فأهل البيت عليهم السلام هم أهل طهر كما وصفهم الله - عزّ ذكره - بذلك في كتابه الكريم في قوله: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } (سورة الأحزاب 33) وثبت بالنقل المتواتر ان المراد باهل البيت هم علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.. فمَن غير أهل الرجس كان يستهدفهم ويحرص على قتلهم أو اقصائهم؟!
ان كان اهل الرجس لا يطيقون سماع ذكر اهل الطهر وذكر فضائلهم فتخيل هل يطيقون وجود قبورهم التي يقصدها المسلمون من كل حدب وصوب تعظيما لمقامهم ومقام جدهم صلوات الله عليهم اجمعين؟!
لا يملكون لفعلهم الشنيع هذا حجة ولا برهان من كتاب ولا سنة، بل كان صرفا اقتضته شهواتهم، فزعموا كاذبين ان هذه القبور باتت تعبد من دون الله، وهذه دعوى فارغة عن مضمونها لا تستند إلا لهوى صاحبها أو انحرافه، ولكن الحق أبلج والباطل لجلج، فمهما كانت هذه الدعاوى فإنها تتساقط وتتلاشى أمام الحجج والبراهين، وكل من ناوأ مسألة البناء على القبور وزيارتها لم يأتِ بشيء يستند إليه ويعتمد عليه فيما ذهب إليه، فهي مجرد خيالات مريضة، وأوهام فارغة، وخيوط كخيوط العنكبوت تمسكوا بها لكي يطعنوا بشعائر المسلمين.
واحدى هذه الشعائر هي شعيرة زيارة قبور البقيع خصوصا حيث دفن فيها الكثير من الصحابة الاجلاء والتابعين من شهداء بدر وشهداء الحرة فقد ذكرت المصادر الاسلامية كما ذكر البيهقي في سننه الكبرى وغيره بأنه كلما كانت ليلة عائشة من رسول الله صلى الله عليه وآله يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وآتاكم ما توعدون» ذكره في الجزء: 5/ 249، وذكر النسائي في سننه، كتاب الجنائز، باب زيارة قبور المشركين، وأبو داود في سننه في زيارة القبور ح3234، وابن ماجه في سننه في باب ما جاء في زيارة قبور المشركين: أن النبي صلى الله علي وآله زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله. بالإضافة إلى الاحاديث المتكاثرة التي تذكر بأن النبي صلى الله عليه وآله كان يعلّم عائشة الدعاء عند زيارة القبور.
ويقول: «أَمَرَني رَبّي أنْ آتي البَقيعَ وأستَغْفِرَ لَهمْ» ثم قالَ: إذا زُرْتُمُوهُمْ فقولوا:«السلامُ على أهْلِ الدّيارِ مِنِ المُؤمِنِين والمُسْلِمين يَرحَمُ اللهُ المُسْتقدِمِينَ مِنّا والمُسْتَأخِرِين، وإنّا إنْ شاءَ الله بكم لاحِقُون» (صحيح مسلم، ج 2، باب ما يقال عند دخول القبور، ص 64.)
وكانت البقيع مقبرة لكثير من الصحابة والتابعين.... فهدمت وهي تحمل هذه الصبغة النبوية والاهتمام المبارك من قبل النبي الاكرم صلوات الله وسلامه عليه بالرغم مما تقدم من الكثير من النصوص التي تبين اهتمام النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى اله بزيارة القبور وخصوصا قبور ائمة البقيع، ولعل سائلا يتسائل عن فلسفة هدم القبور ولا سيما قبور اهل البيت عليهم السلام ما كان يحمل ذلك من معاني، سواء كانت تلك المعاني هي العلل او كانت تلك المعاني هي الرسائل التي ارادوا ارسالها الى العالم والى المسلمين خصوصا، نريد ان نبحث جانبا مهما منها وهي الفلسفة التي انطلقت منها تلك الفتاوى، الفتاوى من المراكز (العلمية) لتجيز او لتلزم بهدم تلك القبور فقد صدرت فتوى الهدم من القاضي النجدي سليمان بن بليهيل، حيث أصدر فتواه المشؤومة في 8 شوال 1344 هـ، وما زالت الى اليوم بدون بناء! بل تمادوا في غيهم وطغيانهم فحاولوا هدم قبر النبي (صلى الله عليه وآله)، بحجة أن وجود القبر في المسجد حرام، والصلاة عنده حرام، وبناء القبة عليه حرام، والتوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله) حرام!! لكنهم خافوا من نقمة المسلمين!
وما زالوا مصرين على هذا الإنحراف، فقد أفتى شيخهم ابن باز عدة فتاوى بوجوب هدمها، لكنه استعمل فيها التقية، وغلَّفها بجعلها عامة لكل القباب والبناء على القبور! قال في جوابه على سؤال رقم 116 من فتاويه: (يقول السائل: ما حكم البناء على القبر؟ وما الحكم لو كان البناء مسجداً؟) الجواب: أما البناء على القبور فهو محرم، سواء كان مسجداً أو قبة أو أي بناء، فإنه لا يجوز ذلك؟......والخلاصة أنه لا يجوز البناء على القبور، لا مسجد ولا غير مسجد ولا قبة، وأن هذا من المحرمات....
طرحت من اجل ذلك عدة اجوبة من خلال مراجعتي البسيطة لمن كتب مفسرا لما حصل من هدم للقبور الشريفة سواء قبور الائمة عليهم السلام او باقي الصحابة والاولياء في البقيع فمنهم من قال ان هذا مبنى فقهي عقائدي ارادوا تطبيقه... ومنهم من قال انهم ارادوا القضاء على بدعة يمكن ان تنمو وتتطور وهي زيارة القبور ومنهم من برر بصور مختلفة لكن لكل تبرير من هذه التبريرات ما ينفيه ليحوله الى مجرد حجة واهية لا يستقيم لها اثر، والذي يبدو لي كما يبدو لكثيرين غيري يؤمنون بهذا التحليل انه كان تعبير عن حالة تعتري كل حاكم ظالم وطاغ مستبد لا يريد لمعارضيه ان يكون لهم وجود فيحاول نفي وجودهم باي صورة وهو ينفي الوجودات المادية لمعارضيه لأنها تمثل اقطاب معارضة يمكن ان تحرك الآراء ضده.
والبعض الاخر من الحكام يحاول تصفية المعارضين بالنفي كما حصل مع ابي ذر الغفاري رحمه الله ومنهم من لا يقبل بمجرد النفي بل لابد من القتل كما حصل لأمير المؤمنين عليه السلام ولعشرات بل مئات والاف من المؤمنين بخط علي عليه السلام ونهج عليه محاولة لإسكات هذا الصوت الصارخ من صور الحقيقة.
وعلى هؤلاء الذين لاكوا ألسن دعاة التكفير ردحا من الزمن تحت مظلة الغيرة والحمية لهذا الدين ان يعوا أنهم قد أفلسوا وخسروا وأن سعيهم كسعي من يلحق السراب في قيعة ، وهيهات أن يجد في السراب ماء.
*السيد مهدي الجابري