نقصد بالمعرفة البشرية تلك العلوم التي تعني البشرية جمعاء, باعتبار الإسلام مشروعاً حضارياً يعني البشرية جميعاً, وهذا المشروع يعني أن يخاطب البشرية بعدّة علوم أسهم فيها الإسلام إسهاماً مباشراً, حتى يمكن له أن يدخل حلبة الصراع مع مشاريع اُخرى تتنازع التأثير على مستقبل البشرية خصوصاً في عصرنا الراهن, عصر العلم.
للحوزة العلميّة في العصر القريب ما قبل عصرنا الحاضر إسهامات متعدّدة على صعيد إثراء المعرفة البشريّة بعلوم وروافد مختلفة, إذا أردنا أن نذكر نماذج لذلك نذكر مثلاً البلاغي في رحلته المدرسية, وكاشف الغطاء في تحرير المجلّة, والمظفّر في كتابه المنطق, والشيخ حسين الحلّي في بحوث فقهيّة, ومحمد باقر الصدر في كتابه اقتصادنا, والشيخ محمد جواد مغنية في معارفه الغنية, والشيخ عبد الهادي الفضلي في كتبه المدرسية, فكلّ هؤلاء وغيرهم من ربيبي حوزة النجف الأشرف لهم إسهامات أثّرت في المعرفة البشريّة وأسدوا لها خدمة ما.
أمّا في عصرنا الراهن بعد أن تغلغل المنهج الأخباري في الفقه والحديث ومنهج الشيخيّة في العقائد, وأصبح لديه شيوخ وفضائيات كبيرة أصبح إنتاج المعرفة ينحو منحى آخر, منحى عجز أن يمارس اجتهاداً حقيقياً في نصوص الشريعة, منهج يقوم على تقوية ضعاف الأخبار وشذّاذها وتقديمها للقرّاء على أنّها اجتهاد من الاجتهادات المعاصرة, وهي أغلبها فتاوى عقائديّة لم تراعِ المنهج الفقهي المعمول به في مدرسة الإماميّة, منهج أدّى بتضخّم عقائد الإماميّة تضخّماً غريباً غير مألوف في مدرسة الإماميّة العدليّة, وظهور فتاوى فقهيّة غريبة أيضاً تصبّ في هذا الاتّجاه.
وضع ينذر بأنّا في أضعف حالاتنا, خلا من أي إسهامات معرفيّة في الاقتصاد أو السياسة أو القانون أو الفلسفة أو العرفان أو الأخلاق أو علم الحديث أو التفسير أو فقه النظرية أو الكلام الجديد.
بقلم: الأستاذ وفي المنصوري