعيد عن منزلها، وضعوها للاستجواب الأوليّ وطلبوا منها التفتيش بشكل عارِ أمامهم، مصوبين أسلحتهم في وجهها، فرفضت قائلةً: "لو قتلتوني مش هتفتش عاري، معكم مجندات هما يفتشونني". وصممت على موقفها إلى أن خضع الاحتلال لها، ثم ألبسوها "أبرهول الاعتقال"، وهو اللباس الذي يرتديه الأسير لنقله إلى التحقيق.
أثناء التحقيق العسكري أمام بيتها، أخبرتهم بحملها جنين في أحشائها، محملةً إياهم مسؤولية أي مكروه قد يُصيبهما، لكنهم لم يُعيروا كلامها اهتمامًا وقيدوا يديها وقدميها "بالكلبشات البلاستيكية"، وعصبوا عينيها ووضعها داخل "الجيب العسكري". بتنهيدةٍ تستذكر سمر: "كانت المجندة الإسرائيلية تمسك بيدي، وصوت الكلب يلهو بالأصفاد الحديدية بفمه، لم أرَ لكنني سمعت كل شيء، في ما لم أكن أعرف إلى أين يأخذونني، وعندما فتحت عيني، وجدت نفسي في معسكر للجيش الإسرائيلي وهناك حققوا معي لنصف ساعة".
في 30 نيسان/أبريل 2006، ودّعت سمر رفيقات الأسر وملابس الطفل بيديها، وعلى سرير مستشفى مئير-كفارسابا داخل أراضينا المحتلة وضعت مولودها البكر "براء" في أجواء مهيبة للغاية، توضح: "بدأت العملية وأنا يقظة. نعم، لقد رأيت خروج ابني من أحشائي لكني لم أستطع احتضانه كأيّ أم تعيش أمومتها للمرة الأولى، فقد كنتُ مقيدة اليدين والقدمين، ونزع الطبيب الإسرائيلي الصغير بلمحِ البصر، وأخذوه إلى حضانة المشفى مباشرةً". لم يكُن أسبوع المولود عاديًا، فقد استقبلت الأسيرات سمر وطفلها في سجن هاشرون بالطرقِ على الأواني والزغاريد والأناشيد الفلسطينية، فتحولت دموع القهر على وجنتيها إلى فرحةٍ عارمة، وحصل براء على لقب أصغر أسير فلسطيني آنذاك. وقد كسر روتين السجن بقدومه، فلم تكن له أمٌ واحدة فقط، بل كل الأسيرات أصبحت أمهاته، فمنهن مَن لم ترَ مولود منذ عقود.
في 17 كانون الأول/ديسمبر 2007، كانت سمر وطفلها على موعد مع الحرية بعد انتهاء مدة حكمهما كاملة، فعلى معبر بيت حانون "إيرز"، استقبلهم زوجها وعائلتها وأبناء الشعب الفلسطيني كافة، وسط حشود مهيبة، تقول: "حين رأيتهم شعرت بالفخر والاعتزاز وبقيت فرحتي ناقصة، لأنني تركت خلفي 100 أسيرة يعانين ويلات الاحتلال الإسرائيلي". ومن هنا أدركت سمر بعد خروجها من الأسر، أنه من الضروري أن يكون للأسيرات صوت حر ينطق بقضيتهن من الخارج، فأصبحت بعد نيلها درجة البكالوريوس في الخدمة الاجتماعية، عضو مجلس إدارة في جمعية واعد للأسرى والمحررين تنادي بحقوقهن، وتسعى لانتزاع حريتهن.