مع سقوط خطّ دفاعها الأوّل في محيط مدينة مأرب قبل حوالى أسبوعين، استحدثت القوات الموالية للرئيس اليمني الهارب والمستقيل عبدربه منصور هادي، خطّ دفاع آخر ممتدّاً من تبّة البس ومحيط تبّة المصارية غرب المدينة، حتى منطقة الميل شمال شرقها. لكنه لم يصمد طويلاً أمام ضربات الجيش اليمني واللجان الشعبية اللذين أحاطا بتبّة البس أو كما يُطلق عليها أيضاً تبّة الحرضة كونها مرتفعاً دائرياً، واستكملا السيطرة على التومة العليا، قبل أن يخترقا خطّ الدفاع الجديد لقوات هادي في أكثر من منطقة.
دفعت هذه التطوّرات القوات الموالية للتحالف السعودي ــــ الإماراتي إلى إقامة خطّ دفاع إضافي يُعدّ الثاني في غضون أسبوعين، حيث دفعت بعدد كبير من الجرّافات العسكرية لإنشاء الخطّ في محيط الأحياء الغربية والشمالية الغربية للمدينة.
ووفقاً لمصادر محلّية، فقد قامت تلك القوات بحفر خنادق كبيرة، وعلى امتداد واسع بعد منطقة الميل وفي محيط فندق إسطنبول الواقع على بعد ثلاثة كيلومترات من الأحياء الشمالية الغربية ومن مقرّ قيادة المنطقة العسكرية الثالثة.
وامتدّ خطّ الدفاع الثالث إلى غرب مستشفى الهيئة، الواقع بالقرب من أحياء الجفينة غربي المدينة. وبحسب المصادر نفسها، فقد قامت قوات هادي بتشييد سواتر ترابية عملاقة غرب المنطقة الثالثة على خطّ الدايري من جهة شمال غرب المدينة. وعلى رغم محاولتها الدفاع عن الخطّ الثاني، إلا أنها بإنشائها خطّاً ثالثاً في أطراف مركز المحافظة تعترف بشكل غير معلن بأن المعركة اقتربت من أبواب المركز.
واتّسمت مواجهات الساعات الماضية، والتي جرت معظمها في مناطق مفتوحة، بالكرّ والفرّ بين الطرفين. إذ دفعت قوات صنعاء بتعزيزات عسكرية إلى جبهة البلق القِبْلي، وشنّت هجوماً من محورين على مواقع قوات هادي المسنودة بميليشيات «الإصلاح» وعناصر تنظيم «القاعدة» في منطقة الأريالات التابعة للبلق، وهجوماً آخر باتجاه الطريق الرئيسي الرابط بين مدينة مأرب ومديرية صرواح.
وعلى رغم استماتة قوات هادي في الدفاع، حقّق الجيش اليمني واللجان تقدّماً محدوداً في ما تبقّى من سلسلة جبال البلق القِبْلي، وفقاً لمصادر قبلية. كذلك، اشتدّت المواجهات بين الطرفين على طول خطوط التماس وعلى امتداد الجهتين الغربية والشمالية الغربية، حيث حاولت قوات هادي شنّ هجوم على مواقع الجيش اليمني واللجان الشعبية في التومة العليا غربي المدينة، ودفعت بتعزيزات عسكرية كبيرة يوم الثلاثاء إلى الأطراف الشرقية للطلعة الحمراء، محاوِلة بإسناد جوي سعودي أن تستعيد بعض خسائرها في الطلعة الاستراتيجية.
وأفادت مصادر قبلية، «الأخبار»، بأن قوات موالية لـ هادي هاجمت بمختلف أنواع الأسلحة الأطراف الشرقية للطلعة، واستمرّ الهجوم لساعات، إلا أنه انتهى من دون نتائج، بل تمكّن الجيش اليمني واللجان الشعبية من إلحاق خسائر كبيرة بالمهاجِمين في كمائن لتعزيزاتهم في خطّ صرواح ــــ مأرب، أدّت إلى مقتل العشرات وتدمير خمس آليات عسكرية.
