هل أصبحت أفريقيا أرضاً موعودةً للجماعات المتطرفة ؟

الأحد 11 إبريل 2021 - 07:38 بتوقيت غرينتش
هل أصبحت أفريقيا أرضاً موعودةً للجماعات المتطرفة ؟

مقالات-الكوثر: خلال العقود الثلاثة الماضية بدأ الفكر المتطرف يغزو القارة الافريقية لأسباب ودوافع مختلفة، فعرف شمالها فكر التطرف ذي الطابع الأيدلوجي، المتأثر بفكر الآباء المؤسسين لحركة الإخوان، من السيد قطب والمودودي، وقبلهم فكر بن تيمية، وبن القيم، وبن عبد الوهاب، وكانت الجزائر في شمال القارة المحطة الأولى لحركات العنف.

وخلال العقود الثلاثة الماضية بدأ الفكر المتطرف يغزو القارة الافريقية لأسباب ودوافع مختلفة، فعرف شمالها فكر التطرف ذي الطابع الأيدلوجي، وكانت الجزائر في شمال  القارة المحطة الأولى لحركات العنف، أما أفريقيا السوداء فقد عرفت فكر التطرف لأسباب بنيوية معقدة مرتبطة بالأعراق، وتعدد المعتقدات في المجتمع الواحد، والتهميش والغبن الذي تعانيه الأقليات المسلمة في بعض الدول  ذات الأغلبية المسيحية أو الوثنية المسيطرة في الغالب على مفاصل الدولة والاقتصاد، في هذا المقال سنتناول نشأة بعض الحركات المتطرفة في أفريقيا، وأسباب استقطابها للشباب، ومرجعياتها الفكرية ومصادر تمويلاتها.

الحركات المتطرفة في أفريقيا تاريخ النشأة
وعرفت القارة الأفريقية الإسلام في وقت مبكر خلال ما يعرف في السردية الإسلامية بهجرة الحبشة، ثم بعد ذلك انتشر فيها بفضل جهود الدعاة والتجار والطرق الصوفية، وهو ما يعني أن الإسلام دخلها في المجمل مسالماً - مع وجود استثناءات في شمالها الذي تعرض للغزو الأموي العنيف - ما جعل مسلميها متسامحين دينياً، فتعايشوا مع أصحاب العقائد الأخرى، لكن مطالع تسعينات القرن الماضي حملت اليها الكثير من الحركات التكفيرية العنيفة، وانتشرت بسرعة في مناطق شاسعة من القرن الافريقي  شرقاً الى الساحل غرباً، مروراً بوسطها، وتنشط في القارة حالياً خمس حركات كبرى، وتصنف عالمياً بأنها شديدة الخطورة وتملك أسلحة متطورة، وهي على العموم قريبة من تنظيم القاعدة العالمي بفرعيه "القاعدة الأم وداعش"، وتشكل هذه الحركات أذرعاً له، بناء على تقليد نهجه وتتبنى فكره ومجاهرة بعضها بمبايعته، على رأس هذه الحركات تنظيم بوكو حرام.
تنظيم بوكو حرام: نشأت نواته الأولى على يد رجل الدين النيجيري "أبو بكر لوان"، عام 1995 م في جامعة ميدوجوري بولاية بورنو حسب الرواية الرسمية تحت مسمى  "جماعة أهل السنة والهجرة" وظهر كحركة مسالمة تدعو لمناهضة فكر الحداثة الذي أدخلته المدارس الغربية إلى مجتمعهم المسلم، وأصبح بسببها يعاني البطالة والتهميش، وضمت خلال نشأتها نخباً متعلمةً، وظلت متسامحة حتى اعتمدت الدولة المسار الأمني، وقتل زعيمها لوان.
وفي عام  2003 تزعم الحركة محمد يوسف المتشبع بفكر بن تيمية، والمودودي والسيد قطب فحولها إلى جماعة "أهل السنة للدعوة والجهاد"، وكان يعتقد  بجاهلية المجتمع، وكفر الدولة، ويرى أن السلاح هو لغة التخاطب الوحيد مع المخالف، وكان رافضاً لجميع المنظومة الغربية بما فيها التعليم ومن هنا جاء الاسم الإعلامي للحركة (بوكو حرام)، التي تعني باللغة الهوساوية (التعليم الغربي حرام)، وشنّ الحرب على المنشآت الحيوية للدولة، والكنائس والبنوك وأضرحة الأولياء، وحرّم الاحتفالات الدينية الرسمية والطرق الصوفية.
وفي عام 2009 قتل على يد قوات الأمن، فتزعم التنظيم أبوبكر شكاوي، فأعاد تنظيم صفوف الحركة، وطور أساليب القتال والتجنيد حيث اعتمد فئات عمرية محددة ما بين 16 ـ إلى 25 عاماً. ومن جنسيات افريقية مختلفة، كما أدخل أسلوب العمليات الانتحارية، "واحتجاز الرهائن من الفتيات والشباب، والانتقال من أساليب الكر والفر إلى احتلال القرى وحرقها، وقد اعلن في عام 2015 عن مبايعة داعش.

