نتفليكس بين الانفتاح الثقافي والفلترة الأيديولوجية: هل ما يُعرض عربياً يمثلنا حقاً؟ | بودكاست العشرات

الثلاثاء 4 نوفمبر 2025 - 09:26 بتوقيت غرينتش

أعلنت شركة "نتفليكس" قبل أعوام نيتها إنتاج أعمال عربية وإسلامية وعرضها أمام ملايين المشاهدين حول العالم، ما اعتُبر حينها فرصة ذهبية لصنّاع السينما العرب للوصول إلى جمهور عالمي. غير أن الحماسة سرعان ما خمدت مع انكشاف شروط غير مكتوبة ومعايير ثقافية تفرضها المنصّة، تثير أسئلة حول حدود الحرية والأصالة في المحتوى العربي المعروض رقمياً.

خاص الكوثر - العشرات

في البداية، رحّب عدد كبير من صُنّاع السينما العرب بإعلان نتفليكس دخولها مجال الإنتاج العربي، معتبرين ذلك بوابة للوصول إلى العالمية، لكن خلف الكواليس تبيّن أن هناك "فلترة ثقافية" غير معلنة، تحدد شكل المحتوى المسموح به، وطبيعة القيم التي يمكن عرضها.

فبينما ترفع المنصّات العالمية شعارات "التنوّع والشمول"، تكشف التجربة العربية على هذه المنصات واقعاً مغايراً: إدخال شخصيات تنتمي إلى ما يُعرف بـ"مجتمع الميم" أصبح شبه إلزامي، في حين تُخفف أو تُلغى تماماً أي مظاهر دينية مباشرة؛ فلا صلاة، ولا دعاء، ولا خطاب روحي واضح.

إضافة إلى ذلك، يجري التركيز على تصوير العلاقات الفردية خارج إطار الزواج، وترويج مفهوم "الحرية المطلقة" في العلاقات، بما يعكس رؤية ثقافية غربية جاهزة أكثر مما يعكس هوية المجتمعات العربية.

إقرأ أيضاً:

العديد من المخرجين والكتاب العرب يقرّون بأن هذه الاشتراطات تجعلهم يفكرون منذ المراحل الأولى للكتابة في "الخطوط الحمراء" التي تفرضها المنصة، خشية حذف مشاهد أو رفض العمل بالكامل، إذ تمنح العقود عادةً للمنصات حق المراجعة النهائية للعمل، لتصبح صاحبة الكلمة الفصل في العرض أو التعديل أو الحذف.

أعمال عربية أُنتجت لصالح نتفليكس، مثل المسلسل الأردني "جنّ" أو "مدرسة الروابي للبنات"، واجهت انتقادات حادة بسبب مشاهد اعتُبرت "جريئة"، وُصفت بأنها تقدم صورة غربية عن الشباب العربي لا تعبّر عن بيئته أو قيمه.

وفي المقابل، كشفت حالات أخرى عن ازدواجية واضحة: ففي عام سابق، ألغت المنصة مشروع مسلسل تركي بسبب رفض السلطات إدراج شخصية مثلية فيه، بينما حذفت إحدى حلقات برنامج ساخر بعد شكوى رسمية من السعودية.

كما لوحظ أثناء العدوان الصهيوني على غزة أن نتفليكس قامت بحذف أعمال كانت تطرح الرواية الفلسطينية، في حين أبقت على أعمال إسرائيلية تدعم السردية الصهيونية.

هذه الأمثلة، وفق محللين، توضح أن الإنتاج حتى لو كان محلياً يظل خاضعاً لمعايير المنصة العالمية، وأن "الأصالة الثقافية" غالباً ما تُضحّى بها لصالح القبول الغربي أو التجاري.

المنصّات بدت منقسمة: فبعضها يتسم بأيديولوجية واضحة تركز على قضايا "الهوية الجندرية" و"الحرية الفردية" وتقصي المحتوى الديني والسياسي الحاد، بينما أخرى أكثر براغماتية لكنها ترفض أي محتوى يظهر المقاومة أو يعزز القومية أو الدين كهوية.

ويشير محللون إلى أن معظم ما يُقدَّم على أنه محتوى عربي أصيل ليس سوى محتوى أجنبي مدبلج أو منقح ليناسب السوق العربي، بينما تنظر هذه المنصات إلى الجمهور العربي كسوق استهلاكي مربح، لا كساحة ثقافية حقيقية.

ويبقى السؤال: كيف يمكن لصنّاع السينما العرب الحفاظ على أصالة قيمهم وهويتهم ضمن شروط الوصول العالمي؟ هل نحن بحاجة إلى مدوّنة مبادئ عربية مشتركة تنظّم التعامل مع هذه المنصات؟ أم أن الحل يكمن في بناء منصات عربية مستقلة في التمويل والتوزيع تتيح حرية التعبير الثقافي دون تنازلات قسرية؟