على مدى العقود الماضية وحتى اليوم، يعاني المواطنون البحرينيون الشيعة، الذين تصل نسبتهم إلى 70٪ من عدد السكان في البحرين، من التمييز الطائفي الممنهج من قبل الدولة. فبالإضافة إلى التمييز في التوظيف ضمن الإدارات الرسمية والعسكرية، وفي منع الشيعة البحرينيين من مشاركة النظام في الحكم، هناك شكل رئيسي آخر من أشكال التمييز؛ وهو التعدي الذي تجيزه الدولة على حق المجتمع في حرية المعتقد الديني وممارسة الشعائر الدينية بحرية.
وقد اشتد هذا الأمر عام 2020 بحجة الإجراءات الاحترازية منعاً لانتشار فيروس كورونا. فتم اعتقال واستدعاء والحكم على عدد كبير من الأشخاص بالسجن والغرامات بسبب إحيائهم مناسبات دينية أو بسبب المشاركة فيها.
كما تم فض تجمعات دينية، ومنع أخرى من الانعقاد، وكذلك تمت إزالة مكبرات الصوت التي تبث مراسم دينية بحجة الوباء، رغم عدم ارتباط مكبرات الصوت بأي شكل من الأشكال بالوباء.
وفي العام ذاته، بدأت الحكومة البحرينية بإجراءات جديدة تستهدف الشيعة. وتشمل هذه الإجراءات استدعاء واعتقال والحكم بالسجن لمدة تصل إلى أشهر عديدة، وأحياناً سنة، وفرض غرامات، لمجرد قراءة أدعية دينية.
كان لافتاً منع المعتقلين الشيعة من ممارسة شعائرهم الدينية بحرية داخل السجن أيضاً، خصوصاً تلك الخاصة بذكرى عاشوراء.
وعلى عكس ما يتعرض له الشيعة في البحرين، تتمتع الطوائف والأديان الأخرى بحرية ممارسة شعائرها الدينية من دون أي تضييق، في ظل معايير مزدوجة تتبعها الحكومة البحرينية.
أبرز الانتهاكات الدينية خلال عام 2020
ازدادت حملات الاعتقال عام 2020 على خلفية إحياء الشعائر الدينية، وكان ذلك بارزاً خلال إحياء الطائفة الشيعية لمراسم ذكرى الأربعين لشهادة الإمام الحسين، وخلال شهر محرم وشعائره المتعددة، وكان لافتاً حملات الاعتقال بتهمة قراءة زيارة عاشوراء. وسط التضييق الممارس من قبل الحكومة تذرّعاً بالإجراءات الإحترازية لمنع انتشار فيروس كورونا.
إحياء ذكرى الأربعين
في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2020 اعتقل الكثير من الرواديد الشيعة بسبب إحيائهم شعائر دينية، منهم من حكم عليهم بالسجن لمدة 3 شهور مع دفع غرامة مالية، ومنهم من تعرضوا لتسمم غذائي أثناء توقيفهم في مركز شرطة.
وترافقت كل هذه الإجراءات الحكومية مع بيانات كانت قد صدرت عن وزارة الداخلية البحرينية وعن إدارة الأوقاف الجعفرية، تدعو إلى منع التجمعات خلال مناسبة ذكرى الأربعين تحديداً. وفي بيان وزارة الداخلية، أمرت الوزارة بالاكتفاء بإحياء المناسبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبعدم التجمع في المآتم والمنازل، مهددة باتخاذ الإجراءات القانونية بحق من يخالف هذا القرار، بحجة الحفاظ على الصحة العامة.
واللافت في هذا البيان، تعمّد وزارة الداخلية الإشارة إلى التجمعات المتعلقة بذكرى الأربعين، وغض النظر عن باقي التجمعات التي كانت تحصل في الفترة ذاتها، والتي لا تراعي بمعظمها الإجراءات الوقائية من فيروس كورونا، ما يشير إلى استخدام الوباء كذريعة جديدة لمنع الشيعة من ممارسة شعائرهم الدينية.
بينما لم يتم التطرق إلى المناسبات الأخرى، إن كانت الدينية المتعلقة بالطوائف الأخرى، أو تلك غير الدينية، في استمرار لسياسة الاضطهاد والتمييز المتبعة منذ عقود بحق الشيعة في البحرين من قبل الحكومة البحرينية.
على سبيل المثال، حصلت تجمعات كبيرة في ذكرى العيد الوطني البحريني، خاصة من قبل العمالة الباكستانية التي سمح لها بالمشاركة في احتفالات هذا العيد، من دون اتخاذ أدنى الإجراءات الاحترازية المطلوبة لمنع تفشي وباء كورونا كارتداء الكمامات وممارسة التباعد الاجتماعي.
اعتقالات على خلفية قراءة زيارة عاشوراء
في 3 أيلول/سبتمبر، اعتقل عبد النبي السماك بسبب قراءته زيارة عاشوراء خلال مأتم في عراد، بتهمة "إهانة رموز وأشخاص موضع تمجيد لدى أهل ملة"، رغم أنه لم يقرأ المقطع الأخير من الزيارة، ورغم أن هذه الزيارة مسموح بقراءتها بشكل شرعي من قبل الأوقاف الدينية في البحرين منذ زمن.
وبعد تمديد اعتقاله لمرات عدة على ذمة التحقيق، حكم عليه في 25 تشرين الثاني/نوفمبر بالسجن لسنة واحدة.
