الاجتياح المفاجئ، في مقابل الانهيارات السريعة لكل خطوط الصد الأمنية والعسكرية للقوات العراقية، أثار الكثير من التساؤلات والاستفهامات حول حقيقة ما حصل، لا سيما وأنه في مفصل زمني حساس وخطير، بدا أن البلاد برمتها معرضة للسقوط في قبضة عصابات "داعش" الإجرامية، سواء العاصمة بغداد، أو المدن الدينية كالنجف الأشرف وكربلاء المقدسة.
وبما أن تنظيم "داعش" الإرهابي، لم يكن يستهدف العراق فحسب، ولم يكن يستهدف طائفة أو قومية أو ديانة معينة، فإنه كان من الطبيعي أن يسارع كل الخيرين والشرفاء والحريصين على التصدي له ومواجهته ودحره.
صحيح أنه بفضل حكمة المرجعية الدينية التي أصدرت فتوى الجهاد الكفائي، وبفضل اندفاع العراقيين وحماسهم وشجاعتهم في الدفاع عن حرماتهم ومقدساتهم وأعراضهم، تحققت هزيمة عصابات "داعش" بعد أن اجتاحت البلاد في مثل هذه الأيام قبل سبعة أعوام، إلا أن الدعم والإسناد الذي قدمته أطراف اقليمية ودولية، في مقدمتها الجمهورية الإسلامية الايرانية، كان له الأثر الكبير في الإسراع بإنجاز ذلك الانتصار التاريخي الكبير على أعداء الدين والإنسانية.
ولا يخفى على المراقب، وعموم الرأي العام، ان ثلاثة عوامل رئيسية ساهمت في أن يضطلع الحشد الشعبي بدور مهم وفاعل في الحرب ضد عصابات "داعش" الإرهابية، ويتنامى حضوره الميداني من خلال انجازات وانتصارات عسكرية مشرفة، الى جانب دوره في الجوانب الانسانية - الاغاثية للمدنيين الفارين من سطوة "داعش"، وحسن تعامله مع سكان مناطق المعارك، هذه العوامل الثلاثة هي، فتوى المرجعية الدينية، ودعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتفاعل الجماهيري الواسع من مختلف فئات وشرائح المجتمع العراقي، دون اقتصارها على عنوان ديني أو مذهبي أو قومي أو مناطقي واحد.
وما زالت العوامل الثلاثة المشار إليها حاضرة، ومستوى حضورها وتأثيرها يرتبط بطبيعة أداء الحشد، ومستوى ذلك الأداء وأهميته، ولم تتراجع تلك الأهمية حتى بعد انتهاء المعارك العسكرية، بل إنها تضاعفت وتزايدت، فتأمين الحدود وايصاد أبوابها بوجه الدواعش الآن، لا يقل أهمية عن تأمين بغداد والنجف وكربلاء وإبعاد الدواعش عنها قبل سبعة أعوام.
ولعل ما لا يمكن تجاهله والقفز عليه هو الدور المحوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية وأطراف في المشهد الإقليمي كحزب الله اللبناني في دعم ومساندة العراق في حربه ضد "داعش"، والمساهمة الفاعلة في تقوية الحشد الشعبي وتعزيز إمكانياته القتالية والفنية واللوجيستية.
وقد ساهم ذلك الدعم والإسناد إلى حد كبير في التسريع بتنظيم الصفوف وتحشيد القدرات والامكانيات وشحذ الهمم وبالتالي تحقيق الانتصار الكبير على داعش خلال أعوام قلائل وليس مثلما كانت تروج الدوائر الغربية من أن الحرب ضد داعش قد تستغرق ثلاثين عاما.
إن دماء عدد من القادة الإيرانيين، وفي مقدمتهم الشهيد قاسم سليماني كانت أبلغ وأوضح دليل على دور الجمهورية الإسلامية الايرانية وحضورها الميداني الكبير منذ الأيام الأولى للعدوان الداعشي وحتى ما بعد تحقيق الانتصار الكبير.
