(تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، (القصص 128)
المتقون وحدهم هم الذين يفكرون ويمحصون نتائج عملهم قبل الإقدام عليه إن خيرا فخير وإن شرا فشرٌ في الدنيا والآخرة، أما الذين يتصرفون بمنطق العلو والعنجهية والاستكبار فلا يبالون بما أقدموا وما اجترحوا من كبائر ظناً منهم ألا راد لحكمهم ولا دافع لأمرهم ولا معقب لقضائهم!!
(تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)، (هود 49)
المتقون كانوا ولا زالوا في صراع مع المجرمين (إنا من المجرمين منتقمون) منذ خلق الله الأرض ومن عليها يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويحذرون من عواقب الظلم والتكبر والبغي في الأرض بغير الحق.
"هَلَكَ مَنِ ادَّعَى وَخابَ مَنِ افْتَرى مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَكَ وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا أَلَّا يَعْرِفَ قَدْرَهُ". الإمام علي بن أبي طالب.
لا يملك الحمار قدرة تمييز ما يحمله فوق ظهره من كتب وأسفار أو سؤال راكبه إلى أين المسير ولو قاده إلى حقل ألغام لينهي مشوار حياته وحياة صاحبه فالحمار مسكين لا يملك حق الاختيار أو رفض ركوب الشيطان على ظهره.
أما حمير البشر فعليهم أن يتحملوا عواقب وتبعات أفعالهم فهم من النوع المكلف كونهم يحملون صورة إنسان رغم أن القلب والعقل قلب حيوان!!
عندما أقدم آل سعود على حماقة غزو اليمن قبل أكثر من عامين كان السؤال المطروح عن عواقب هذا التصرف الأخرق ولماذا يبارك العالم هذا السلوك رغم خطورة آثاره ليس فقط على المعتدى عليهم بل على المعتدين حيث كان واضحا أنهم يقامرون مقامرة كبرى إن لم تحقق لهم النصر المطلق فستكون خسارتهم هائلة.
الغريب أن غزوة اليمن كانت ضمن سلسلة طويلة من الحماقات السابقة قبل أن يتبين بعد ذلك أن ثمة حماقات لاحقة من ضمنها غزوة الدوحة التي وئدت في مهدها ولم تتحول أبدا لعاصفة حزم ولا أمل حيث ضاع الأمل بمجرد بدء العمل!!.
بفضل تضحيات رجال الله في الميادين وليس ميدان واحد، في العراق وسوريا ولبنان واليمن فضلا عن غزوة تخفيض أسعار النفط تحول الأمل الوهابي إلى سراب بقيعة حسبه آل سعود ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه أو سيوفيه حسابه.
لم تكن تلك الغزوات هي كل شيء بل كانت هناك غزوات أصغر لم يجر ربطها بتلك المعارك الكبرى منها ما تعرض له بعض الشخصيات الثقافية الفاعلة في الكويت وفي بلدان أخرى من ضمنها مصر من ضغوطات هائلة وهو ما أشار إليه السيد/ حسن نصر الله في خطابه الأخير بقوله (الأخطر والأهم هو الضغط، الضغط والترهيب النفسي على الدول وعلى الحكومات وعلى الأحزاب وعلى الشخصيات، ليس فقط في لبنان بل في كل المنطقة: من يتحدث مع حزب الله، هذا حزب إرهابي، من يتحدث معه سيعاقب ويقاطَع هذا داعم للإرهاب، وكما نقول بالعامية: "بدّهم يأكلوا رأس العالم).
الآن بدأ آل سعود وحلفاؤهم في جني ما زرعوه من مر وعلقم حيث كان سؤالنا المطروح منذ مدة (متى نسمع صوت الارتطام) حيث بدا واضحا الآن أنهم يبحثون عن مخرج من تلك الورطات الهائلة التي سعوا إليها بأقدامهم.
وساطات عراقية بين إيران والسعودية بناء على طلب سعودي رسمي وليس مجرد حوارات وراء الكواليس ودعوات لشخصيات شيعية عراقية وازنة وتنازلات لا يعرف حجمها الحقيقي ولا مدى جديتها والثابت الوحيد الآن أنهم يصرخون من الألم.
رأينا ألا يتسرع الطرف (الأطراف) المقابلة في القبول والترحيب بما يعرض عليهم إذ أن حجم الجرائم التي ارتكبها التحالف الصهيو وهابي لا يمكن التسامح معها ببساطة وعلى هؤلاء أن يدفعوا ثمن ارتكاباتهم طيلة هذه الفترة.
لا يجوز إطلاقا الركون إلى مبدأ عفا الله عما سلف وكأن شيئا لم يكن وبراءة الأطفال في أعينهم الوقحة رغم دموع التماسيح التي سيجري سكب المزيد منها خلال الفترة القادمة.
ليس غريبا أن يفتتح السيد/ حسن نصر الله خطابه الأخير بقول الله تعالى (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين، إنهم لهم المنصورون، وإن جندنا لهم الغالبون) وعلى هؤلاء أن يدفعوا ثمن ما قدمت أيديهم وما ربك بظلام للعبيد.
لا تفرطوا في انتصاركم ولا تهدوه لآل سعود!!.
*الدكتور أحمد راسم النفيس