ابن تيمية مؤسس الديانة التي يتبعها الوهابية (القسم الثاني)

السبت 19 أغسطس 2017 - 06:09 بتوقيت غرينتش
ابن تيمية مؤسس الديانة التي يتبعها الوهابية (القسم الثاني)

أفكار ورؤى - الكوثر

ابن حجر الهيتمي أيضا يرد على ابن تيمية

وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي في كتابه الفتاوى الحديثية(4) ناقلاً المسائل التي شذ فيها ابن تيمية عن اجماع المسلمين ما نصه: "وان العالم قديم بالنوع ولم يزل مع الله مخلوقا دائما فجعله موجبا بالذات لا فاعلا بالاختيار تعالى الله عن ذلك، وقوله بالجسمية، والجهة والانتقال، وانه بقدر العرش لا اصغر ولا أكبر، تعالى الله عن هذا الافتراء الشنيع القبيح والكفر البواح الصريح " اهـ.

وقال أيضا ما نصه(5): "واياك ان تصغي إلى ما في كتب ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية وغيرهما ممن اتخذ الهه هواه واضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله، وكيف تجاوز هؤلاء الملحدون الحدود وتعدوا الرسوم وخرقوا سياج الشريعة والحقيقة فظنوا بذلك انهم على هدى من ربهم وليسوا كذلك " اهـ.

 

وقال أيضا ما نصه(6) : "ولا يغتر بإنكار ابن تيمية لسن زيارته صلى الله عليه وسلم، فإنه عبد أضله الله كما قال العز بن جماعة، وأطال في الرد عليه التقي السبكي في تصنيف مستقل، ووقوعه في حق رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس بعجيب فإنه وقع في حق الله، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا، فنسب إليه العظائم كقوله: إن لله تعالى جهة ويدا ورجلا وعينا وغير ذلك من القبائح الشنيعة" اهـ.

 

الذهبي مدح ابن تيمية في أول الأمر ثم عاد وذمه

وكان الذهبي وهو من معاصري ابن تيمية مدحه في أول الأمر ثم لمّا انكشف له حاله قال في رسالته بيان زغل العلم والطلب(7) ما نصه: "فوالله ما رمقت عيني أوسع علما ولا أقوى ذكاء من رجل يقال له ابن تيمية مع الزهد في المأكل والملبس والنساء، ومع القيام في الحق والجهاد بكل ممكن، وقد تعبت في وزنه وفتشه حتى مللت في سنين متطاولة، فما وجدت أخره بين أهل مصر والشام ومقتته نفوسهم وازدروا به وكذبوه وكفروه إلا الكبر والعجب وفرط الغرام في رئاسة المشيخة والازدراء بالكبار، فانظر كيف وبال الدعاوى ومحبة الظهور، نسأل الله المسامحة، فقد قام عليه أناس ليسوا بأورع منه ولا أعلم منه ولا أزهد منه، بل يتجاوزون عن ذنوب أصحابهم وءاثام أصدقائهم، وما سلّطهم الله عليه بتقواهم وجلالتهم بل بذنوبه، وما دفع الله عنه وعن أتباعه أكثر، وما جرى عليهم إلا بعض ما يستحقون، فلا تكن في ريب من ذلك". اهـ. وهذه الرسالة ثابتة عن الذهبي لأن الحافظ السخاوي نقل عنه هذه العبارة في كتابه الإعلان بالتوبيخ(8)، وقال: "وقد رأيت له- أي للذهبي- عقيدة مجيدة ورسالة كتبها لابن تيمية هي لدفع نسبته لمزيد تعصبه مفيدة " اهـ.


وقال في موضع آخر فيه ما نصه(9): "فإن برعت في الأصول وتوابعها من المنطق والحكمة والفلسفة وآراء الأوائل ومحارات العقول، واعتصمت مع ذلك بالكتاب والسنة وأصول السلف، ولفقت بين العقل والنقل، فما أظنك في ذلك تبلغ رتبة ابن تيمية ولا والله تقاربها، وقد رأيتَ ما آل أمره إليه من الحط عليه والهجر والتضليل والتكفير والتكذيب بحق وبباطل، فقد كان قبل أن يدخل في هذه الصناعة منوَّرا مضيئا على مُحيَّاه سميا السلف، ثم صار مظلما مكسوفا عليه قتمة عند خلائق من الناس، ودجّالا أفّاكا كافرا عند أعدائه، ومبتدعا فاضلا محققا بارعا عند طوائف من عقلاء الفضلاء". اهـ.


ومن جملة ما يقوله الذهبي في حق ابن تيمية ما نقله الحافظ ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة عنه ونصه(10): "وأنا- أي الذهبي- لا أعتقد فيه عصمة بل أنا مخالف له في مسائل أصلية وفرعية" اهـ.


فتبين أن الذهبي ذمّه لأنه خاض بالفلسفة والكلام المذموم أي كلام المبتدعة في العقيدة كالمعتزلة والمشبهة، وهذا القدح في ابن تيمية من الذهبي يضعف الثناء الذي أثنى عليه في تذكرة الحفاظ بقوله:" ما رأت عيناي مثله وكأن السُّنّة نصب عينيه".

