امريكا أنتجت F35 لتكون الوحش الحديدي الذي تخيف به الشرق المتنامي القوة. ولكن ما أسرع مالبس هذا الوحش قفازات مخملية ليتعذر عليه مع كل الحديد يحمله ان يضرب ضربة كاسرة التي ربما ستكون فوق إيران قبل الاشتباك مع الصين. ولربما سائل يسأل اين اختفت هذ الطائرة التي تعد فخر الصناعة الحربية الأمريكية الحديثة وكيف دخلت في سبات بعد ان كان أزيز محركها فوق البحر المتوسط والخليج الفارسي يؤرق نوم موسكو وبكين والان باتت جاثمة في مطارات قواعدها للنظر في امرها. المقاتلات F35 الامريكية ما ان بدأت طلعاتها الجوية فوق منطقة الخليج سارعت إيران للاعلان ان F35 الشبحية ما عادت مختفية على شاشات رادارات الحرس الثوري كاشف١ وكاشف٢. وهذا يعني انها في مرمى الدفاعات الجوية الإيرانية S373 النسخة المتطورة للصواريخ الروسية S300. الإعلان الإيراني عن كشف راداراتها لطائرات F35 اولد ارتياحا في الصين وروسيا اذ تعني ترجمة هذا الاعلان سياسيا هو عودة قواعد الاشتباك لصالحهما (مجتمعين في قوة واحدة)، رغم ان امريكا ماتزال القوة او المحرك السياسي الرئيسي للعالم.
ما حدث للطائرات F35 المتطورة والمزودة بأجهزة تعمل بالهندسة الرقمية المتقدمة والتي هي مقابل جيل السوخوي الروسي SU57 كان الأمر عند القيادات الأمريكية السياسية والعسكرية. كشف الرادارات الإيرانية لهذه الطائرة لم يكن السم الاخير الذي تذوقته امريكا. فقد اضطرت (امريكا) لإخراج الغواصة النووية USS جورجيا، من مياه الخليج بسرعة بعد العطل المفاجئ الذي أصاب المنظومة الالكترونية لمنصة إطلاق الصواريخ خوفا من الاسوء من ان تكون USS جورجيا كتلة حديد لا حراك لها جاثمة في قاع الخليج مع طاقمها البحري في عالم الاموات. USS جورجيا ارسلت الى منطقة الخليج لتوجيه ضربة نووية الى ايران ربما في اية لحظة جنون ترامبية غير قابلة للسيطرة عليها. كان لسحب الغواصة الأمريكية جورجيا خارج مياه الخليج لم يكن تراجعا امريكيا فقط بل أيضا بمثابة اشارة لـ"اسرائيل" باسترجاع غواصتها الدلفين إلى قاعدتها البحرية بعد ان ابحرت وعبرت قناة السويس إلى البحر الاحمر متجهة إلى الخليج "الفارسي"..
ليس بجديد في القول اذا قلنا اننا نعيش اليوم في عالم مليئ بالتوتر مرجعه الاساسي تخبط السياسية الأمريكية أمام القوى الصاعدة في الشرق التى أخذت لاتنافسها في الهيمنة على العالم بل باتت تتغلب عليها في مجالات شتى. فالصين التي كانت بالامس القريب تحاربها امريكا لتطوير الإنترنيت G4 الى G5 قد تخطت تسويق G5 الى العالم ودخلت طور إنتاج G6 ذو السرعة العالية جدا الذي ستبدأ طرحه في السوق العالمية للاستخدام بحلول 2026.
التطور التكنولوجي الإيراني المتسارع في الصناعات الحربية خصوصا بدأ يشكل أرقام صعبة أمام امريكا. فقد كان العام 2020 وبداية عام 2021 استطاعت فيه ايران ايصال رسائل سياسية عدة الى امريكا وحلفائها رغم العقوبات الاقتصادية. كان أخرها مناورات الجيش الإيراني جنوب مضيق هرمز ودخول البارجة الحربية الاستراتيجية متران، الميناء العائم، في هذه المناورات. كذلك كشفت ايران عن قواعد صواريخ ارض- بحر تحت الارض، تمتد من مضيق هرمز حتى شمال الخليج الفارسي، ومناورة الطائرات المسيرة (درونز) التي اجريت بمشاركة 100 طائرة. كان لمناورة 100 درونز التي أجرتها إيران قبل أيام انهت الحديث الامريكي عن تحجيم الصواريخ . اذ بات امر امتلاك ايران للصواريخ اهون من امتلاكها للطائرات المسيرة. فقد استطاعت الطائرات اليمنية المسيرة البدائية من تدمير منصات ومخازن استراتيجية لشركة أرامكو السعودية فكيف بالطائرات الإيرانية المسيرة والمتطورة تكنولوجيا. القوة التي تكشف عنها ايران في كل رسالة اعجزت امريكا عن الاجابة على اية رسالة منها. كانت اقوى إجابة لها على تلك الرسائل الاخيرة هي الاضعف وهو ما تم فيها إرجاع القاذفات النووية B52 وهي في الجو الى قواعدها في بريطانيا التي كان المفروض لها ان تهبط في احد القواعد الجوية الإسرائيلية، إضافة الى الصين دخلت على الخط فارسلت القاذفات النووية الصينية العملاقة T95 فوق المحيط الهادي محذرة امريكا لتجاوزها الخطوط الحمراء في منطقة اسيا.
امريكا ادركت ان المواجهة مع ايران غير مجدية وان بداية المواجهة سوف لن تنتهي الا بذهاب هيبتها. كذلك فان امريكا بعد اقتحام مبنى مجلس النواب (الكابيتول) من قبل انصار الرئيس ترامب هي ليست امريكا بعد هذا الحدث. اقتحام الكابيتول هو بداية العد التنازلي لنهاية امبراطوريتها وتفكك ولاياتها. فكيف بها اذا دخلت حرب محسومة النتائج لا لصالحها وهي في بداية زوال قوتها.
الساكن الجديد للبيت الأبيض، جو بايدن، عندما سيدخله سيدخل هو ايضا بعد فترة عقده التاسع من عمره وقد ادرك أن سلفه انهزم سياسيا أمام التكنولوجيا والصمود السياسي الإيراني. فهل سيبدأ قيادة الولايات المتحدة الأمريكية باستنساخ سياسة سلفه الفاشلة ام ان خبرته السياسية أوصلته الى نتيجة ان اية مواجهة سياسية أو عسكرية مع ايران لن يكتب لها النجاح بقدر ما سوف يكتب لها الهزيمة وخصوصا ان إيران أغلقت باب التفاوض مجددا في الاتفاق النووي بعد تصريح محمد جواد ظريف الاخير. والعودة إليه هي كالعودة الى زمان معجزات أحياء الموتى والحوار معهم. وخصوصا ان المحاور في وقتنا الحالي هو نفس الشيطان ولكن بوجه جديد.
بقلم: علي الربيعي