نمو المذهب الجعفري ومرونته… محمد ابو زهرة

السبت 22 يوليو 2017 - 09:42 بتوقيت غرينتش
نمو المذهب الجعفري ومرونته… محمد ابو زهرة

إن المذهب إذا تعددت الطبائع التى يعالجها استفاد اتساعا ونموا مادام لايخرج عن الأصل المرسوم، والغایة المنشودة، وإن المذهب تتعدد فيه بذلك أشكال الأحكام التى يصل إليها المجتهدون، فإن مثل المذهب كمثل النهر الجارى في الأرضين المختلفة الألوان يحمل في سيره ألوانها، وأشكالها من غير أن تتغير في الجملة عذوبته، وإن تغير صفاؤه، وقد يحمل مع ذلك هذه الكدرة ما يكون سبباً للخصب والنماء. وإن المذهب الجعفرى قد انتشر في أقاليم مختلفة الألوان من الصين إلى بحر الظلمات حيث أوربا وماحولها، وإذا كان العدد في كل إقلیم محدودا في كثير من الأقالیم – فإنه على أي حال عالج مشاكل هذا العدد.

يتطرق الشيخ حمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة في الفقرة ماقبل الأخير من كتابه:” الإمام الصادق، حياته وعصره ، آرائه وفقهة” إلى (نمو المذهب الجعفري ومرونته) و يذكر العوامل التي لها تاثير في نمو المذهب، وهي:

أولها ـ أن يكون باب الاجتهاد مفتوحاً، فإن ذلك يفتح باب الدراسة لكل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، وعلاجها من الشريعة بما یناسبها من غير تجاوز لحد النصوص، وخروج عن المأثور، وإننا نعتقد أن المذهب الجعفرى من الناحية الفقهية قد فتح فيه هذا الباب للدراسة، وهو بهذا صالح للنمو المستمر الذی لایتخلف مادام المجتهدون فیه ملتزمین الجادة والطریق المستقیم، واتباع القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة،لايحرفون الكلم عن مواضعها. ولا العبارات عن مؤداها، ولا الأحكام عن غاياتها وثمراتها.

العامل الثانی: من عوامل النمو وصلاحيته لعلاج المشاكل المختلفة بالموروث من الفقه، والبناء عليه، هو كثرة الأقوال في المذهب واتساع الصدر للاختلاف مادام كل مجتهد يلتزم المنهاج المسنون، ويطلب الغاية التى يتغيّاها من يريد محض الشرع الأسلامى خالصاً غير مشوب بأى شائبة من هوى.

وان الأقوال في المذهب الجعفرى كثيرة، وقد رويت فيه روايات كثيرة، وقد وضعوا نظما للتعارض، ولم يهدموا رواية برواية، بل إن الطوسي شيخ الطائفة في القرن الخامس الهجرى يقرر أنه إذا لم يمكن الجمع بین خبرين، وكلا الخبرین روی برواة ثقات یکون فی المذهب قولان، و یجوزالعمل بأی واحد منهما.

وإن كثرة الأقوال بلا ریب من شأنها أن تجعل تطبيق المذهب مرنا، ويستطيع المفتى العدل الثقة الأمين أن يتخير من الأقوال في المذهب ما يعالج به واقعة الإفتاء، وان مثل المفتی کمثل الطبیب المعالج، کلماکثرت بین یدیه أنواع العقاقير الذى يعالج بها مريضه، وكلها قد يكون فيه شفاء لدائه في الجملة، فإنه يتخير منها أنسبها لجسمه ونفسه، وأقربها علاجاً، وأبعدها عن الضرر، فمن الدواء ما يحسم الداء، ولكن قد يعقبه أدواء، ربما كان ضررها أبلغ أثراً من ضررالداء الذی عولج.

العامل الثالث: تفرق الأقاليم التى انتشر فيها المذهب، وتباين عاداتهم، وتفكيرهم، وبيئاتهم الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية، فإن المذهب إذا تعددت الطبائع التى يعالجها استفاد اتساعا ونموا مادام لايخرج عن الأصل المرسوم، والغایة المنشودة، وإن المذهب تتعدد فيه بذلك أشكال الأحكام التى يصل إليها المجتهدون، فإن مثل المذهب كمثل النهر الجارى في الأرضين المختلفة الألوان يحمل في سيره ألوانها، وأشكالها من غير أن تتغير في الجملة عذوبته، وإن تغير صفاؤه، وقد يحمل مع ذلك هذه الكدرة ما يكون سبباً للخصب والنماء.

