ولانه اعتقد ان ما يفعله سيضع امريكا في مصاف شرطي العالم بلا منازع ، فانه نشر تغريدته بُعيّد الجريمة ، فارغة من اي نص الاّ صورة العلم الامريكي كرمز للقوة والارادة الاعظم في العالم .
وزاد على سلوكه الشاذ ان وقف امام الاعلام يتبختر ويتباهى انه زعيم الولايات المتحدة الامريكية، هو من أعطى الامر مباشرة لاقتناص الهدف وتنفيذ الغارة الغادرة بهدف القتل العمد والصريح !!
ضارباً عرض الحائط كل اللياقات والقواعد العُرفية والسياسية والبروتوكولية .
نشوة الغرور والاستكبار التي طفحت من الكاوبوي الامريكي وكأنه يُنتج فلما هوليودياً لم تدم طويلاً ..
امريكا رغم جبروتها تشعر اليوم انها وضعت قدماً في الطريق الخطأ !
فتحت ابواب جهنم على نفسها!
ارادت فرض قواعد اشتباك جديدة فوقعت في شِباكٍ لن تخرج منها بلا ثمن .
وليس تقاطر المبعوثين الاقليميين والوسطاء الدوليين والرسائل المباشرة وغير المباشرة ، والاتصالات الهاتفية من عدة اطرافٍ إلاّ دليلاً على بوصلةٍ مغلوطة قادت الادارة الامريكية الى ورطة غير محمودة العواقب.
سياسياً / بَان للعالم كله ( أحراره وعقلائه ، حكوماته وشعوبه ، مدى التجاسر والتمادي الامريكي في انتهاك شُرعة القانون الدولي ، وبالتالي فان امريكا خسرت حتى مع بعض حلفائها مزيداً من سمعتها .
في الداخل الامريكي ، استطاع غُرماء ترامب ومناوئيه من الشعب والسياسيين التندّر به والتحريض عليه والتشهير به والتحذير من مغبة ردود الفعل المحتملة والمشروعة من دول وجماعات محور المقاومة وتحديداً من ايران.
وكل هذا يجري وترامب يدخل عاماً انتخابياً محفوفاً بالمخاطر السياسية له .
في ايران ؛ ضخت دماء القائد الكبير سليماني طاقة جبارة في كيان الثورة والجمهورية ، من خلال حالة إلتفاف غير مسبوقة حول محور النظام والدولة والقائد المرشد ، وبهذا قدّم الاحمق بحماقته جائزة كبرى لعدوه المُنهك بفعل ضغوطاته المتواصلة عليه !!
وسيشهد العالم ملحمة بيعة جديدة لنظام الجمهورية الاسلامية وهي على أعتاب العقد الخامس من عمرها ، من خلال رمزية التشييع المهيب الذي ستشهده ايران في العديد من مدنها - اليوم وغداً - .
في العراق ؛ حوّلت الغارة الامريكية الغادرة الموصوفة بجريمة مطار بغداد ، التهديدات والتحديات التي يواجهها البلد بسبب الحراكات المجتمعية المتواصلة، حوّلتها الى فرصة لاستكشاف حقيقة العدو من الصديق .
وعرّت امام الشارع العراقي المنتفض خطط ومرامي العدو المستتر الذي سعى لركوب الموجة واختطاف امالهم واحلامهم تحت جُنح الظلام .
دماء قائد رسمي وحشدي رفيع كأبي مهدي المهندس فجرت انهار الوعي واليقظة والعز والكرامة في الشارع العراقي الذي نزل امس الى الساحات وكأنه للتوّ أدرك أبعاد اللعبة الخطيرة التي تريد واشنطن جرّها اليه ، فانتفض مطالباً باخراج الغاشم من اراضيه مما سيفرض معادلة سياسية داخلية وعلاقات ثنائية حذرة ومحدودة مع العدو المتأبّط .
علاوة على هذا عززت مراسم تشييع القادة الشهداء في بغداد وكربلاء والنجف اواصر الترابط والتواصل الوطني وكذا مع الجارة الصديقة ايران .
وبالتالي ساهمت -هذه الجريمة-من حيث يرغب الاخرين أم لا ، الى تعزيز مفاعيل الامن القومي والمجتمعي في البلدين .
وما الاخبار عن بعض التموضعات الايجابية في سوح الاعتصام وكذا تقدّم المرجعية العليا في النجف وحضور ممثليها لتكريم هولاء الشهداء إلاّ رسالة طيبة جاءت في الوقت والمكان المطلوب .
أمنياً / خلقت الغارة الغادرة وضعاً معقداً وخطيراً في البعد العسكري والسوقي ..
فإزاء جريمة نكراء كالتي حصدت ارواح قادة استثنائيين في بلدين تشاركا وتعاضدا في محاربة الارهاب الدولي فان ردود الفعل ليست بالامر الافتراضي ، بل ان الدول في مثل هذه الحالة تمتلك الحق في الرد بالشكل والتوقيت والمكان الذي تختار ...
وهذا الامر بحد ذاته سيخلق عبئاً امنياً وسياسياً واعتبارياً لاميركا كانت في غِنى عنه ..
فهي اما ان تكون في حالة تأهب دائمة ستشل معنوياتها وتستنزفها وتُضعف اوراقها التفاوضية والتصالحية ، أم انها ستكون مضطرة الى ابتلاع الطُعم والقبول بالصفعة على قاعدة السن بالسن .
وبالتالي تكون كمن خسر الدنيا والاخرة ..
وإلاً : فالانزلاق الى مواجهة مفتوحة ، لن تخدم احداً وقد لا يقبل بها الاخرون ،الذين سيرون انفسهم مضطرين للوقوف مع الضحية لتأديب المتغطرس .
في المحصلة خطوة ترامب لا تعدو سوى ( غلطة معلم ) ستضرّه وتضرّ مصالح امريكا الستراتيجية .
بل وستفرض معادلة جديدة تصب في صالح قضايا المنطقة ، خاصة اذا ما أيّقنا ان الرد الايراني قادم لا مردّ.
وانه سيكون نوعياً وقاصماً لهيبة واشنطن .
فليهنأ العالم - حينها - بانكسار الجبروت الامريكي والى الابد بأذن الله .
* مقال كتبته العام الماضي بعد يومين من نزوة ترامب المتفرعن وها هو يهوى الى القاع في ذات التوقيت ملوماً ذليلاً مدحورا.
عامر الحسون