بين سبّ الصحابة ونقدهم

الإثنين 14 أغسطس 2017 - 05:53 بتوقيت غرينتش
بين سبّ الصحابة ونقدهم

يحاول بعضهم أن يسلب النقد مشروعيته، ويطعن في أهدافه السامية من خلال عدّه لوناً من ألوان السبّ والشتم والانتقاص، وهذا في الحقيقة التفاف على مفهوم النقد، وتشويه لوجهه المشرق.

فالنقد القائم على أُسس صحيحة وموازين سليمة، هو قبلة الطالبين للحقيقة، والساعين إلى الفضيلة.

أمّا أُسلوب السبّ والشتم، فهو وليد العصبية، ونتاج الغيظ والحقد والهوى.

وبتعبير آخر: السبّ هو النيل من كرامة الشخص بكلمات مبتذلة ولسان بذيء لغاية التشفّي وهدم كرامته. وأمّا النقد، فهو دراسة حياة الشخص من منظار موضوعي، وبيان ما له من الفضيلة والكرامة أو ما اقترف من الم آثم والخطايا، فيثني عليه تارة، ويجرحه أُخرى كما جرى عليها القرآن الكريم حيث قصّ حياة الماضين صالحهم وطالحهم لغايات صحيحة، قال سبحانه: (لَقَدْ كانَ في يُوسُفَ وَإِخْوتِهِ آياتٌ للسّائلين) .( [1]) وقال سبحانه: (لَقَدْ كانَ في قَصَصِهِمْ عِبرةٌ لأُولي الأَلباب) ( [2]) ، إلى غير ذلك من الآيات الحاثّة على دراسة سيرة الماضين ففيها عبر وعظات للخلف، ولم أقف على دليل يفرق بين جيل وجيل.

وعلى ضوء ذلك فدراسة حياة الصحابة ونقدها على ضوء الكتاب والسنّة والتاريخ الصحيح، كدراسة حال التابعين وتابعي التابعين ومن جاء بعدهم من خلف.

ومن هنا يعلم أنّ دراسة حياة الصحابة بنيّة النقد والتقييم، والوقوف على ما فيها من محاسن ومساوئ، أمر مرغوب فيه، وليس هو من قبيل السب والشتم فانّهما من مقولتين مختلفتين.

قال ابن منظور في «لسان العرب»: السب: الشتم، وفي الحديث: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر.

قال ابن الأثير: وفي حديث أبي هريرة :لا تمشينّ أمام أبيك ولا تجلس قبلَه ولا تَدْعُه باسمه لا تستبّ له أي لا تعرّضه للسب وتجره إليه، بأن تسبّ أبا غيرك فيسبّ أباك مجازاة لك. وقد جاء مفصلاً في الحديث الآخر: إنّ من أكبر الكبائر أن يسبّ الرجل والديه، قيل: وكيف يسبّ والديه؟ قال: يسبّ أبا الرجل فيسبّ أباه وأُمّه.( [3])

فعلى ذلك فالسب هو أُسلوب الأراذل والأوباش وسفلَة الناس وأخلاطهم تأخذهم الحمية الجاهلية فينثرون ركائك الألفاظ على مخالفيهم ومناوئيهم كما هو واضح، وأين هذا من نقد حياة فئة أو عشيرة أو شخص على ضوء الروايات الصحيحة إن خيراً فخير وإن شراً فشرّ فيصف أعمالهم الحسنة، إلى جانب أعمالهم السيّئة؟!

وأوضح دليل على أنّ دراسة أحوال الصحابة يفارق السب، انّ الصحاح والسنن والسير والتاريخ مليئة بذكر محاسن أعمالهم ومساويها .

نعم صارت لفظة «سب الصحابة» واجهة للصد عن دراسة حياتهم ونقدها، فكلّ من يذكر شيئاً من حالاتهم المزرية يتّهم بسبّهم وشتمهم، والغاية من ذلك إخفاء الحقائق والستر عليها.

فلو درس الباحث حياة صحابي في ضوء الوثائق التاريخية وأثبت أنّه ظلم ـ في برهة ـ شخصاً; فنتيجة الدراسة تكون أنّه ظالم، فهذا ليس سبّاً وإنّما هو حصيلة الدراسة التي وصل إليها.

ولو دلّت الوثائق التاريخية على أنّ صحابياً قتل مالك ابن نويرة ونزا على زوجته، فنتيجة هذه الدراسة هو انّه قاتل وزان، وهذا ليس سبّاً وإنّما هو من نتائج الأدلّة القطعية التي تعضدها الوثائق التاريخية.

وذلك لأنّ السب هو إطلاق الكلام البذيء، لشخص تشفّياً منه وإخماداً لسورة غضبه، فيقول: يا فاسق، يا ظالم، يا زاني.

وأمّا الدارس لحياة أُمّة أو طائفة أو شخص بالوثائق التاريخية من دون أن تأخذه الحمية والغضب إنّما يرفع الستر عن حقيقة تاريخية أُسدل عليها الستر فيصل إلى النتائج الماضية فهذا لا يعدّ سبّاً، لأنّ مقوّم السب هو التشفّي والغضب، وهو مفقود في مثل هذه الدراسات الموضوعية التي لغتها لغة العلم والتحقيق.

وبذلك يعلم أنّ كلمة سبّ الصحابة صارت ذريعة لحظر الدراسات في سير الصحابة والتابعين بموضوعية وتجرّد.

 

*الشيخ جعفر سبحاني


[1] -يوسف: 7.
[2] -يوسف:111
[3] -لسان العرب، مادة سب، النهاية:2، مادة سب.