حركة الجهاد والتوحيد في شمال جمهورية مالي
وهذه الحركة مكونة من عدة قبائل منها قبائل الأمهار العربية الذين انشقوا عن الزعامة الصوفية  لقبيلة كنتة، واعتنقوا الوهابية، وكذلك بعض الطوارق ويتبادل المغرب والجزائر الاتهامات حول المسؤولية عن الوقوف خلف انشائها، وقد انشطرت هذه الحركة الى نصفين: الموقعون بالدم، بقيادة الجزائري مختار بلعور، الذي بايع داعش بينما تحالفت الجناح الأخر "الملثمون" بقيادة أحمد العامر مع بوكو حرام النيجرية، وتعتبر جماعة بلعور الإرهابية هي الأكثر إثارة للرعب في منطقة الساحل. 

 القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي
كانت هذه الجماعة جزءا من الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، حتى انشقت عنها عام 1997م، اعتراضاً على ما اسمته استهداف الجماعة للمدنيين، وركزت على استهداف الجيش الجزائري، وبعد احتلال العراق، استهدفت المدنيين الغربيين في منطقة الساحل معتمدة أسلوب الاختطاف، ثم أعلن أيمن الظواهر تحالفه معها فتحولت إلى تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي.
حركة شباب المجاهدين في الصومال

وظهرت حركة "الشباب" الصومالية أوائل عام 2004 م كذراع عسكري للمحاكم الإسلامية الصومالية، وبعد انضمام المحاكم "لتحالف المعارضة" أنشقت عنها، وهي من الناحية العقائدية فرع من القاعدة، وتعتبر الركيزة الأساسية لها في القرن الافريقي، تزعمها عند التأسيس آدم حاشي فرح عير و بعد مقتله بغارة أمريكية عام 2008  تزعم الحركة أحمد ديري أبو عبيدة، ثم لحق به بغارة أمريكية أيضاً عام 2014 م فتولى زعامتها أحمد عبدي غودني.
حركة أنصار الدين

حركة أنصار الإسلام والمسلمين، كانت تعرف باسم حركة أنصار الدين، أسسها إياد آغ غالي عام 2012  بعد خلافه مع الحركة الوطنية لتحرير أزواد، حيث سحب الكثير من مقاتلي قبيلة افوغاس أقوى قبائل الطوارق، ويقول خصومه أنه اشترى ذمم أخرين من أهل منطقة غاو وتمبكتو فاصبح أقوى فصيل مسلح، وأياد آغ غالي شيوعي الخلفية، وقد جنده القذافي في ثمانينات القرن الماضي للقتال إلى صفوف جماعة احمد جبريل ضد ياسر عرفات، كما  شارك في مغامرات القذافي العسكرية في تشاد، بعد توقيع اتفاقية السلام بين الطوارق وحكومة جمهورية مالي، عين قنصا بجدة، ومن هناك اعتنق المذهب الوهابي وزار أفغانستان، وبعد تطورات أحداث إقليم آزواد بعد  عام 2012  وسع حركته فضم زعيم حركة ماسينا الشيخ مامدو كوفا الزعيم الديني وقائد تمرد قومية الفلان الزنجية بجمهورية مالي، واطلقوا على تنظيمهم اسم "أنصار الإسلام والمسلمين" وقد بايع تنظيم القاعدة.
استقطاب الحركات المتطرفة للشباب الافريقي
مراكز عدة ودراسات مهتمة تعتقد أن عوامل عدة ساهمت بشكل أساس ومباشر في انقياد بعض الشباب الإفريقي نحو خيار التطرف، من تلك العوامل تفكك الأسر وضعف الرقابة على الأبناء، ففي موريتانيا مثلاً حيث تنتشر ظاهرة الطلاق وتخلي الإباء عن أبنائهم لتشرف على تربيتهم أمهات في الغالب فقيرات وغير متعلمات يكون الشباب صيداً ثميناً للحركات المتطرفة،كما أن كثيراً من الشباب المنضمين لصفوف الجماعات المتطرفة، وعلى رأسها "القاعدة"، لديهم والدَيْن مطلقيْن.. ففي شمال نيجيريا فإن ضعف الرقابة الأسرية على الأبناء، قد لعبت دوراً كبيراً في وقوع كثير من الشباب في براثن التطرف، ومستنقعات الإرهاب" .