وربما كانت تلك المواقف الداعمة، وراء الاستهداف المتواصل للحشد، فمنذ تأسيسه، بينما واصل حضوره الفاعل والمؤثر في شتى الميادين والساحات، لم تتوقف حملات التشوية والاساءات ضده من قبل العديد من الدوائر السياسية والاعلامية والمخابراتية الخارجية الاقليمية والدولية، مع جهات داخلية متماهية معها ومنساقة وراءها، والتي بدت أنها وجه آخر للاستهداف العسكري المسلح طيلة مرحلة الحرب ضد عصابات "داعش" الاجرامية.
ولعل المعادلة الواضحة والجلية، تمثلت في أنه كلما زاد حضور وتأثير الحشد الشعبي بشتى الميادين والساحات، وبمختلف المفاصل والعناوين، ارتفعت وتيرة حملات التسقيط والتشويه الموجهة ضده، وكان ذلك أمرًا طبيعيًا ومتوقعًا، عكس تقاطع الأجندات والمشاريع التخريبية الخارجية مع الارادة الوطنية بكل أدواتها وعناصرها، وما رفع عقيرة الأعداء والخصوم، هو أن الحشد بات يعد رقمًا صعبًا ومهمًا وثقيلًا في كل المعادلات، ضمن حدود الجغرافيا العراقية وما وراءها، وعنوانا واسعًا وعريضًا في جبهة المقاومة الى جانب العناوين الأخرى، برسالتها الواحدة الموحدة، ومهامها وأدوارها المتعددة المتنوعة، ومفصلًا أساسيًا من مفاصل المنظومة الأمنية العراقية، إلى جانب دوره الفاعل في مجالات البناء والإعمار والخدمات.
ومما لا خلاف أو اختلاف عليه، هو أن الاطار المرجعي المتمثل بـفتوى "الجهاد الكفائي" الذي تأسس الحشد الشعبي على ضوئه، هو ذاته الذي حدد طبيعة سلوك ودور ومكانة وموقع الحشد بعد التخلص من عصابات "داعش".
ولا يمكن لأي كان أن ينكر حقيقة أنه لولا فتوى الجهاد الكفائي، لما هبت الحشود الهائلة لتتصدى لعصابات "داعش" الارهابية، من دون ان تنتظر أجرًا أو تكريمًا أو مكافأة من حكومة أو حزب أو مؤسسة.
ومن يدقق ويتتبع مسيرة الحشد الشعبي، يجد أنها انطلقت بعد صدور فتوى المرجعية، من مناطق حزام بغداد، كسبع البور والضابطية وعرب جبور وهور رجب وابو غريب والرضوانية واليوسفية، ومن ثم اتسعت دائرة الفعل والتحرك لتمتد الى جرف النصر وبلد وبيجي والعظيم وعزيز بلد وسامراء وامرلي والفلوجة، وتصل بالتالي الى الحدود العراقية-السورية.
ومثلما كان مهما قبل سبعة أعوام، أن يؤمّن الحشد الشعبي العاصمة بغداد ومحيطها، ويدفع عصابات "داعش" بعيدًا عنها وعن العتبات المقدسة في النجف وكربلاء، فإن المحافظة على الانتصارات المتحققة كانت تتطلب إلى جانب تكثيف الضربات النوعية القاصمة على أوكار الدواعش في الموصل وغيرها، قطع شرايين الدعم والتمويل والاسناد، وسد الثغرات، عبر امساك الحدود بصورة حقيقية، ووضع حد لمظاهر الفساد والاهمال والخضوع والخيانة والتواطؤ. وهو ما يعني ضرورة عدم التفريط والزهد بأي من عوامل تحقيق الانتصار، لأنه اذا كانت المعركة العسكرية مع "داعش" قد انتهت، فإن الحرب الشاملة معه بمظاهرها واشكالها وعناونيها المختلفة ما زالت قائمة ومتواصلة، داخل حدود العراق وخارجها.
عادل الجبوري