المقاومة بشقيها اللبناني والفلسطيني، سواء في جنوب لبنان أو في قطاع غزة، لم يُرهبها هذا التفوّق العَسكري، مِثلما أرهب أنظمةً عربيّة، وحاولت دائمًا أن تتحدّى هذا الخَلل وتُحاول أن تتفوّق عليه، بكل ما تُملكه من وسائل بسيطة وإرادة قتاليّة عالية.
سنتحدث لاحقا عن مَعنى إطلاق هذه الطائرة نحو الجولان، ولكن نرى لِزامًا علينا التّذكير، بعبقريّة الشّهيد محمد عباس، أو “أبو العباس″، أمين عام جبهة التحرير الفِلسطينيّة، الذي تُوفّي في سُجون الاحتلال الأمريكي في العراق عام 2003، فقد فاجأ العالم بأسره والإسرائيليين بالذّات، عندما أرسل في مَطلع الثمانينات مجموعةً فدائيّة على مَتن طائرة شراعيّة لاختراق حُدود فِلسطين الشماليّة، والهُبوط في قَلب قاعدةٍ عسكريّة إسرائيليّة تحت جُنح اللّيل دون أن تَنجح الرادارات في رَصدها.
***
تقارير عسكريّة أكّدت قبل أيّام أن أكثر ما تَخشاه القيادة الإسرائيليّة هو أن يستخدم "حزب الله" طائرات بدون طيّار لضَرب حُقول الغاز في البحر المتوسط، مع الإشارة إلى مدى تطور هذا النوع من الطائرات التي أنتجتها مصانع إيرانية، أو أن يُرسلها إلى العُمق الفِلسطيني المحتل محملة بالقذائف الصاروخية، ويبدو أن هذا اليوم ليس بعيدا.
امتلاك هذا النّوع من الطّائرات الذي استخدمته القيادة العسكرية الأمريكية في ارتكاب مجازر في حق مدنيين في أفغانستان واليمن، تحت ذريعة مطاردة مقاتلي تنظيم "القاعدة"، لم يَعد مقتصرًا على "حزب الله"، بل وصل إلى كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في قطاع غزة، وباتت هذهِ الطائرات تُصنع محليّا.
في 15 كانون الأول (ديسمبر) عام 2016، اغتالت خلية تابعة لجهاز "الموساد" الإسرائيلي شابا تونسيا يدعى محمد الزواري، في مدينة صفاقس، مسقط رأسه، وتبين لاحقًا أن المهندس التونسي العَبقري التحق بجناح القسام عام 2006، وزار قطاع غزّة ثلاث مرات، وأسّس وحدة لإنتاج طائرات بدون طيار، أنتجت عَشرات الطائرات، جَرى تسميتها باسم “أبابيل”، وبعد استشهاده جرى وضع صورته على جَناحها تكريما واعتزازا.
هذا الشاب الذي حصل على عدة جوائز عالمية لاختراعاته في مجال الطيران، رفض عروضا مالية ضَخمةً من العديد من الجهات الغربية، وقرر أن يوظف عَبقريته في خِدمة قضايا أمته العادلة.
صواريخ القبّة الحديدية ربما تستطيع التصدي لبعض نظيراتها القادمة من قطاع غزة، مِثلما حدث في حرب عام 2014، ولكنها قطعا لا تستطيع إسقاط الطائرات بدون طيار سواء القادمة من جنوب لبنان، أو جنوب فلسطين، حَسب مُعظم الخُبراء الإسرائيليين.
ما نُريد قَوله، أنه بينما تهرول قِيادات عربية للتّطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، هناك في المُقابل من الشّرفاء الذين يُواصلون اللّيل بالنّهار لتعزيز قُدرات المُقاومة العَسكريّة، وإعادة الثّقة، وبصورةٍ أقوى، إلى ثقافة المُقاومة، وبِما يُؤدّي إلى وضع حَدٍّ للغَطرسة الإسرائيليّة وصولاً للسّلام الحقيقي العادل والدّائم.
لا نَعرف كَم عدد الصّواريخ الباتريوت التي تَملكها سلطات الاحتلال، ولكن ما نعرفه أن هناك مئات من طائرات "الدرونز"، أو بدون طيار، موجودة حاليا في مخازن المقاومة في جنوب لبنان وقطاع غزة، الأمر الذي سيشكل استنزافا للميزانية العسكرية الإسرائيلية، مضافا إلى ذلك بث حالة من الرعب والهلع في صفوف المستوطنين الإسرائيليين.
ربما لا يتابع معظم العَرب هذه الأنباء اللافتة ومعانيها، لانشغالهم بالحروب الدموية المؤسفة في أكثر من بلد عربي، ومتابعتهم لحسابات الناطق باسم الجيش الإسرائيلي على وسائط التواصل الاجتماعي، ولكن الإسرائيليين ومحلليهم العَسكريين يتابعونها عن كَثب، ويدركون حجم الخطر الذي يتهددهم، سِواء من هذا النوع من الطائرات، أو مئات الآلاف من الصواريخ المتطورة الموجودة في ترسانة حركات المقاومة وداعميها.
هناك مثل عربي يقول "جاءك من يعرفك يا بلوط"، ولعله يلخص الكثير من الأوهام حول قوة الإسرائيليين، وبهدف بث روحية الاستسلام والهزيمة، وليس هناك أبرع من يعرف هذا "البلوط" من رجال المقاومة.
عبد الباري عطوان/ راي اليوم