وإن المذهب الجعفرى قد انتشر في أقاليم مختلفة الألوان من الصين إلى بحر الظلمات حيث أوربا وماحولها، وإذا كان العدد في كل إقلیم محدودا في كثير من الأقالیم – فإنه على أى حال عالج مشاكل هذا العدد.

ونضيف عاملا رابعاً من عوامل نمو المذهب هوكثرة العلماء الذين يتصدون للبحث والدراسة وعلاج المشاكل المختلفة، وقد آتی الله ذلك المذهب عن هؤلاء عددا وفیرا، عکفوا علی دراسته، وعلاج المشاكل على مقتضاه ، وإذا كانوا قد ظهر فيهم تعصب فإن ذلك التعصب ربما يفيد مذهبهم، وإن كان لايقربهم من إخوانهم في الدين، وإن الطريق بعون الله تعالى معبدة للسير إلى موطن اللقاء، ولعل ذلك التعصب كان مجاوبة لتعصب مثله، وإذا زال كلاهما تلاقی المسلمون بعون الله تعالى وتوفيقه من غير انحراف عن حقائقه على مودة ومحبة وتقوى. من الله ورضوان.

 

البلاد التي دخل المذهب:

قد اتنشر المذهب الامامی فی اماکن مختلفة، ولکن لم یکن في بلد من البلدان إلتى دخلها له غالبية كبيرة في كل البلاد التى دخلها واستقر فيها، ولكن بعضها له فيه كثرة، وبعضها له فيه قلة، وهم في قلتهم وكثرتهم يتلاقون على العمل في الفروع بالمذهب الجعفرى، فهو المذهب السائد في الفرع، ذلك أن الإمامية يتلاقون متفقين عند الإمام الصادق رضى الله تبارك وتعالى عنه، ثم يكون التفرق من بعده، فالإسماعيلية اعتبروا الإمام من بعده إسماعيل، والاثنا عشرية اعتبروا الإمام من بعده موسى الكاظم، ثم أرسلوا -سلسلتهم إلى محمدبن الحسن العسکری الذی غیب، و لايزال ینتظر.

ولذلك نقول إن كل أرض دخلها المذهب الإمامى دخلها معه المذهب الجعفرى والاثنا عشرية على أى حال هم الكثرة من الشيعة الإمامية في الجلة. وإن المذهب الاثنا عشرى في إيران يستغرق الكثرة ، والمذاهب السنية فيه عدد متبعها أقل من عدد الاثنا عشرية، والأكثرون منهم من الشافعية، ذلك لأن المذهب الشافعى من قديم الزمان كان له شأن في تلك البقاع .

والمذهب الإثنا عشرى له شأن كبير في العراق ، وإذا كان معتنقوه ليسوا الكثرة الغالبة، فهم ليسوا قلة، والنجف في بلاد العراق بها طائفة كبيرة من علماء المذهب، وهم أشد العلماء عناية بفحصه ودراسته، وتذليل سبله، وتسهيل الاطلاع عليه، ويقصد إليها طلاب العلم الإثنا عشرى من كل بلاد العالم الإسلامى التى ينتشر فيها الشيعة، وإنها مقصودة لذاتها من الإمامية، لأن بها ضريح الإمام على كرم الله وجهه، وهو رأس الأئمة وأبوهم ، فيجىء إليها الإمامية من كل حدب ومكان عميق، وهو عند الشيعة قريب من الروضة الشريفة عند المسلمين أجمعين. وفي العراق مدينة كربلاء التى استشهد فيها أبو الشهداء سبط رسول الله صلى الله عليه وآله.

ورأس الشيعة الإمامية الاثناعشرية، والإسماعيلية بشتى فروعها، بل إنه رأس الزيدية أيضا، وإن كانوا قد فتحوا الباب في الإمامة لذرية الحسن رضى الله عنه.

وكربلاء بها عدد كبير من الشيعة وكثرتها أوكلها شيعة، وبهاعدد من العلماء الأجلاء عندهم، وهى تقصد لهؤلاء العلماء الأجلاء، وتقصد أيضا لذاتها، لأن بها قبرا الشهيد الحسین رضی الله، الی تقام عنده المآتم لذکری مقتله رضی الله عنه، فکان لها تلك المكانة العالية بذلك.

