هل التكفير منتج ديني بالأساس؟

السبت 14 أكتوبر 2017 - 14:40 بتوقيت غرينتش
هل التكفير منتج ديني بالأساس؟

مقالات - الكوثر

في حوار إذاعي، سألني صاحبي ما إذا كان "التكفير" منتج دينيّ بالأساس؟ منذ ردح من الزمن، يفشو هذا السؤال بين الباحثين والدارسين للظاهرة الدينية. ويجرؤ بعض المتطرفين في الموقف من الأديان على تحميله مسؤولية القتل والعنف. حتى إن كبير الملحدين في عالمنا المعاصر، العالم البيولوجي البريطاني الأصل "ريتشارد دوكنز" صاحب كتاب "وهم الإله" أنتج وثائقيا ضخماً من عدة اجزاء تحت عنوان "أصل الشرور" يحاول البرهنة أن الدّين هو أصل الشرور، وبسببه اقتتل الانسان، وافنت مجتمعات مجتمعات أخرى، ولا خلاص للإنسان من كآبته وضيق أفقه إلاّ إذا كسر قيده، وأطلق لنفسه الحرية، وتحرّر من كل دين بالمطلق.

دون شكّ، لا نتفق مع دوكنز وأمثاله في تحميل الدّين مسؤولية كل سوء في العالم، بل نقول باطمئنان: إن عدد القتلى في الحربين العالميتين الأولى والثانية، كان أكبر بكثير من عدد من قُتلوا في الحروب الدينية منذ نشأة التدوين، والبؤس الذي خلفته العولمة والفلسفات السياسية الغربية القائمة على نزعات التفوق العرقي أو الحضاري لا يقارن به أي بؤس مرّ على الإنسان، والذي من افرازاته في العالم الغربي قبل غيره ظواهر الإدمان والانتحار والتفسخ الاجتماعي والتحلل الخلقي وغيرها.

في المقابل، قد نكون مجانبين للصواب إذا قلنا إنّ دِينا ما لم يعرف "التكفير" أو لم تظهر فيه نزعات التكفير في حقبة أو مرحلة تاريخية من عمرهّ. ولعلّ ظاهرة التكفير من أقدم الظواهر الدينية في التاريخ البشري، فلم يخلو منها دين بشكل عام. نستذكر هنا الحرق والتقتيل الذي مارسته أو باركته الكنيسة في أوروبا بحق العلماء الذين رفضوا تفسيرات الكتب المقدسة للظواهر الكونية، بل ينساب الى ذواكرنا ما فعلته الحروب الدينية بين المسيحيين أنفسهم خلال القرون الوسطى في المناطق التي تتشكل منها اليوم ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، والتي بقي جزء منها قائما حتى عهد قريب بين الكاثوليك والبروتستانت بين إيرلندا وبريطانيا.

المأساة التي تتعرض لها الأقلية المسلمة من الروهينغا على يدّ البوذيين في ميانمار اليوم شاهد آخر على ما نقول رغم أن البوذية من الديانات المسالمة في نصوصها الاعتقادية الأولى.

أما في الإسلام، فقد ظهر التكفير في حقبة الإسلام المبكر أي في القرن الأول لدعوة النبي محمد(ص). وتُعدّ حركة الخوارج أوّل حركة مارست التكفير حين قالت بكفر مرتكب الكبيرة من المسلمين. واستمرت نزعات التكفير قائمة في كل مرحلة ومع كل سلطة او دولة تقام أحيانا تشتد وتصل حد الاقتتال وأحيانا تبقى حبيسة الكتب والكراريس والدواوين.

وإذا كان الدّين في طبيعته متلازماً في مرحلة من مراحل تكوينه وانتشاره بنزعة تكفيرية استئصالية لمعارضيه أو مخالفيه، فإن ذلك لا يعتبر تفسيرا كاملاً ولا مبرراً كافيا لتحليل ظاهرة التكفير التي أضحت موجة مُعلومة أو وباء عابراً لكل الحدود.

تمشِّياً مع ما سلف، وتنسيباً له، لا يمكن تحميل النصّ الدينيّ المؤسس (القرآن في الإسلام) مسؤولية في بروز التكفير، بل أزعم أن المؤسسة الدينية التقليدية في الدول الإسلامية كانت من أسبق المؤسسات الاجتماعية في علاج الظاهرة ومكافحتها.

إن الباحث في جذور التطرف المفضي الى التكفير ثم الى العنف المسلح يجد أنّه متأتيّ من روافد ثلاث:

أولها الرافد الديني: وهو رافد دائما ما كان موجوداً. ولا نقصد بالرافد الديني النصوص المقدسة بذاتها. وانما التفسيرات والتأويلات المصاحبة لهذه النصوص أو ما يعود إلى ما هو متشابه وملتبس فيها إذا ما اجتزأت من الرسالة ككل. وبما أن من طبيعة بعض الناس التشدد، لذا قد نصادف وجود شخصية دينية متشددة او مدرسة متشددة إذا قام عليها شخصيات متعصبة. ‏هذه صفة طبيعية متكررة في التاريخ لكنها تبقى في إطار ضيق ولا تحدّد طبيعة المجتمع أو تهدّد كيانه وتماسكه.

الرافد الاجتماعي: وهو رافد موضوعي، لا علاقة له بالنصّ الديني. فعندما يكون المجتمع في حالة ضمور حضاري، أو يعاني أزمات اقتصادية مزمنة مثل البطالة والفقر وغياب العدالة الاجتماعية، تنتشر الأفكار ذات الصبغة القومية الانعزالية المتشددة، ويميل المرء الى المبالغة بالهويات الفرعية ويستدعي الدين ويستهوي التفسيرات المتشددة له.

الرافد السياسي: أي التوظيف السياسي للدين من قبل السلطة والقوى المعارضة لها. وهو الأخطر في تقديري كون هذا الرافد يغذي التطرف اجتماعياً، عن وعي وتصميم مسبق، وتوفر له الطاقات والأموال. والسلطة تعتقد أنها من حقها توظيف الدين. وفي أغلب الأحيان تكون المؤسسة الدينية الرسمية مُوجهة لخطابات تعزز نزعة التكفير في المجتمع.

* محمد علّوش - الميادين نت