موضوع التكفير؛ كموضوع فكري؛ لا إشكال كثيراً فيه؛ فكل دين أو مذهب يرى أنه الحق المطلق؛ إذا التزم من يكفرني باعطائي حقوقي فليفعل؛ لا إشكال عندي.
المذاهب والاديان لا يدفعها تكفير الاخر لاستحلال دمه في الغالب؛ تيار الغلاة فقط؛ يستحل الدماء بأي شيء؛ إذا لم يستحلها بالتكفير استحلها بغيره..
تيار الغلاة لا يستحل الدماء بالتكفير فقط؛ بل يستحلها بالتبديع؛ والمصلحة العامة؛ وسد الذرائع؛ وكبت المبتدعة؛ والقضاء على الفتنة.. الخ.. قائمة لا تنتهي..
فالمشكلة إذاً ليس موضوعاً فكرياً (اي التكفير) حتى تذهب كل جهودنا في مقاومة الغلو فيه؛ فالتكفير في الأخير رأي؛ إذا بقي في دائرته الفكرية.
لابد أن يقال لهذا التيار؛ مشكلتنا معك في الحقوق؛ حتى لو لم تكفرنا ولم تبدعنا؛ أنت حر في رأيك؛ لكنك لست حراً في انتهاك حقوق الاخرين؛ هنا حقوق؛ ويمكن اقناع هذا التيار بأن الاديان الأخرى هم كفار عنده بالاجماع؛ ومع ذلك لا يرى استحلال دماءهم؛ فما باله لا يستحل إلا دماء المسلمين؟؟!
في حواركم مع هذا التيار؛ لا يشغلونكم بالموضوع الثقافي من رواية وفتاوى الخ؛ لأنهم يصرفونكم عن الحقوق؛ أشغلوه أنتم بالموضوع الحقوقي؛ فهو المشكلة.
هذا التيار طبقات؛ بعضهم يشتتك في الانشغال بالاخرين؛ بأنهم يكفرون الخ؛ قل لهم: لا تنقل لي آراء الآخرين؛ يهمني أنت واستحلالك لدمي ومالي وعرضي؛ الحقوق قبل الافكار؛ حقي وحقك في الوجود والحياة والعيش الكريم قبل رأيك فيّ ورأيي فيك؛ لنعش معاً؛ ونتعامل بالحقوق؛ ونترك الفصل ليوم الفصل.
قل لهم: كفرونا كما شئتم؛ لكن بشرط؛ خلونا نعيش في الدنيا بحقوق المواطن؛ دعونا وشأننا؛ لا تتدخلوا في قناعتنا؛ مالكم شغل.. اصمتوا وبس؛ كثر الله خيركم.
فإذا أبيتم إلا أن تتبعوا التكفير باستلاب الحقوق؛ فتعالوا لمناظرة كاشفة تضطركم إلى جحوركم الضيقة؛ وستضطرون لتكفير سلفكم أو تتراجعون صاغرين.
هذا التيار المتطرف لا يصول إلا بالقوة المادية؛ لا قوة على معرفة ولا صبر على خلق؛ لا يريدون فكراً ولا حقوقا؛ يريدون العلو في الأرض والفساد فقط.
كل يوم نقول لهم: هذا كتاب الله وسنة رسوله حكم بيننا؛ تعالوا؛ تقدموا لحوار أخوي جاد.. لكنهم يستكبرون؛ ويكتفون بالهجاء من مكان بعيد!
- ما قيل في تيار الغلاة : (تحقرون صلاتكم مع صلاتهم؛ وصيامكم مع صيامهم؛ يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية). صدق رسول الله.
علامات كاشفة.
أمران لا يلتقيان:
١- الإيمان بالاحاديث الصحيحة.
٢- والقول بعدالة كل الصحابة.
لأن في السنة الصحيحة طعن في بعض الصحابة بنفاق أو فسق أو سوء خاتمة؛ من آمن بكل السنة الصحيحة (التي صحت بمنهج أهل الحديث) وجب عليه إخراج بعض الصحابة من (العدالة) بسبب هذه (السنة الصحيحة) التي تذمهم وتطعن فيهم؛ لذلك؛ فالمتعصب لا يستطيع حل هذا التناقض؛ إنما يدعوك لبلع التناقض.. الإيمان بكل السنة الصحيحة؛ والإيمان بعدالة كل الصحابة؛ رغم أن هذا يناقض هذا!
مثلاً:
إذا صح إسناد؛ (يموت فلان على غير الملة)؛ وفلان صحابي عندهم؛ أو؛ صحة حديث (قاتل عمار وسالبه في النار)؛ وقاتله صحابي ايضاً؛ فما الحل؟
عند هذا التناقض سيكون المتعصب بين أمرين لا ثالث لهما؛ إما أن يدعو لإنكار السنة الصحيحة التي تخالف القاعدة المذهبية؛ أو يعدّل القاعدة المذهبية؛؛ الغلاة لا يريدون هذا ولا هذا؛ يريدونك أن تؤمن بالتناقض لتكون أحمق متعصباً مثلهم؛ لأن من يقبل التناقض لا يحترم عقله؛ وبالتالي؛ سيقبل تناقضات أخرى!
نصرة السنة الصحيحة واجب؛ بشرط؛ أن تقتنع - بعد بحث - أنها صحيحة.
السنة تتعرض لإنكار فج ممن يدعون نصرة السنة؛ هم يتوهمون فقط أنهم ينصرونها.
السنة - لو سلمنا بهذا الاسم - يجب نصرتها فيما تحبه وتكرهه؛ ولا تتخذها لخدمة المذهب تمويهاً وخداعاً للبسطاء؛ بل اصدق؛ والمذهب والهوى تبعاً لها.
انكار السنة منهج قديم؛ بدأ في مثل هذا اليوم من حجة النبي - يوم عرفة؛ عندما خطبهم النبي حتى وصل لوصايا معينة! فضج الناس ومنعوا سماع الخطبة؛ وما زال أتباع ذلك الفريق إلى اليوم؛ لا يحبون السنة التي تشوش عليهم ما بنوه؛ فإذا اقتربت السنة من الضرر بالأنداد صجوا وضجوا وعجوا مشوشين.
راجعوا خطبة النبي يوم عرفة في الصحيحين.
وستجدون - كما في حديث جابر بن سمرة - أن الناس ضجوا عند بعض الوصايا؛ حتى لم يسمع جابر تتمة الوصايا.
لو كنت أنت موجوداً يومئذ؛ وسمعت النبي يخطب؛ هل ترضى أن تشوش عليها؟!
نعم؛ ليس الجميع شوشوا؛ ولكن؛ عدد المشوشين كانوا كافين لمنع وصول بعض الوصايا.
المقصود؛ أن إنكار السنة قديم؛ وكذلك تحريف بعضها وتوليد الأضداد؛ وما زلنا نرى هذه التملصات من السنة غير المرغوب فيها في خطاب كل متكبر مغرور عجول.
إنكار السنة لم يبدأ من الخوارج والمعتزلة كما درسونا؛ بل له قصص كثيرة من أيام النبي نفسه ومن بعده أيضاً.
*حسن بن فرحان المالكي