التعديل الذي ينقل الحدود من الخط 23 إلى الخط 29، لا يزال يحتاج إلى توقيع رئيس الجمهورية، وإرساله إلى الأمم المتحدة، بما يضمن تثبيت حق لبنان في مساحة بحرية تصل إلى 2290 كلم2.
كانَت الأيام الأخيرة قد شهِدت ارتفاعاً ملحوظاً في سخونة ملف ترسيم الحدود البحرية، لجهة توقيع تعديل المرسوم 6433 (2011، تحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية)، إلا أن توقيع وزير الأشغال العامة والنقل ميشال نجار عليه، لا يعني إطلاقاً النوم على حرير. وإن كانَ بعض الجهات قد استخدم موضوع المرسوم للتصويب السياسي، فلا بدَ من الإشارة إلى أن توقيع نجار ووزيرة الدفاع زينة عكر ورئيس الحكومة حسان دياب هو الخطوة الأولى في قضية «استمهَل» فيها كُثر، في مقدمتهم كثيرون ممّن يحمِلون اليوم لواء «استرجاع الحقوق البحرية».
في جميع الأحوال، لم يخرُج الملف من دائرة الخطر ولا الجدل. أسهمَ التوقيع على المرسوم في تراجُع «الضغط». لكن ما يجِب السؤال عنه هو الضغوطات التي سيتعرض لها لبنان، فضلاً عن أن الجميع في انتظار ما سيحمِله الضيف الأميركي ديفيد هيل إلى بيروت، والذي لم يعُد هناك مجال للشك في أنه سيتطّرق إلى الأمر. كذلك تتجه الأنظار نحو ردّ الفعل الإسرائيلي على توقيع المرسوم وإيداعه لدى الأمم المتحدة. فهل يقبَل العدو بالعودة إلى المفاوضات، وعلى أيّ أسس، ووفقَ أيّ معيار؟
أولى الرسائل جاءت على لسان وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينيتس الذي يشرف على المفاوضات غير المباشرة مع لبنان بشأن ترسيم الحدود البحرية، والذي قال إن أي «خطوات لبنانية أحادية الجانب ستقابل بخطوات إسرائيلية موازية». وتزامن ذلك مع حملة بدأت تشنّها جهات لبنانية داخلية مقرّبة من الإدارة الأميركية ضد المرسوم، تتهم فيها حزب الله بنسف المفاوضات.
في المسار الداخلي لملف الترسيم، لم تكُن مسارعة وزير الأشغال العامة إلى التوقيع مُفاجئة. العارِف بكواليس الاتصالات التي حصلت، ولا سيما مع عين التينة وحارة حريك، كانَ يُدرِك أن الأمر ذاهِب في اتجاه التوقيع، بمعزل عن الحملة المبالغ فيها ضد نجار ومرجعيته السياسية. ويُمكِن القول إن الموافقة على التوقيع، هي هدف في مرمى من استغلّ الملف للتخوين، وقطع الطريق على من حاول التهرب من التوقيع بحجة أنها مسؤولية نجار «أولاً». وقد أتى التوقيع نتيجة موقف نجار، والنائب السابق سليمان فرنجية، وعدم معارضة عين التينة وموافقة حزب الله بعدَ التشاور معها، وكذلِك بعدَ الاجتماع الذي عقده العقيد البحري مازن بصبوص مع مديرية النقل البري والبحري لشرح كل الإحداثيات الجديدة، والتي قالت مصادِر مطّلعة أنها «اقتنعت بها، وأعدّت محضراً ووقّعت عليه وأرسلته إلى الوزير».
وعلى الفور، أعلن وزير الأشغال في مؤتمر صحافي عقده ظهر أمس، أنه «حينما طلب الخميس الماضي مهلة لدراسة الأمر قبل التوقيع على مشروع مرسوم تعديل الحدود البحرية الذي أعدته وزارة الدفاع، فإن ذلك باعتبار أنه لم يجر إطلاعه من قبلُ على المرسوم وتفاصيله، وأن الأمر كان يقتضي منه الاطلاع على مضمونه بشكل دقيق مع المديرية العامة للنقل البري والبحري في الوزارة قبل اتخاذ أي قرار حرصا على المصلحة العامة».
المرسوم الموقّع عليه من قبل نجار وعكر، يشير إلى «عرضه على مجلس الوزراء وفقاً للأصول»، ما طرَح استفهاماً حول إذا ما كان يحتاج إلى جلسة للحكومة. لكن مصادر مطلعة قالت إن «من الطبيعي أن يتضمن أي مرسوم عبارة «بعد موافقة مجلس الوزراء». لكن في حالة هذا المرسوم، يصدر استثنائياً، لأن الحكومة هي في حالة تصريف أعمال، ولأن الأسباب الموجبة تؤكد أن هناك خطوات سيقوم بها العدو لوضع يده على جزء من المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان». وقد صدر عن المكتب الاعلامي في رئاسة مجلس الوزراء ما يوضح ذلِك، مشيراً في بيان إلى أن «الأمانة العامة أحالت إلى رئاسة الجمهورية اقتراح وموافقة رئيس الحكومة على مشروع المرسوم المتعلق بتعديل المرسوم الرقم 6433، وذلك لأخذ الموافقة الاستثنائية عليه من رئيس الجمهورية لإصداره وفقاً للأصول التي يتم اتباعها في جميع الملفات التي تستدعي العرض على مجلس الوزراء. ويستعاض عن موافقة مجلس الوزراء بخصوصها بموافقة استثنائية تصدر عن رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وعلى أن يصار إلى عرض الموضوع لاحقاً على مجلس الوزراء على سبيل التسوية».
وفي انتظار سلوك المرسوم إلى الإقرار النهائي، ستتجه الأنظار في الأيام المقبلة إلى الموقف الإسرائيلي. لبنانياً، يؤكد المعنيون أنه بتوقيع المرسوم وإيداعه لدى الأمم المتحدة، يكون لبنان قد حفظ حقه في مساحة 2290 كيلومتراً مربعاً، مع مراهنة على أن «هذا الأمر سيدفع بالعدو الإسرائيلي إلى العودة إلى طاولة المفاوضات». لكن ذلِك يبقى في إطار التوقعات، وهناك احتمال كبير أن يُعانِد العدو ويغامِر بما يهدد «أمن الجبهة البحرية». يبقى أن يتمسّك لبنان بهذا الخط، خط 29 كخط حقوقي لا خط تفاوضي، من دون الرضوخ لأي ضغوطات من الداخل والخارج تدفعه إلى التراجع أو التنازل.
المصدر/ صحيفة الاخبار اللبنانية / اليوم الثلاثاء ١٣ أبريل ٢٠٢١