كما اعتقل الرادود سلمان العرب والملا قاسم زين الدين والشيخ إبراهيم الأنصاري بسبب شرح زيارة عاشوراء. كذلك، تم توقيف مواطنين بحرينيين بتهمة قراءة الزيارة وعدم اتخاذ الإجراءات الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا.
واللافت أنه في 6 أيلول/سبتمبر، استدعي عالم الدين السيد محمد الغريفي للتحقيق بسبب ذكره لوقائع تاريخية تتعلق بيزيد بن معاوية. وقد برر المحقق ما حصل باعتباره أن يزيد هو "موضع تمجيد لدى عدد من المواطنين".
انتهاكات شهر محرّم
اعتقل حسين عمار العرادي في 16 أيلول/سبتمبر على ذمة التحقيق بتهمة المشاركة في مراسم عاشوراء، ومدد اعتقاله مرات عدة. كما أجبر الناشط عادل مرزوق للتوقيع على تعهد بالامتناع عن وضع لافتات سوداء على منزله، بعد أن كان قد وضع لافتة في هذا العام، قبل أن يجبر على إزالتها وتسليمها للمحكمة.
مقابل كل ذلك، أمعنت الحكومة البحرينية في إهمال، وأحياناً ترويج، الأخبار الكاذبة والآراء الطائفية الموجهة ضد الطائفة الشيعية، والتي تتهم مراسم عاشوراء بالوقوف وراء الازدياد في عدد المصابين بكورونا.
في هذا الإطار، كتب الصحافي فريد أحمد حسن مقالاً في صحيفة الوطن بتاريخ 10 أيلول/سبتمبر، تحت عنوان "عاشوراء هي السبب"، متهماً المشاركين بإحياء مراسم عاشوراء بالوقوف وراء ارتفاع عدد المصابين بكورونا. وفي 7 أيلول/سبتمبر، نشرت الصحيفة ذاتها مقالاً تحت عنوان "مخالفة الإجراءات الاحترازية وراء زيادة نسبة الإصابات بكورونا"، مستخدمة صورة تعود إلى العام 2017 كدليل لعدم التزام المواطنين الشيعة بالإجراءات الوقائية من الوباء في مسيرات العام 2020.
فبينما أغلقت السلطات صحيفة الوسط، الصحيفة المستقلة الوحيدة في البحرين، قبل ثلاث سنوات بسبب صورة، لم يتم اتخاذ أي إجراء ضد صحيفة الوطن لعدم نقلها الواقع بشفافية.
ومن ناحية ازدياد عدد الإصابة بكورونا، فهذه الزيادة كانت متوقعة، ليس فقط بسبب إحياء مراسم ذكرى عاشوراء، ولكن أيضاً لأن المهرجانات والأعراس والتجمعات كانت تقام من دون أي إجراءات احترازية. كما فتحت في الفترة ذاتها النوادي الرياضية، المتاجر، أحواض السباحة، دور السينما، المطاعم، بالإضافة إلى مرافق وقطاعات أخرى.
انتهاك الحريات الدينية في السجن
واجه السجناء في هذا العام انتهاكات عدة على صعيد ممارسة شعائرهم الدينية بحرية، لا سيما مع اقتراب ذكرى عاشوراء وخلالها. أولاً فرض المزيد من الحظر على ممارسة الشعائر الدينية المتعلقة بالذكرى، وعزل السجناء مع سجناء أجانب يختلفون معهم في اللغة والمعتقد، ومصادرة كتبهم الدينية بالإضافة إلى تعريضهم للتعذيب وسوء المعاملة.
خلال أيام عاشوراء، ونتيجة للمطالب والإضرابات التي نظمها السجناء قبل وأثناء محرّم، سُمح للنزلاء بأداء طقوس محرّم في بعض المباني في سجن جو خلال فترة محددة تبلغ حوالي 3 ساعات. لكن، في مباني أخرى، مثل المبنى 15 والمبنى 1، مُنع النزلاء تماماً من ممارسة الشعائر الدينية جماعة وتمت مصادرة كتبهم الدينية.
كما حُرم النزلاء في سجن الحوض الجاف من إمكانية مشاهدة المراسم الدينية عبر التلفزيون مع مصادرة كتبهم الدينية.
تحيز وازدواجية في المعايير؟
أظهرت السلطات البحرينية تحيزاً وازدواجية في المعايير فيما يتعلق بتنفيذ القانون والمحاسبة. إذ تنص المادة 23 من الدستور البحريني على أن "لكل فرد الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو بأي وسيلة أخرى، وفقاً للشروط والإجراءات المحددة قانوناً، دون الإخلال بمبادئ العقيدة الإسلامية والوحدة الوطنية وبما لا يثير التفرقة أو الانقسام بين الطوائف".
إلا أنه تم استخدام هذه المادة لاستهداف وملاحقة الناشطين والشخصيات الدينية، في حين أن الأفراد الذين ينتهكون المادة في الواقع لا يحاسبون.
يستمر التضييق على الشيعة وقمعهم من قبل السلطات البحرينية ككل عام. إلا أن الجديد هذا العام هو استخدام جائحة كورونا كحجة جديدة لزيادة هذا التضييق وهذا القمع، في ظل ازدواجية في المعايير، حيث يتم السماح لجميع التجمعات غير الشيعية، والتي لا يتم احترام الإجراءات الاحترازية في بعضها، بينما يتم قمع التجمعات الخاصة بالشيعة، سواء تلك الملتزمة بالإجراءات الاحترازية، أو غير الملتزمة، خاصة خلال فترة عاشوراء وأربعين الإمام الحسين(ع).
المصدر: الميادين