مدخل :
لا شك أن الحديث عن عاشوراء يثير العديد من الأسئلة الكبرى و التحديات العظمى ، مما يفرض علينا أن نعمل على أساس أن ننتج إجابات حقيقية و واقعية لهذه الإشكالات و التحديات...فليس ناجعا التهرب من أسئلة عاشوراء و تحدياتها بالنسبة للمسلمين كافة ، لأننا في نهاية المطاف نركن إلى مطارحات عاشوراء لنعيش القلق النفسي من خلال طبيعة القراءات الواعية لثورة الإمام الحسين عليه السلام ، حيث نتذكر يوم القيامة الذي يخلق بداخلنا حركة رجاء عفو الله و رحمته،مما يمنعنا عن المعصية و يدفعنا إلى طاعته سبحانه و تعالى.
و كما يقول أمير المؤمنين علي عليه السلام: "لا يغرنك الناس من نفسك، فإن الأمر يصل إليك من دونهم".
هذا الجو يستشعره بكل تأكيد كل مسلم مسؤول دون غيره و بحق في حياته الإسلامية، خصوصا في أيام عاشوراء، لان قدسية تلك الأيام لا تنال و لا تلتمس كما لا يجنى ثمرها من قبل المسلمين الغارقين في الدنيا و الناسين الآخرة، بل أهل عاشوراء هم مسلمون استقام أمرهم في طريق الله ، و انفتحت حياتهم على الله ، فلحقوا بركب الحسين عليه السلام روحا و فكرا و سلوكا و خوفا و رجاءا ،أو قل مسؤولية.
ترى لماذا مطلوب أن نعيش هذا الجو؟
الجواب سهل ممتنع، لأن الله تعالى تحدى في القرآن اليهود، و بالتحديد في سورة الجمعة التي ننطق كلمات آيها دون أن نعيش في رحاب مقاصدها و أبعادها التربوية و الرسالية: " قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين" ( الجمعة /6)، جلي للكل أن الخطاب موجه ظاهرا لليهود ، الذين إنطلقوا بمزاعم حب الله لهم و انهم أولياؤه و أحباؤه من دون الناس و هم شعب الله المختار ،فجاء امتحان الله لهم ليعطي نظرية أكبر و أعظم وأهدى للناس أجمعين من خلال نموذج الغرور اليهودي عبر التاريخ ،حيث طلب منهم أن يتمنوا الموت كعنوان للفناء من الحياة الدنيا و الزهد في متاعها، فكان الناتج أنهم لا يتمنونه أبدا ...ضمن هذا الإطار ، يطرح البعض أن المسألة تخص اليهود ، لكن بالمنطق الإسلامي نرد على الذين قد تضيق عقولهم و تقسو قلوبهم، أن القرآن العظيم كتاب الأمة الإسلامية و بكل آياته هو منهاج للمسلمين. حيث نستلهم من هذه الآية و الآيات التي تليها، أن مسألة الولاء أو الولاية هي استحقاق إسلامي حيث تخلق لدى الإنسان وعيا كبيرا.في تطلعه الإسلامي الخامد، مما يجعله منتظرا لجل ألوان الابتلاء في تناغمه مع الولاية و الولاء ، و محتسبا لأجل أن تتوازن قضية الولاية في وجوده . و ترتفع به إلى القرب و اللطف الإلهي بالثبات و اليقين بان الصبح الإسلامي قريب .
الولاية الإسلامية ،أحبتي ، تحرك مضامين قرآنية ، قلما ننتبه لها لولا ذكريات أئمة الهدى عليهم السلام و كلماتهم النورانية و مواقفهم الرائعة و العظيمة ، و عاشوراء الحسين عليه السلام تأتي في مقدمة هذا المعنى كله ،لأنها الرائعة الإمامية التي أغنت كل الروائع التالية لها و ركزت كل المسيرة الإسلامية بإجابات شافية كافية و مقنعة لكل الأجيال.
لكن " أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب* الذين يوفون بعهد الله و لا ينقضون الميثاق و الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل و يخشون ربهم و يخافون سوء الحساب" (الرعد/19-20).
