أخذ النبي ابراهيم (على نبينا وآله وعليه السلام) ولده اسماعيل (عليه السلام) للذبح وسط الجبال الجرداء والحارقة في أرض (منى)، فقربت اللحظات الحساسة، فالأمر الإلهي يجب أن ينفذ.
عندما رأى إبراهيم (عليه السلام) درجة استسلام ولده للأمر الإلهي احتضنه وقبل وجهه، والقرآن الكريم يوضح هذا الأمر في جملة قصيرة مليئة بالمعاني، فيقول تعالى: "فلما أسلما وتله للجبين" (1)، أي كب إبراهيم (عليه السلام) ابنه على جبينه، ومرر السكين بسرعة وقوة على رقبة ابنه، إلا أن السكين الحادة لم تترك أدنى أثر على رقبة إسماعيل اللطيفة.
نعم، فإبراهيم الخليل (ع) يقول للسكين: إذبحي، لكن الله الجليل يعطي أوامره للسكين أن لا تذبحي، والسكين لا تستجيب سوى لأوامر الباري عز وجل.
وهنا ينهي القرآن الكريم كل حالات الانتظار، وبعبارة قصيرة مليئة بالمعاني العميقة "وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين".
إذ نمنحهم توفيق النجاح في الامتحان، ونحفظ لهم ولدهم العزيز، نعم فالذي يستسلم تماما وبكل وجوده للأمر الإلهي ويصل إلى أقصى درجات الإحسان، لا يمكن مكافأته بأقل من هذا.
ثم يضيف القرآن الكريم "إن هذا لهو البلاء المبين"، فان عملية ذبح الابن البار المطيع على يد أبيه، لا تعد عملية سهلة وبسيطة بالنسبة لأب انتظر فترة طويلة كي يرزقه الله بهذا الابن، فكيف يمكن إماتة قلبه تجاه ولده؟ والأكثر من ذلك استسلامه ورضاه المطلق - من دون أي انزعاج - لتنفيذ هذا الأمر، وتنفيذه كافة مراحل العملية من بدايتها إلى نهايتها، بصورة لا يغفل فيها عن أي شئ من الاستعداد لعملية الذبح نفسيا وعمليا.
والذي يثير العجب أكثر هو التسليم المطلق لهذا الغلام أمام أمر الله، إذ استقبل أمر الذبح بصدر مفتوح واطمئنان يحفه اللطف الإلهي، واستسلام في مقابل هذا الأمر.
--------
(1) تله: أي صرعه على وجهه ليذبحه من قفاه ولا يشاهد وجهه عند ذبحه ليكون أهون عليه.
(جبين) تعني أحد جانبي الجبهة أو الوجه، وطرفي الوجه أو الجبهة يقال لهما (جبينان).
إقرأ أيضا: قبسات قرآنية (80)..(فبشرناه بغلام حليم (101) فلما بلغ معه السعي قال..) سورة الصافات