وفي الجبهة الشمالية الغربية، خاضت قوات الطرفين مواجهات عنيفة في المنطقة الفاصلة بين منطقة الميل الواقعة إدارياً على مشارف الضواحي الشمالية الشرقية للمدينة، وبين منطقة الوايت، حيث حاولت قوات هادي إبعاد الجيش اليمني واللجان الشعبية عن خطّ الدفاع الثاني المستحدَث قبل أسبوع بعد اقترابهما منه.
لوحظ عزوف معظم مسلّحي قبائل مأرب عن المشاركة في الجبهات المشتعلة في محيط المدينة
وفي موازاة الخسائر الكبيرة التي مُنيت بها قوات هادي على الأرض خلال الأيام الماضية، فهي خسرت أيضاً عدداً كبيراً من القيادات العسكرية العليا. فبعد اعترافها بمقتل اللواء عبد الله الحاضري، الذي يُعدّ الساعد الأيمن للفريق علي محسن الأحمر، القائد الفعلي لجميع جبهات قوات هادي، أفادت مصادر مطّلعة بمقتل أحد أهمّ القادة العسكرييين في قوات الرئيس الهارب، اللواء عادل القميري، في المعارك الدائرة في تخوم مدينة مأرب، والتي سقطت فيها أيضاً قيادات عسكرية رفيعة موالية لـ«التحالف» خلال الأسابيع الماضية.
وخلال الشهرين الفائتين، قدّرت مصادر عسكرية في صنعاء مقتل ما يزيد على 30 قائداً عسكرياً رفيعاً في أوساط قوات هادي، من بينهم قائد منطقة عسكرية، وقادة تسعة ألوية وجبهات، و11 قائداً من الدرجة الثانية، و17 قادة كتائب.
ويرى مراقبون أن تصاعد الخسائر البشرية في الصفوف القيادية العليا لقوات الرئيس المستقيل يعكس حالة الصراع البيني في أوساطها، وتمكُّن جهاز الاستخبارات في صنعاء من اختراق صفوفها، وهو ما سهّل مهمّة تصفية تلك القيادات بضربات صاروخية أو صواريخ حرارية.
واللافت في الأمر أن قيادات عسكرية موالية لـ«التحالف» تعترف بأن جبهات محيط مأرب تحوّلت إلى ساحة تصفية حسابات بين جماعة الإمارات وجماعة حزب «الإصلاح»، مُنبّهة إلى أن مقتل القيادات العسكرية بأعداد كبيرة في أيّ جبهة مؤشّر إلى قرب سقوطها.
هذا الواقع، الذي أدّى أيضاً إلى مقتل وإصابة المئات من المسلّحين الجنوبيين الذين استُدرجوا للقتال في جبهات مأرب مقابل إغراءات مالية سعودية خلال الفترة الماضية، تسبّب بعزوف معظم مسلّحي قبائل مأرب عن المشاركة في الجبهات المشتعلة في محيط المدينة.
وخلال الأيام الماضية، سقطت أعداد كبيرة من قوات هادي في الجبهتين الغربية والشمالية الغربية، من دون أن يكون من ضمنهم أيّ من مسلّحي القبائل.
وبعد مواجهات متعدّدة خاضتها فروع من قبيلة عبيدة (إحدى أكبر قبائل المحافظة) مع قوات هادي، امتدّت أواخر الأسبوع الماضي من منطقة صافر النفطية شمال المدينة حتى وسطها، حاولت وزارة دفاع هادي أن تُعوّض خسارتها في الخاضنة الشعبية في أوساط قبائل مأرب، بتعيين قائد للمنطقة العسكرية الثالثة (اللواء حسن فرحان بن جلال) من أبناء قبيلة عبيدة، وهو ما اعتبره مراقبون بمثابة تسليم للملفّ العسكري إلى القبائل من أجل حثّها على إعادة الانخراط في القتال ومساندة القوات الموالية لـ«التحالف».
المصدر/ صحيفة الاخبار