والكاظمية شيعية في كثرتها، وهى من مدن العراق المشهورة، وهى بهذا الإسم منسوبة إلى موسى الكاظم بنجعفرالصادق، وهو الإمام بعده عند الاثنا عشرية، وبها قبره، وقبر حفيده محمد الجواد بن على الرضا، وهو إمام من ائمة الإثناعشرية ولأنها تضم جثمان إمامين من المعصومين عندهم، لها بهذا الاعتبار شأن يذكر، وهى تقصد أيضا لوجود جثمان هذين الإمامين بها، وإن كان القصد إلها دون القصد إلى المدينتين السابقتين .

وسامراء – ويقال لها سر من رأى، ولعل سامراء مخففة منها، وإن أهل هذه المدينة كان أكثرم شيعة ، وإن لهذه المدينة أو الضاحية من ضواحى بغداد منزلة، لأنه غيب بها آخر إمام من أئمة الإثنا عشرية ، وهو محمد بن الحسن العسکري ، فقد قالوانه دخل سرداباً في دار أبيه یسر من رای، و لم يعد، ولا يزال ينتظر إلى اليوم ولعلها بهذا ذات منزلة ، ولكن لا يذكر كتاب الشيعة لها هذه المنزلة الآن .

وفي الحقيقة أن التشيع لآل البيت ساد منذ القدم أقليمين من أقاليم الإسلام، وهما العراق، وبلاد فارس، ومنهما امتد التشيع شرقا وغربا، أما العراق، فقد كانت الكوفة والبصرة وغيرهما من بلاد العراق موطن الخروج على ملوك بني أمية الذين كانوا أول من أظهروا العداوة لعلى كرم الله وذريته من بعده، وحسب القارىء دلالة على هذه العداوة المستحكمة ما بين أميرالمؤمنين إمام الهدى على رضى الله عنه، وبين معاوية بن أبي سفيان، ثم ماكان بعد ذلك عن مقتل الحسين تلك القتلة الفاجرة، ومقتل حفيد زيد بن على رضى الله عنهم أجمعين.

وأما فارس وخراسان وما وراءهما من بلدان الإسلام، قد هاجر إليها كثيرون عن علماء الإسلام الذين كانوا يتشيعون فرارا بعقيدتهم من الأمويين أولا، ثم السياسيين ثانيا، وإن التشيع كان منتشراً في هذه البلاد انتشاراً عظيما قبل سقوط الدولة الأموية، بفرار أتباع زيد، ومن قبله إليها ، ولذلك وجدت الدعوة الشيعية التى انتحلها دعاة العباسيين رواجا عظيما فيها، ومنهم نبتت قوة الدولة، وقادة الحرب الى أدال الله بهم من حكم الأمويين، ومسلم الخراساني هو القائد المظفر الذى أسلم صولجان الحكم إلى العباسيين، قد كان فيه تشيع لآل على كرم اقه وجهه، ولعله عن أجل ذلك، ومن أجل غيره قتله أبو جعفر المنصور الذي کان يتغدی من يخافه قبل أن يغشاه.

وقد كثر التشيع في إيران في عصر ملوك الدولة الصفوية. وفي الجملة كثر التشيع في بلاد خراسان وما وراءها ، وخصوصاً عندما جاء إليها على الرضا مع المأمون، وهو أحد الأمة الاثنى عشر. الذين يدين يامامته الإثناعشرية ، فقد مات في هذه الرحلة، ودفن وقبره بطوس، ولذلك كانت هذه المدينة شيعية ، وتقصد لزيارة قبره من طوائف الاثنا عشرية.

وقد جاء معجم البلدان في شأن طوس أنها مدينة بخراسان بينها وبين نيسابور نحو عشرة فراسخ . . . وفي بعض بساتينها – قبر على الرضا، وقبر الرشيد، فالرشيد مات بها عندما خرج خرجته الأخيرة، والرضا مات بها عند ما خرج مع المأمون . ويقال إنه كان قد عهد بالخلافة إليه من بعده. ثم نكث بعهده في ذات نفسه، فألقى إليه السم في الطعام بعد أن وثق به الرضا، فكان شهيداً.

