الاجتهاد: من الملاحظ أنك عندما تتعامل مع مسلم فإنك لا تأمن منه أن يغشّك، فيعطيك سلعة ليست بالمواصفات المطلوبة المتفق عليها بينك وبينه، وربما يغبنك في ثمن السلعة، فيبيعك إياها بأكثر من ثمنها الحقيقي، أو يتأخّر في تسليمها لك عن الموعد المتّفق عليه بينكما، أو لا يلتزم بالضمان الذي تلتزم به الشركة المصنِّعة لتلك السلعة، ونحو ذلك.
وفي المقابل عندما تتعامل مع نصراني أو رجل آخر غير مسلم تجد أن المعاملة مختلفة تماماً، فإنه لا يغشك، بل يكون صادقاً معك، ويلتزم بما هو متفق عليه بينكما، بل ربما يعطيك أكثر مما تستحقه، ويتساهل معك في كثير من الأمور التي لا يتساهل فيها المسلم.
الإسلام حرم الذنوب والقبائح:
هذه الظاهرة المتفشية جداً تجعلنا نتساءل:
هل الإسلام أباح للمسلمين الغش، والكذب، وأكل أموال الناس بالباطل؟ لنرى مثل هذه الظاهرة متفشّية في معاملات المسلمين، لدرجة أننا نرى أن الصدق في معاملاتهم وعدم الغش هو الشاذ النادر الذي لا تكاد تجده؟
جميع المسلمين يعلمون أن الإسلام حرم الغش بنحو قاطع، ولعل جميع المسلمين سمعوا حديث النبي في ذلك، وهو قوله: (من غشنا فليس منا) (صحيح مسلم 1/99).
وفي حديث آخر مروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: قال رسول الله لرجل يبيع التمر: يا فلان أما علمت أنه ليس من المسلمين من غشهم ؟ (الكافي 5/160).
كما أن جميع المسلمين يعلمون أن الإسلام حرم الكذب بنحو قاطع، فقد روى أبو داود في سننه أن رسول الله قال: إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرّى الكذب حتى يُكتب عند الله كذابا…(سنن أبي داود 7/341).
وعن أبي جعفر قال: إن الكذب هو خراب الايمان. (الكافي 2/339).
والأحاديث في ذلك كثيرة.
ويكفي في ذم الكذب قول الله تبارك وتعالى: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ الله) [النحل: 105]، فإنه سبحانه نفى الإيمان بآيات الله تعالى عمن يفتري ويكذب.
مضافاً إلى ذلك فإن جميع المسلمين يعلمون أيضاً أن الإسلام قد حرم أكل أموال الناس بدون حق، بل شدد النكير في ذلك.
وأكل أموال الناس بالباطل أحد الأسباب التي ذم سبحانه اليهود لأجلها فقال: (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ) [النساء: 161].
كما أنه أحد الأمور التي لأجلها ذم كثيراً من الأحبار والرهبان، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله) [التوبة: 34].
من الواضح عند كل مسلم أن الله تعالى أمر بمكارم الأخلاق ومحاسن الصفات، وحثّ عليها، ونهى عن مساوئها، وحذر منها، فنهى عن الغش والكذب والسرقة والظلم والاعتداء والإضرار بالناس ونحو ذلك.
إلا أن الذي يثير الاستغراب هو: أن المسلمين إذا كانوا يعلمون بحرمة جميع هذه الأمور فلماذا نراهم في معاملاتهم لا يلتزمون بهذه التعاليم الإلهية العالية؟
أسباب سوء تعاملات المسلمين:
لعل أهم أسباب سوء تعاملات المسلمين ثلاثة، هي:
1- أن المسلمين لا يدركون مدى خطورة هذه الذنوب، ولا يتصوّرون أن الكذب قبيح بدرجة عظيمة، ولذا كثيراً ما يتهاونون في ارتكابه، بل ربما يسمون بعض كذبهم: كذباً أبيض.
كما أنهم ربما لا يرون قبحاً شديداً في أكل أموال الناس بدون حق، مع أنه قد ورد في الحديث الذي رواه الشيخ الصدوق (قدس سره) في الخصال بسنده عن الإمام أمير المؤمنين ، عن النبي أنه قال في وصيته له: يا علي درهم ربا أعظم من سبعين زنية، كلها بذات محرم في بيت الله الحرام. (الخصال: 583).
2- أن المسلمين نظروا في جانب الثواب والعقاب بعين واحدة، وأغمضوا العين الثانية، فرأوا أن الله غفور رحيم، ولم يروا أنه في نفس الوقت شديد العقاب، ورتّبوا على ذلك أنهم وإن ارتكبوا الذنوب الكبيرة إلا أنهم سيتوبون بعد ذلك، فيغفر الله لهم ذنوبهم بكل سهولة، مع أن العبد الجاني ربما لا يوفَّق للتوبة، فيداهمه الموت وهو يعاقر المعصية، مضافاً إلى أن التوبة لا تكون في حقوق الناس إلا برد حقوقهم إليهم.
3- أن المسلمين اتكلوا على مجرد الانتماء المذهبي، دون الأخذ بلباب الدين.
فإن أهل السنة مثلاً اتّكلوا على محبّتهم للصحابة، فرأوا أن هذه المحبة مكفِّرة لكل الذنوب، كبائرها وصغائرها، فتجرؤوا على ارتكاب المعاصي، مع أن هذا وهم واضح؛ فإن محبة الصحابة ليست مكفرة لأي ذنب.
وأما السلفية فإنهم اتّكلوا على محبتهم للصحابة، وعلى أنهم أهل التوحيد الخالص، وأن غيرهم مشركون، وهذا مكفّر لذنوبهم؛ لأنهم هم الناجون دون غيرهم، وهذا وهم مركب، وزعمهم أنهم هم أهل التوحيد دون غيرهم يخالفهم فيه جميع الطوئف حتى أهل السنة الذين ينتسبون إليهم.
وأما الشيعة فإنهم اتّكلوا على محبتهم لأهل البيت ، وأنهم هم شيعتهم الذين سيدخلون الجنة بغير حساب، مع أن التشيع لأهل البيت لا يتحقق بمجرد الادّعاء، وإنما يتحقق بالالتزام والعمل.
فقد روى الكليني قدس سره بسنده عن الإمام الصادق أنه قال: إنما شيعة علي من عفَّ بطنه وفرجه، واشتد جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر. (الكافي 2/233).
وفي صحيحة صفوان الجمال، قال: قال أبو عبد الله : إنما المؤمن الذي إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق، وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، وإذا قدر لم يأخذ أكثر مما له. (نفس المصدر).
المصدر: موقع الشيخ علي آل محسن