قبسات قرآنية (80)..(فبشرناه بغلام حليم (101) فلما بلغ معه السعي قال..) سورة الصافات

الثلاثاء 12 يوليو 2022 - 09:30 بتوقيت غرينتش
قبسات قرآنية (80)..(فبشرناه بغلام حليم (101) فلما بلغ معه السعي قال..) سورة الصافات

القرآن الكريم-الكوثر: قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد: (فبشرناه بغلام حليم (101) فلما بلغ معه السعي قال يبنى إني أرى في المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال يأبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين (102)..سورة الصافات.

هاجر نبي الله إبراهيم (على نبينا وآله وعليه السلام) من بابل الى بلاد الشام بعد أن أدى رسالته هناك، وطلبه من الله أن يرزقه ولدا صالحا، إذ لم يكن له ول، وقد استجاب الله تعالى لدعاء النبي ابراهيم (ع) إذ قالت الآية: (فبشرناه بغلام حليم).

وقد جمعت هذه الآية الشريفة ثلاثة بشائر، الأولى أنه سيرزق طفلا ذكرا، والثانية أن هذا الطفل يبلغ سن الفتوة، أما الثالثة فهي أن صفته حليم.

وكلمة (حليم) تعني الذي لا يعجل في الأمر قبل وقته مع القدرة عليه.

ويمكن الاستفادة من هذا الوصف في أن الله بشر عبده إبراهيم (ع) في أنه سيعطي ابنه إسماعيل (ع) عمرا يمكن وصفه فيه بالحليم، كما أن الآيات التالية ستوضح أن إسماعيل (ع) بين مرتبة حلمه أثناء قضية الذبح، مثلما وضح أبوه إبراهيم (ع) حلمه في أثناء قضية الذبح، وأثناء إحراقه بالنار.

وكلمة (غلام) تطلق على كل طفل لم يصل بعد مرحلة الشباب، والبعض يطلقها على الطفل الذي اجتاز عمره العشر سنوات ولم يصل بعد إلى سن البلوغ.

أخيرا، ولد الطفل الموعود لإبراهيم وفق البشارة الإلهية، وأثلج قلب إبراهيم (ع) الذي كان ينتظر الولد الصالح لسنوات طوال، اجتاز الطفل مرحلة الطفولة وأضحى غلاما. وهنا يقول القرآن الكريم: فلما بلغ معه السعي، يعني أنه وصل إلى مرحلة من العمر يستطيع فيها السعي وبذل الجهد مع والده في مختلف أمور الحياة وإعانته على أموره، حينها رأى إبراهيم (ع) في المنام أن الله يأمره بذبح ابنه الوحيد وقطع رأسه.

امتحان شاق آخر يمر على إبراهيم (ع) الذي نجح في كافة الامتحانات الصعبة السابقة ، الامتحان الذي يفرض عليه وضع عواطف الأبوة جانبا والامتثال لأوامر الله بذبح ابنه الذي كان ينتظره لفترة طويلة، وهو الآن غلام يافع قوي.

ولكن قبل كل شئ، فكر إبراهيم (عليه السلام) في إعداد ابنه لهذا الأمر، حيث قال "يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى".

الولد الذي كان نسخة طبق الأصل من والده، والذي تعلم خلال فترة عمره القصيرة الصبر والثبات والإيمان في مدرسة والده، رحب بالأمر الإلهي بصدر واسع وطيبة نفس، وبصراحة واضحة قال لوالده: "قال يا أبت افعل ما تؤمر". ولا تفكر في أمري، فإنك "ستجدني إن شاء الله من الصابرين".

فما أعظم كلمات الأب والابن وكم تخفي في بواطنها من الأمور الدقيقة والمعاني العميقة؟!

إبراهيم (ع) لم يقصد أبدا خداع ولده، ودعوته إلى ساحة الامتحان العسير بصورة عمياء، بل رغب بإشراكه في هذا الجهاد الكبير ضد النفس، وجعله يستشعر حلاوة لذة التسليم لأمر الله والرضي به، كما استشعر حلاوتها هو.

ومن جهة أخرى، عمد الابن إلى ترسيخ عزم وتصميم والده في تنفيذ ما أمر به، إذ لم يقل له: اذبحني، وإنما قال له: افعل ما أنت مأمور به، فإنني مستسلم لهذا الأمر، وخاصة أنه خاطب أباه بكلمة "يا أبت" كي يوضح أن هذه القضية لا تقلل من عاطفة الابن تجاه أبيه ولو بمقدار ذرة، وأن أمر الله هو فوق كل شئ.

ومن جهة ثالثة، أظهر أدبا رفيعا اتجاه الله سبحانه وتعالى، وأن لا يعتمد أحد على إيمانه وإرادته وتصميمه فقط، وإنما يعتمد على إرادة ومشيئة الله، وبعبارة أخرى: أن يطلب توفيق الاستعانة والاستقامة من الله.

وبهذا الشكل يجتاز الأب وابنه المرحلة الأولى من هذا الامتحان الصعب بانتصار كامل.

إقرأ أيضا: قبسات قرآنية (79).. (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا).. "آل عمران:97"