عفا عبد الكريم قاسم عن العصابة التي حاولت اغتياله، وكان بينهم صدام حسين، والتي شكلت فيما بعد حزب البعث، الذي شارك في الاخير بقتل الزعيم قاسم في 9 شباط / فبراير من عام 1963 بطريقة وحشية وهو صائم.
اغلب من أرخ لتاريخ العراق الحديث، لاسيما في فترة الانتقال من النظام الملكي الى الجمهوري، توقفوا كثيرا امام عبارة "عفا الله عما سلف" للزعيم قاسم، حيث رأوا في تلك العبارة "خطأ" جسيما ارتكبه الزعيم قاسم بحقه وبحق العراق، فهذه العبارة هي التي اسقطته وادخلت العراق في حقبة ظلماء لم يخرج منها حتى الان، فالجهة التي عفا عنها الزعيم قاسم، هي مجموعة من الذئاب البشرية ومن اخطر العصابات الدموية والسادية التي مرت في تاريخ العراق وهي عصابة البعث.
ما حذر منه من أرخ لتاريخ العراق، القدماء منهم والمعاصرون، وقع بالفعل، فصدام الذي اصاب الزعيم قاسم اصابات بالغة وقتل سائقه وجرح مرافقه، وعفا عنه الزعيم قاسم، إرتكب في عام 1982 مجزرة مروعة في منطقة الدجيل بذريعة تعرضه لمحاولة اغتيال، رغم انه لم يصب بإي اذى ، الا انه أعدم نصف شباب الدجيل وجرف بساتينها وهدم بيوتها!!.
هذا الخطأ القاتل الذي وقع به الزعيم العراقي عبدالكريم قاسم، وقع فيه النظام العراقي الجديد، بعد سقوط صنم بغداد عام 2003، فقد اكتفى النظام الجديد بمحاكمة رؤوس العصابة البعثية، صدام واشقائه ودائرته الضيقة جدا، وترك المئات من اشرس اعضاء هذه العصابة دون اي مساءلة ازاء الجرائم التي ارتكبها البعث الصدامي في العراق والتي لا تقل عن جرائم النازية في المانيا والفاشية في ايطاليا والصهيونية في فلسطين المحتلة، الى الحد الذي بات النظام الجديد يدفع رواتب تقاعد!! لاكثر من نصف مليون عضو في اجهزة صدام القمعية من استخبارات وحرس وطني وحرس خاص وفدائي صدام ومرافقيه، الذين كانوا اليد التي بطش بها صدام بالعراق، والذي حوله الى مقبرة جماعية، دُفن فيها مئات الالاف احياء في صحارى وبراري العراق.
نحن هنا لا نتحدث عن ملايين العراقيين الذين انتسبوا لحزب البعث تحت الضغط والخوف، فهؤلاء ايضا من ضحايا البعث، ولكننا نتحدث عن قيادات عليا في هذا الحزب، تمكنوا من التغلغل مرة اخرى الى داخل النظام الجديد بسبب ضغوط المحتل الامريكي، وبسبب تساهل القيادات الوطنية، التي ارتكبت خطأ الزعيم عبدالكريم قاسم، ومن بين هذه القيادت التي باتت في الاعوام الاخيرة تكثر من ظهورها وترقص على جراح العراقيين، هي ابنة الطاغية رغد، التي تتولى الان مسؤولية تمويل كل انشطة البعث الصدامي في العراق وخارجه، وكذلك تمويل العصابات الداعشية البعثية في العراق، وكثيرا ما اصدرت بيانات حول الاحداث التي يمر بها العراق منذ سقوط نظام الطاغية صدام وحتى اليوم، كالغزو الداعشي الصدامي ومجزرة سبايكر، وهلاك عزة الدوري وسلطان هاشم وباقي اعضاء عصابة أبيها، بفضل اكثر من اربعين مليار دولار سرقتها وهربت بها الى الاردن، حيث تعيش كملكة غير متوجة، يحيط بها المئات من اخطر القيادات البعثية الصدامية، والتي تتنقل بين العراق والاردن وبكل حرية، وتنقل اوامرها اول باول الى عصابات البعث في الداخل، والتي نفذ العديد من اعضائها الى داخل النظام الجديد!!.
وصل الامر بتساهل النظام الجديد، ان ابنة الطاغية اخذت تراسل الملوك والامراء العرب ، وتقوم بزياراتهم، وكثفت من تغريداتها المستفزة لمشاعر الغالبية العظمى من الشعب العراقي، وتتحدث عن عصر ابيها "الذهبي" وما كان ينعم في ظله الشعب العراقي من "حريات"، حتى ان قناة "العربية" السعودية، اعلنت انها ستبث قريبا سلسلة من اللقاءات مع رغد ابنة الطاغية، تتحدث فيه عن الشأن العراقي.
ان محاولات امريكا والرجعية العربية وعلى راسها السعودية، تسويق هذه الوجوه الكريهة والبغيضة ، لدى الشعب العراقي، تأتي في اطار مساعيهم لاعادة عقارب الساعة الى الوراء، وهو امر لن يحدث ما دام لابناء الشهداء وابناء المقابر الجماعية عرق ينبض، فعصابة البعث لن تعود الى العراق، ونجوم السماء اقرب الى هذه العودة، وحسنا فعلت قناة "العربية" السعودية ، الحاقدة ليس على فئة او جهة في العراق، بل على العراق كوجود، ان اظهرت على شاشتها سليلة الاجرام، لتثبت لبعض العراقيين وبالدليل القاطع ان مبدأ "عفا الله عما سلف"، لا يمكن ان يكون مناسبا لعصابات البعث، ومن يدعمهم من صهاينة العرب، وان على العراق ان يبدأ باتخاذ اجراءات قانونية، لاعتقال ابنة الطاغية، بسبب ما اقترفته من جرائم بحق العراقيين، منذ عام 2003 وحتى الان، وان توجيه رئيس لجنة "الشهداء والضحايا والسجناء السياسيين" في البرلمان العراقي عبدالاله النائلي، كتابا رسميا لوزارة الخارجية العراقية، لاستدعاء سفيري الأردن والسعودية وتسليمهما مذكرتي احتجاج على خلفية استضافة قناة "العربية" السعودية لابنة الطاغية، يجب ان يكون الخطوة الاولى على طريق محاسبة كل اعضاء عصابة البعث الصدامي ، الذين مازالت ايديهم تقطر من دماء العراقيين، حتى لا يأتي اليوم الذي يندم فيه العراقيون على تساهلهم مع هذه الذئاب الكاسرة، كما ندموا من قبل بعد ان عفا عنهم الزعيم عبدالكريم قاسم، وعندها لا ينفع الندم.