عذابات قلم.. بقلم يحيى أبو زكريا

السبت 21 أكتوبر 2017 - 09:21 بتوقيت غرينتش
عذابات قلم.. بقلم يحيى أبو زكريا

مقالات - الكوثر

عندما تمنح القلم حياتك وتجعله نبراسك في الحياة تكون قد أمسكت بكل أسباب النجاح ,فالحياة ليست غنيمة مادية كما يريد كثيرون الاعتقاد به. ان الذي يعطي معنى للحياة ويرسم أبعادها الحقيقية انما هوالفكر والثقافة وبعبارة أصح القلم.

إن عدد الأباطرة والطغاة والقياصرة وأصحاب المال والجاه والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة الذين عبروا ممر الحياة لا يحصى عدهم ولا حصرهم , لكن التاريخ وذاكرته الثاقبة يمر على هؤلاء مرورا خفيفا , وفي الضفة الأخرى أصحاب المداد والابداع والعطاء الذي مازالت البشرية تنهل منه , فان التاريخ يمر على هؤلاء ليجعل منهم محطة ومنطلقا لإعادة البناء وحتى الذين ما أنصفهم دهرهم وقومهم فإن التاريخ يعيد تصحيح الخلل ويرد لهم كل الاعتبار.

ولا يختلف اثنان في أن هناك حالة غيبوبة تلف العالم العربي والاسلامي تحديدا ,وتحت وقع هذه الغيبوبة تغيرت القيم وتبدلت الموازين وارتبك النسيج الثقافي والفكري , وبتنا نعيش في أوج متناقضات والتي لها أول وليس لها أخر , فالغرب يسمينا أمة الشرق والروح ولكننا فقنا فلاسفة المادة في استكناه أبعادها والانطلاق منها في تفاصيل تفاصيل حياتنا , والبعض يطلق علينا اسم أبناء الضاد ونحن ننحر لغة الضاد في اليوم مليون مرة , والأكثر من ذلك يسموننا أمة الاسلام وهويوميا يستغيث قائلا ربي لما شرعتني لقوم لفظوني وراء ظهورهم بل رموني الى أعماق المحيطات .

وحاولنا أن نلحق بالركب الغربي فكانت النتيجة أن أضعنا السير القويم , وجوهنا بنصف لحية ونصف شارب , لساننا خليط من القوافي والرطنات واللكنات , ملابسنا مخاطة بكل أقمشة العالم ,قطريون تارة وعالميون تارة , وبدويون تارات أخرى .

الآخرون في أكثر من خارطة قد رسموا استراتيجيتهم , ومستقبلهم ومنهجهم وأعادوا تقييم ماضيهم فطرحوا منه الغث وأبقوا على الدسم ,أما نحن الذين نكتب بأقلام صنعت في فرنسا وبريطانيا وأمريكا ونتفاخر بأن أحلى الأقلام ما صمم من وراء البحار ...

إن عذابات القلم تكمن عندما تصبح النداءات الصادرة عنه غير مسموعة والصيحات النهضوية والتحذيرية الواردة من حبره مهملة .

إن استقبال الواقع العربي والفضائيات العربية الألفية الثالثة بالغناء والطرب والتمثيليات الهزلية لدليل على أن سمة قرننا المقبل ستكون هي الأخرى راقصة .

إن عدد المطربين والمطربات الذين برزوا في العشرية الماضية يفوق عشرات المرات عدد الروائيين والمبدعين وخالقي الأفكار , وذلك مؤشر واضح على نكستنا في الألفية الثالثة , وإن عدد الصائحين والصارخين والمزعجين أي المطربين الذين كرمتهم السلطات الحاكمة أوالراقصة لا فرق يفوق عدد الذين كرمتهم السلطات من المثقفين والمبدعين وذلك مؤشر أيضا على استراتيجيتنا في الألفية الثالثة والتي ستكون في حد ذاتها استراتيجيا مموسقة وذاك في حد ذاته تميز لم يسبقنا اليه أحد.

ويبقى على أصحاب الأقلام المخلصين أن يعملوا على فضح واقعنا المزري , حتى لا تدخل أجيالنا الألفية الرابعة بحالة الانكسار والانشطار هذا إذا ظلت لنا إلى ذلك اليوم مواقع في خارطة المكان والزمان والحضارة

المصدر : موقع إسلام اليوم