خاص الكوثر - الوجه الآخر
وقال إن في الولايات المتحدة، ومع انتشار المذهب البروتستانتي، حصل تطوّر لافت في البنية الدينية. فقد أُضيف العهد القديم إلى العهد الجديد كمصدر تشريعي وإيماني مركزي، وتم إعفاء اليهود – خلافًا لما هو متعارف عليه تاريخيًا – من تهمة صلب المسيح عليه السلام، وهي التهمة التي ظلّ المسيحيون التقليديون يوجّهونها لليهود على مدى قرون.
وأردف الكاتب الفلسطيني أن هذا "العفو" أحدث نوعًا من التصالح الديني والتحالف العقائدي، ودمجًا بين رموز ومعتقدات العهدين، وهو ما رسّخ العلاقة اللاهوتية والسياسية بين الصهيونية الدينية والبروتستانتية الأصولية.
وأكد: من هنا جاء الانخراط الأميركي العنيف في معارك المنطقة، سواء في غزة أو إيران أو اليمن، إذ إن هذا الانخراط لا يمكن قراءته فقط من زاوية المصالح الجيوسياسية، بل يجب التنبّه إلى وجود معتقد ديني عميق لدى هذه التيارات، يرى أن ظهور المسيح المخلّص، بحسب إيمانهم، لن يتم إلا بإقامة "الهيكل" مكان المسجد الأقصى.
وشدد الأستاذ الهودلي على ما يفسّر التسارع الخطير في انتهاك حرمة المسجد الأقصى: اقتحامات متكررة، أداء طقوس تلمودية في ساحاته، فرض الصلاة اليهودية، وازدياد أعداد المستوطنين الذين يدخلونه بشكل بياني متسارع.
إقرأ أيضاً:
وأضاف: هذا العدوان الغاشم لا يستهدف الفلسطينيين وحدهم، بل هو اعتداء على عقيدة كل مسلم، لأن المسجد الأقصى ليس حكرًا على أهل فلسطين، بل هو وقفٌ إسلامي عالمي، وهو القضية المركزية للأمة الإسلامية جمعاء. لذلك، نرى اليوم تناميًا في التساند بين مكوّنات محور المقاومة، ليس فقط انطلاقًا من الأبعاد السياسية أو العسكرية، بل أيضًا من إيمان عميق بجذرية هذه المعركة، وبأنها تمثل الصراع الحقيقي بين الحق والباطل، بين التوحش الديني–السياسي الصهيوني–الصليبي وبين قوى الأمة الحيّة.
وتابع الأديب الفلسطيني أن هذا التوحش، كما نراه، نتاج مباشر للفكر الصهيوني العنصري الذي يجب التنبه إليه جيدًا. فاليهود الصهاينة – وفق معتقداتهم – يعتبرون غير اليهود (ما يُعرف بمصطلح "الغوييم") أدنى منهم جينياً وإنسانيًا، وبالتالي يرون أنه يجوز قتلهم وذبحهم والاعتداء عليهم دون أي شعور بالذنب، لأنهم ببساطة ليسوا "بشراً كاملي الإنسانية" في نظرهم.
وأكمل حديثه: ويعتقدون أنهم "شعب الله المختار"، وأن سائر الشعوب خُلقت لتكون خادمة لهم، أو عبيدًا تحت سلطتهم. وتصل هذه الأفكار إلى حد التساؤل اللاهوتي: لماذا خلق الله "الغوييم" يشبهوننا في الشكل؟ وكان الجواب، كما ورد في بعض النصوص التوراتية المحرّفة: "لكي يكونوا خدماً لنا".
واختتم الأستاذ الهودلي قوله: حتى في بدايات هذه الحرب على غزة، خرج نتنياهو يُعلن إعجابه بنصوص "العمالقة"، وهو مصطلح توراتي يشير إلى جماعات أمر الرب بإبادتها بالكامل، بما في ذلك نساؤها وأطفالها، لأنهم ليسوا من "شعب الله المختار". هذا التصور اللاهوتي الخطير هو ما يبرر الوحشية التي تُمارس ضد المدنيين، وضد الأطفال والنساء في فلسطين.