وقد جاء في أعيان الشيعة للعلامة السيد محسن العاملى في البلاد التى دخلها التشيع ما نصه ” عند حدوث الضعف في الدولة العباسية، وخروج أكثر الأمصار عنهم واستبداد الأمراء بهم حتى لم يبق لهم غير الخطبة، ظهرت في العراق وفارس دولة البويهيين، وفي الموصل ودمشق دولة الحمدانيين، وفي أفريقية والمغرب ومصر والشام والحجاز دولة العبيديين، حتى أصبح جل بلاد الإسلام بيد الملوك والأمراء الشيعة وكثرت الشيعة في هذه البلاد كثرة مفرطة، فبعضها كان أكثرها شيعة كمصر والغرب، وبعض سواحل سورية ومدنها، وكثير من مدن العراق ، وبعضها كحلب وطرابلس الشام ، وجبال بنى عاملة، كان كل أهلها شيعة إلا ما ندر ودخل التشيع إلى بلاد الأندلس ،

وكثر في بلاد العجم في ذلك العصر مضافا إلى ما كان فيها من الشيعة، ولم يزل في زيادة وفي عهد الملوك الصفوية أصبح جل أهلها شيعة، ودخل التشيع جميع بلاد خراسان وما وراء النهر وأفغانستان قبل عصر الصفوية، وكثر في هذه البلاد في عصرهم كبلخ قبل عصر الصفوية، وکثر فهذه البلاد و بخاری و سمرقند و جرجان و هراة و کابل و قندهار، و غیرهما و امتد إلى بلاد الهند والسند ، والتبت ، وظهرت في بلاد الهند دولة العادل شاهية، والنظام شاهية.

والقطب شاهية وغيرها من الدول الشيعية ، وما زال التشيع يفشو فيها حتى أصبح فيها اليوم ما يزيد على ثلاثين مليونا وأهل البحرين – قدیمو التشیع .

وإن هذا الكلام قد يكون اليوم غير محقق وثابت، فقد ضؤل نفوذ المذهب الشیعی فی کثیر من البلاد التی ذکرها، وقاومه المذهب السنی فی کثیر عما ذکر، فقد انحسر المذهب الشیعی عن حلب، و آوی الباقون من الشیعة إلى الجبال.

على أنه يلاحظ أنه اعتبر سيطرة دولة شيعية دليلا على اعتناق الإقليم الذى سيطرت عليه للمذهب ، والحقيقة أنه لا ينتشر المذهب بقوة السلطان ، وإنه من الثابت تاريخياً أن الدولة الفاطمية قد استولت على مصر، ولم تقض على المذاهب التى كانت بها إلا المذهب الحنفي، لأنه كان مذهب العباسية، فحاربته لتحارب به نفوذ العباسيين، أما المذهبان المالك والشافعى ، فقد كان لهما سلطان كبير في الشعب المصرى فلم تغالبهما ، وما في استطاعتها أن تمنع ذلك ، وإلا فإنها تشغل بذلك عن مد سلطانها وحكمها إلى ما وراء مصر من البلدان ، وما كانت تصل في ذلك إلى أرب ، لأن الآراء لا تعتنق بقوة السلطان .

ولذلك لما انقضی الحكم الفاطمی لم يجد صلاح الدين كبير مشقة في القضاء على المذهب الشيعى في مصر ، وقد انحسر عنها المذهب والبقية الباقية ابان ذاك من معتنقي المذهب ، لم يكونوا قوة فيها، ولذلك فروا إلى صعيد مصر، ولعلهم انتقلوا من مديرية إلى مديرية حتى استقر بهم المقام في مديرية اسوان وانتهى بهم الأمر إلى مدينة أسوان وقد طوتهم لجة التاريخ فيها ، فليس منهم أحد اليوم.

ويلاحظ مرة ثانية أن بعض البلاد التى ذكرها ، وكان للشيعة فيها سلطان وذيوع بين الشعب ، قد أصبحوا فيها في هذه قلة نادرة ، ومن ذلك بلاد الأفغان، فإن التشبع فيها كان ذا سلطان كبير، ولكن اليوم قل عدده، حتى أصبح عدد المتشيعين لا يتجاوزون أربعمائة ألف.

ولذا يقول السيد العاملى مانصه: وانتشر التشيع في أفغانستان في عهد الملوك الصفوية، وعينوا علماء ومدرسين ومشايخ إسلام في أهم مدنها، مثل هراة، وكابل، وقتدهار وغيرها، والأن لا تخلو بلد من بلاد الأفغان من الشيعة، ولكن عددهم غير معلوم على التحقيق ، إلا أن فيهم كثرة لا يستهان بها تقدر بنحو أربعمائة ألف.