 

استتابة ابن تيمية


وقد استتيب مرات عديدة وهو ينقض مواثيقه وعهوده في كل مرة حتى حبس بفتوى من القضاة الاربعة الشافعي والمالكي، والحنفي والحنبلي وحكموا عليه بانه ضال مضل يجب التحذير منه وزجره كما قال ابن شاكر الكتبي في عيون التواريخ وهو من تلامذة ابن تيمية وسيأتي، وأصدر الملك محمد بن قلاوون منشورا ليقرأ على المنابر في مصر وفي الشام للتحذير منه ومن أتباعه.

وهذه صورة استتابته منقولة من خط يده كما هي مسجلة في كتاب نجم المهتدي وعليها توقيع العلماء ونصها (11): "الحمد الله، الذي اعتقده ان في القرءان معنى قائم بذات الله وهو صفة من صفات ذاته القديمة الأزلية وهو غير مخلوق، وليس بحرف ولا صوت، وليس هو حالا في مخلوق اصلا ولا ورق ولا حبر ولا غير ذلك، والذي اعتقده في قوله: { الرحمن على آلعرش آستوى } [سورة طه] انه على ما قال الجماعة الحاضرون وليس على حقيقته وظاهره، ولا أعلم كنه المراد به، بل لا يعلم ذلك إلا الله، والقول في النزول كالقول في الاستواء أقول فيه ما أقول فيه لا اعرف كنه المراد به بل لا يعلم ذلك إلا الله، وليس على حقيقته وظاهره كما قال الجماعة الحاضرون، وكل ما يخالف هذا الاعتقاد فهو باطل، وكل ما في خطي او لفظي مما يخالف ذلك فهو باطل، وكل ما في ذلك مما فيه اضلال الخلق أو نسبة ما لا يليق بالله إليه فانا بريء منه فقد تبرأت منه وتائب إلى الله من كل ما يخالفه. كتبه أحمد بن تيمية، وذلك يوم الخميس سادس شهر ربيع الآخر سنة سبع وسبعمائة.

 

وكل ما كتبته وقلته في هذه الورقة فانا مختار فى ذلك غير مكره. كتبه احمد بن تيمية حسبنا الله ونعم الوكيل ".

وبأعلى ذلك بخط قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة ما صورته: اعترف عندي بكل ما كتبه بخطه في التاريخ المذكور. كتبه محمد بن ابراهيم الشافعي، وبحاشية الخط: اعترف بكل ما كتب بخطه، كتبه عبد الغني بن محمد الحنبلي.

وبآخر خط ابن تيمية رسوم شهادات هذه صورتها: كتب المذكور بخطه اعلاه بحضوري واعترف بمضمونه، كتبه احمد بن الرفعة.

صورة خط آخر: أقر بذلك، كتبه عبد العزيز النمراوي.

صورة خط آخر: أقر بذلك كله بتاريخه، علي بن محمد بن خطاب الباجي الشافعي.

صورة خط آخر: جرى ذلك بحضوري في تاريخه، كتبه الحسن بن أحمد بن محمد الحسيني.

وبالحاشية أيضا ما مثاله: كتب المذكور أعلاه بخطه واعترف به، كتبه عبد الله بن جماعة.

مثال خط ءاخر: أقز بذلك وكتبه بحضوري محمد بن عثمان البوريجبي " اهـ

وكل هؤلاء من كبار أهل العلم في ذلك العصر، وابن الرفعة وحده له "المطلب العالي في شرح وسيط الغزالي " في أربعين مجلدا.

ولولا أن أحمد بن تيمية هذا كان يدعو العامة إلى اعتقاد ضد ما في صيغة الاستتابة هذه بكل ما أوتي من حول وحيلة لما استتابه أهل العلم بتلك الصيغة و ما اقترحوا عليه ان يكتب بخطه ما يؤاخذ به إن لم يقف عند شرطه، وبعد ان كتب تلك الصيغة بخطه توج خطه قاضي القضاة البدر بن جماعة بالعلامة الشريفة وشهد على ذلك جماعة من العلماء كما ذكرنا، وحفظت تلك الوثيقة بالخزانة الملكية الناصرية، لكن لم تمض مدة على ذلك حتى نقض ابن تيمية عهوده ومواثيقه كما هو عادة أئمة الزيغ و الضلال ورجع إلى عادته القديمة في الإضلال.

--------------------

(4) الفتاوى الحديثية (ص/116).
(5) الفتاوى الحديثية (ص/203).
(6) حاشية الإيضاح (ص/443)

(7) بيان زغل العلم والطلب (ص/17- 18)
(8)انظر الإعلان بالتوبيخ للسخاوي (ص/77).
(9) الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ التاريخ (ص/78), وبيان زغل العلم والطلب (ص/23).
(10) الدُّرر الكامنة (1/151.
(11)نجم المهتدي ورجم المعتدي (ص/630-631)، مخطوط.

 

المصدر : موقع أهل السنة و الجماعة