واذا كان كثيرون يرصدون ما ينفثه ترامب عبر تغريداته طوال الاسابيع الاخيرة من تحشيد مناصريه والطعن بالعملية الانتخابية، الا ان قليلاً من العوام والسياسيين في العالم كان يتوقع ما جرى فجر اليوم بهذا الشكل الصارخ والمدوّي.
اللافت في هذه التراجيديا الغريبة ان معظم حلفاء وأصدقاء ترامب والولايات المتحدة كانوا لهول الصدمة ،على رأس المنددين أو المستنكرين و المستغربين والقلقين من مشاهد الفوضى والغوغائية التي هزّت سمعة و كيان الديمقراطيات الغربية .
ولم يوفر ترامب مسئولاً سياسياً رفيعاً أو اعلامياً ، من كندا الى استراليا مروراً بكل اوربا وباقي العالم إلاّ ليسجّل استهجانه واستنكاره لما جرى وبأشدّ العبارات .
واذا كان ترامب المغرور ، اول الخاسرين في لعبة الاستعراض والتحشيد هذه ، إلاً إن ما أصاب اميركا في هيبتها وسمعتها وأحرج حلفائها ومناصريها كان مما هو أشد وقعاً وأبلغ أثراً .
فلطالما تبجح الغرب بديمقراطيته وبالانتقال السلس والسلمي للسلطة والمعيارية العالية للانتخابات التي يُجريها والنزاهة التي يتمتع بها والشعوب (الراقية) غير المتوحشة التي تعيش في كنفه ، لكن مسرح الاحداث في واشنطن ليلة وفجر الخميس السابع من يناير ٢٠٢١ كشف العورة عن وجه هذه النُظم المغرورة والمزوّقة والتي لطالما جلدت وعاقبت شعوباً وحكومات تحت شعار الديمقراطية والانتخابات النزيهة وما الى ذلك؟! .
أُهينت امريكا وضاع ماء وجهها امام العالم وتداعيات الانقسام العمودي الحاد فيها وجروح المشهد الدرامي القاسي يوم امس لن ترحمها .
لكن كيف حصل كل هذا وعلى غفلة من التاريخ والزمن ؟
لم تكن هذه الاحداث وليدة الصدفة واللحظة، وترامب الذي هوى الى القاع كان مدعوماً من ما يقارب من ٧٥ مليون ناخب يمثلون نصف اميركا لكنه أسقط كل امريكا معه ..!!
لان الظاهرة الترامبية التي تنامت في ظل الثقافة الامريكية الراهنة وتراكمات الماضي انما هي مَن أفرزت هذا الكائن المتغطرس الذي تقلّد مقاليد الحكم مزلزلاً اركانه منذ اليوم الاول ليُنتج بعد اربع سنوات من السلوك المتهور والغرور الأرعن داخلياً وخارجياً ما شَكّل يوم امس ذروة تجلّياته وبالشكل المُخزي والمَعيب !!
ترامب حاول أن يُغير قواعد اللعبة في العمل والتعاطي السياسي الداخلي فاصطدم مع محازبيه واقرانه وغرمائه بشكل شرس ، كما سعى للتغيير في الادارة والعلاقات الدولية وفرض الهيمنة والأتاوات و في ممارسة الظلم والغطرسة وفي التخلّي عن الإلتزامات الدولية وفي تشريع القوانين وفي تكريس النزعة القطرية العنصرية والانانية الامريكية وفي توتير العلاقات مع كثير من شعوب ودول العالم .
اذن ترامب لم يكن ليحصد ما حصد إلاّ لانه زرع اسباب ما حصد.
وقد جاءت كورونا هذه اللعنة السماوية، لتبدد ما عوّل عليه من مكاسب كانت الأوحد والأهم في مضمار الاقتصاد بالنسبة له وللاميركيين، وهنا حلّ القدر بسقوطه بعد سقوط اخلاقه وسيرته وعنجهيته ولا من راد.
ترامب هوى وهو في عليائه ولم يكن ليتصوّر ذلك خلال السنوات الثلاث الاولى من سلطانه، بل تجرأ ذات يوم وهو في تجمع لمناصريه متكئاً على رصيد نجاحاته الاقتصادية انه سيكون رئيس الولايات المتحدة الى الابد.
ومن هذا المنطلق الاستعلائي كان يخاطب اعدائه وقد زادوا على عهده، كما خاطب اصدقائه الدوليين الذين ازدراهم مراراً وفي مقدمهم اوربا وكندا وجيرانه الجنوبيين !!!
ولم يكن الحال يفرق بالنسبة اليه مع اعوانه ومساعديه من رجالات الحكم، فلطالما أقال او إستقال افراد، وقد تكرر الامر عدة مرات في نفس المواقع كوزارة الخارجية والدفاع ومستشاره للامن القومي وكبار موظفي البيت الابيض والعدلية والصحة والخزانة وكثير من المناصب الفدرالية التي تدحرجت تحت اقدامه من تيلرسون مروراً ببولتون وانتهاءا بمعاونه بنس الذي هاله ما جرى ورأى من سلوك رئيسه يوم امس فانتقم منه باللحظة الحاسمة وبالضربة القاضية عندما مرر تصويب الكونغرس باكثرية ٣٠٦ أصوات لصالح بايدن مقابل ٢٣٢ لصاحبه ترامب الذي ودّع رئاسة الولايات المتحدة ال ٤٥ بجنازة ٤ من انصاره والعشرات من الجرحى والمعتقلين ....
وفي ذات اليوم الذي تسبب فيه قبل عام بالتمام والكمال بكسر هيبة امريكا ومرغل أنفها بالتراب!؟ عندما تعرضت قاعدتها الاولى في غرب اسيا (عين الأسد) لضربة صاروخية ايرانية هي الأوحد منذ الحرب العالمية الثانية دون رد ، إثر حادث الغدر في مطار بغداد.
طاح ترامب غير مأسوف عليه ولا أظن إن حجم الشامتين به بلغ مديات قياسية مع نظرائه السابقين بمثل ما بلغه هو !!
كما طاحت معه كل معالم ومفاعيل الشعبوية والانانية والعلوّ والتفرعن والغرور والظلم والإستبداد والعدوان والاهانة والاستحلاب والانفراد والمزاجية التي إتصف بها وحده لا شريك له ..
اللهم اني في زمرة الشامتين ..
عامر الحسون
٧ / ١ / ٢٠٢١