هذا وأتباع المذهب الاثناعشرى كثيرون في لبنان وفي بعض أجزاء من سوريا، ولکنهم يعدون في الإقليمين بالألوف ، ولا يبلغون ألوف الألوف وفيهم نشاط علمى واضح، كإخوانهم في النجف وايران، ولبنان قد نشرت حدیثا کثیرا من کتیب ذلک المذهب، وحبذا لو استمرت فی ذلک حتی تخرجه من خزائن الخطوط، إلى دور المكاتب في طبع أنيق، ولكي تخرجه في طباعة تقراً لا في طبع حجر هو كالخطوط في قراءته أو أشد لكثرة التحريف التصحيف والتقدیم والتاخیر ۔ وقد عانینا من ذلك الشئ الکثیر .

ويجب أن نذكر هنا أن بلاد علمية قد اشتهرت في القديم بتخريج العلماء فی المذهب الشیعی ، ولکنها الان لیس لها مقام مذکور في خدمة ذلك، من هذه طوس، و حسبها أنها خرجت شیخ الطائفة ابا جعفر الطوسی الذی کان بحر العلم في ذلك المذهب، ومن هذه البلدان زنجان وهى بلدة بأذربيجان، وقد رأينا كثيرا من أفاضل العلماء في ذلك ينتسبون إلى تلك المدينة.

ومن البلدان الشيعية قاشان، وهى قريبة من أصبهان، وأهلها شيعة إمامية اثنا عشرية، وقد جاء في كتاب السمعاني: قاشان بلدة عند قم، أهلها من الشيعة وكان بها جماعة من أهل العلم والفضل.

وجاء فی کتاب النقض: كاشان (قاشان) الحمد الله والمنة، كان منوراً ومشهوراً ولا يزال ، وترتيب الإسلام ونور الشريعة ظاهر في مساجده ومدارسه العظمة، فمن المدارس الكبرى المدرسة المنصورية والمجدية والشرفية والعزيزية مع كمال الزينة والعدة والأوقاف والمدرسين، مثل ضياء الدين أبوالرضا فضل الله ابن على الحسينى الذى لا نظير له في العلم والزهد وغيره من الأئمة والقضاة والفقهاء و المقرئین والمؤذنین هناك، یباحثون ویناظرون ویذکرون » .

ومن البلاد التی کان لها فضل في العلم، وهی فی بلاد ایران مدینة قم، وكان بدء تمصيرها سنة ٨3 من الهجرة النبوية ، وقد جاء في معجم البلدان : ذکر بعضهم أن أهلها كلهم شیعة امامیة، وکان بدء تمصیرها سنة ۸۳ و ذکر أن عبدالرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس كان أمير سجستان من جهة الحجاج، ثم خرج عليه، وكان في عسكره سبعة عشر نفساً من علماء التابعين من العراقيين، فلما انهزم ابن الأشعث، ورجع إلى كابل منهزما كان في حملته عدة إخوة ، وكان متقدم هؤلاء الإخوة عبد الله بن سعد ، وكان له ولد قد ربي بالكوفة ، فانتقل منها إلى قم ، وكان إماميا وهو الذى نقل التشيع إلى أهلها، فلا يوجد بها سنى قط.

وفي مجالس المؤمنين : « قم خرج منها كثير من أكابر وأفاضل ومجتهدى الشيعة الإمامية، و وردت أخبار عديدة في فضل قم وأهل قم – عن الرسول صلى الله عليه وآله، والأئمة عليهم السلام. وعن الإمام جعفر (عليه السلام) : ألا إن الله حرما هو مكة ألا أن للرسول صلى الله عليه وآله حرما هو المدينة. ألا أن لأميرالمؤمنين حرما، وهو بالكوفة. الا إن حرمی و حرم ولدی من بعدی قم. ألا إن قم كوفة صغيرة .

وهکذا نجد کثیرآ من البلدان قد اشتهرت بالعلم الإمامی، و قد ذکرنا بعضها، وثمة كثير غيرهما، وعلماء هذه البلاد أمتازوا بنشاط كبير هو الذى أبقى ذلك المذهب مدوناً مسطورا، يجری الاجتهاد فيه من آخر القرن الثالث إلى هذه الأيام.

والمذهب الإمامی موجود فی کثیر من بلاد الهند الان، وفي بلاد أندنوسيا شيعة ، والشيعة في كل بلد يحلون فيه يوجدون لأنفسهم حيزاً قائماً بذاته، لأن الطائفية تسيطر على نفوسهم في كثير من الأحوال، وخصوصاً إذا كانوا أقلية في إقليم من الأقاليم، فإن خوفهم من أن يندغموا في غيرهم كانت تدفعهم إلى التشدد في طائفيتهم مقاومة للفناء.