لابد لنا كمسلمين، نؤمن بالثقلين، أن نبقي هذه القاعدة حاضرة في أذهاننا،بأننا يوميا نراجع سلامة هذا الإيمان و هذا الميثاق ،أقصد أن إحياء عاشوراء لابد أن يكون إحياءا قرآنيا حتى نتشيع للحسين قرآنيا، و كي يستقبلنا الإمام الحسين عليه السلام كما استقبل أصحابه و أفراد أهل بيته و هم يستأذنونه القتال، بالآية الكريمة: "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ،فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا"( الأحزاب /23)
في هذا الصدد ، لابد أن نفكر و نحن في موسم عاشوراء ، هل بيننا و بين الله عهد أم ليس هناك عهد؟و هل بيننا و بين الحسين عليه السلام من خلال النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم عهد أم لا؟و ما هو هذا العهد إن كان موجودا؟ و بأية صفة يتصف هذا العهد ؟ هل الصفة العائلية أو الصفة الإقليمية أو الصفة القومية أو صفة من الصفات الطارئة في مجتمعاتنا أو الصفة الإسلامية؟
على كل ، باختصار يمكن الإجابة على هذه الأسئلة العاشورائية، انطلاقا من قول الإمام الحسين عليه السلام: " فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق".
إن المسألة أساسا ، أيها الأحبة،أن عاشوراء أريد لها أن تكون ذكرى خامدة، لأن عاشوراء الحقيقية تثير العهود و المواثيق الإسلامية و تحيي الصفة الأصيلة، فكل التهكم و السباب و التشويه الإعلامي و التسفيه الجماهيري الذي يستقبله شيعة أهل البيت عليهم السلام من الآخر الجواني و الخارجي (القريب أو البعيد) بخصوص الشعائر الحسينية هي عمقا حرب نفسية لإجهاض الموقف الحسيني واقعا و الإسلام الحركي المتطلع للإصلاح الإسلامي الكبير بنهج الإمام الحسين عليه السلام.
و هنا أحب أن أقول لكل الأحبة المفكرين و المثقفين و الأدباء الذين أثاروا مسألة الشعائر الحسينية ، لقد دققنا في هذه المسألة تدقيقا فقهيا –ثقافيا و قد تباحثنا الآراء و الاجتهادات التي تناقلتها وسائل الإعلام المنصفة و الحاقدة و المنافقة، و نتج لدينا عدة علامات استفهام ، لكن النتيجة النهائية ، أن المسألة نوقشت بعيدا عن الثقافة الحسينية ، مما جعلها تصور على أنها مأزقا إسلاميا، بينما أصلا هي مفاعلا ثقافيا لمشروع الوحدة الإسلامية ، إذا ما تناول الإعلام الرسالي الموضوع بحكمة حسينية ،من شأنها تصلح ما أفسدت الصفات الطارئة المتفشية في مجتمعاتنا الشيعية و السنية على حد سواء، بل في اجتماعنا الإسلامي الراهن ! ؟
أيها الأحبة :إن إحياء عاشوراء ، هي أن نسير حيث سار الإمام الحسين عليه السلام و آله الأطهار عليهم السلام و أصحابه الكرام رضوان الله عليهم ،و نقف حيث وقفوا، وأن نتعلم ما علمونا، و نفهم لماذا استشهدوا ؟ جيدا، و أن نواصل المسيرة التي رسموها لنا...حتى نتخلص من الجبن الثقافي و الضعف الروحي العرفاني المسيطر علينا من خلال الصفات الطارئة التي نقدسها و نعبدها من حيث لا ندري ...أيها الأحبة لا نزال نجهل أغلب حقائق واقعة الطف ، حيث نقتل بجهلنا هذا ، من حولنا، كل الوعي الإسلامي لكلمات الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام التي تحدث بها عن ثقافة و مسؤولية الإصلاح الإسلامي في المتغير الإسلامي.
و نبقى نتساءل : من الطالب بدم المقتول في كر بلاء؟؟
إنه سؤال محرج فعلا للبعض و غامض للبعض الآخر، لكنه أيضا مصيري جدا للطرفين... لمن ألقى السمع و هو شهيد...
اقرا ایضا:
باحث جزائري يحدثنا : من وحي عاشوراء (2)