الاقصاء والتهميش الاجتماعي
يرى بعض الباحثين أن التهميش الاجتماعي لعب دوراً كبيراً في وقوع الشباب الافريقي لقمة سائغة في أحضان الحركات المتطرفة، حيث كشفت دراسة نشرها موقع "The Current Analyst"  تحت عنوان "دوافع الشباب إلى التطرف في شرق أفريقيا"، أن الشباب في كينيا بشكل عام حتى الأكثر ثقافةً وعلماً، قد أدى  بهم الحرمان الاجتماعي للوقوع في مستنقعات التطرف، وكشفت دراسة لمجموعة من الباحثين نشرتها المجلة العالمية للعلوم الاجتماعية في عددها الرابع عام 2015 م  تحت عنوان "التطرف المحلي في كينيا"  أن الشباب الذين يتعرضون لصعوبات الوصول إلى الخدمات الصحية، والإسكان والتعليم هو الأكثر عرضة للاستقطاب والتجنيد من قبل الجماعات المتطرفة" .
المرجعيات الفكرية للحركات التكفيرية
لا يخفى على أي مهتم بمرجعيات الحركات المتطرفة تأثرها بفكر ابن تيمية خاصة مجموعة فتاويه، وكذلك تلميذه بن القيم، وكذلك بن عبد الوهاب ومنشورات وتسجيلات علماء الوهابية، إضافة إلى فكر الإخوان المسلمين خاصة منه نسخة السيد قطب، وتعبر هذه الحركات أنها الفرقة الناجية، وترى وجوب قتل وقتال المخالف المسلم قبل الكافر بناء على فتوى بن تيمية من أن "قتال المرتدين  مقدم على قتال الكفار الصليبين" .
مصادر التمويل
يعتبر المال الخليجي وخاصة السعودي هو اللبنة الأولى على الأقل في مراحل التأسيس لزرع فكر التكفير والتنفير، قبل أن يصل خريجو مدارسها، وجامعاتها إلى مرحلة النفير والتدمير، ففي جلّ الدول الافريقية التي بها جماعات تكفيرية، توجد استثمارات سعودية في الحقل الديني بملايين الدولارات موزعة على التعليم الابتدائيء والمراكز الثقافية، وجاء في دراسة حديثة عن مصدر تمويل الحركات الإرهابية "أن عدداً من الجماعات دمجت الدعوة لفكرها من خلال الأنشطة التي تقدمها وتروج لها، وأحيانًا تطلب من المشاركين الالتزام الصارم بعاداتها وطريقتها في معالجة الأمور بهدف المحافظة على الوصول إلى الأموال أو المنافع.
وبعض هذه المجموعات لها صلات بمنظمات إسلامية مسلحة، فمؤسسة الحرمين الإسلامية، ذات التمويل السعودي، دعمت العديد من المدارس في شرق أفريقيا، بما في ذلك بعض المدارس المرتبطة بمركز أنصار الشباب الإسلامي،  قبل إغلاق مراكزها وطردها من كينيا وتنزانيا  بسبب تلك الصلات.
وكذلك جمعية إحياء التراث الإسلامي، وهي منظمة غير حكومية كويتية، وكانت إلى وقت قريب تقدم دعماً مالياً ومادياً لمنظمات مرتبطة بالقاعدة، بما في ذلك حركة "الاتحاد الإسلامي" (إياي). 
ويعكس تمويل المدارس والمراكز الثقافية والجامعات القيمة الاستراتيجية الكبيرة لدى الممولين الخليجيين في تشكيل معتقدات الشباب، وزرع التفسير المتطرف للإسلام الذي يدعو للإقصاء."

بقلم الأكاديمي والباحث الاسلامي الموريتاني "سيدي محمد بن جعفر"