والشيعة قد انتشروا في وسط أفريقية في البلاد الإسلامية كنيجريا، وبلاد الصومال ، وبلاد السنغال ، وغيرها من البلدان الأفريقية، وأكثر هؤلاء من الاسماعيلية المنحرفة، وليسوا من الإثنا عشرية، ولا من طائفة الاسماعيلية المعتدلة کالبهرة الذین یقیمون بالهند و باکستان .

هذا و يلاحظ ان الیمن اکثرها شیعی، ولکن قلیل منتها من هو اثناعشری ،أو إمامی بشکل عام ، بل جل التشیع فيها على المذهب الزیدی، و قد ذکرنا ذلك في کتاب ( الإمام زید ) .

وفي أطراف البلاد العربية بعض التشيع، وبعض بلدانه يكثر فيها كالبحرين، وبها مدينة يقال لها قطيف، وقد جاء في أنوار البدرين ” هى بلاد الخط في ألسنة المتقدمين التى تنسب إليها الرماح الخطية، وأهلها كلهم بحمد الله متمسكون بالعروة الوثقى، وولاية الأئمة الهداة، آل الرسول صلى الله عليه وآله، أكثرها الآن علماء ومتعلمون وأدباء، وأرضها من أطيب الأرضين.

وجاء ق معجم البلدان: « القطیف بفتح أوله و کسر ثانیه فعیل، و هی مدینة بالبحرين، وهى قصبتها، وأعظم مدنها… ولما قدم وفد عبدالقيس على النبی صلى الله عليه وآله تکلم مع سیدیها الجون والجارود ، وجعل يسألهما عن البلاد.

وفي رحلة ابن بطوطة التى كانت سنة 725 ” القطيف مدينة كبيرة حسنة ذات نخل كثير، یسکنها طوائف من العرب، وهم رافضیة يظهرون الرفض جهاراً لایتقون احداً..

هذه اشارات الى البلاد التی ینتشر فيها التشیع ، ولکن يجب أن يلاحظ أمران :

أحدهما – أن أكثر البلاد الإسلامية وخصوصاً النائية عن البلاد العربية فیها تشیع بفتات کبیرة او أعداد صغیرة ، ولکنه فی مجموعة لایکون کثرة إسلامية، ولا عدداً قريباً من الكثرة المطلقة ، وإن كان عدداً كبيراً في جملته، فالكثرة الكبيرة سنية بلا ريب، وإننا لنأمل أن يندمج الجميع في وحدة شاملة، لا تكون فيها كثرة، وقلة طائفية، بل يكون فيها جمع موحد، وإن كانت فيه مذاهب مختلفة ، وتفسيرات للشريعة في دائرة المقررات الشرعية متعددة، فتعدد التفسيرات في دائرة المقررات الإسلامية دليل على الحيوية الفكرية والانقسام ، إلى طوائف دليل على التفرق والانقسام ، والفرق بين الأمريين عظيم .

والأمر الثاني – أنه ليس كل التشيع في البلاد الإسلامية إثناعشريا، بل ليس. كل من ينتمون إلى التشيع ويجهرون به يعدون من أهل القبلة ، فالمتشيعون في البلاد الإسلامية القاصية والدانية منهم زيديون ، ومنهم اثنا عشرية ، ومنهم إسماعيليون غير منحرفين في الجملة كالبهرة في الهند وباكستان، ومنهم اسماعيليون منحرفون يعتقد بحلول الإله في أئمتهم، وهؤلاء لا يعدون من أهل القبلة في شىء،

ولقد كان أعداء الإسلام ينفخون في صور الذين يدعون لأنفسهم الامامة عليهم ليكونوا أبواقاً ينادون بسلطانهم وليتخذ أولئك من مظاهرهم أدلة للطعن في العقائد الإسلامية وإنهم ليرتعون ويلعبون في المدائن الأوروبية ويتقلبون بين الملاهى، ويرتمون في أحضان الغواني، وتنشر حرکاتهم، ويمکنون من وسائل الإعلان عن أنفسهم، ويعلن الأعداء أعمالهم ليحصوها على الإسلام، والإسلام منهم براء، طهر الله الإسلام من أفعالهم، ووقاه من شرورهم، ورد كيد الأعداء في نحورهم، إنك يا مولاي سميع الدعاء.

 

*من كتاب: "الإمام الصادق، حياته وعصره، آرائه وفقهة" للشيخ محمد ابو زهرة