التقييم والنقد المنصف:ومَا أَشَدَّ بَيَاضَ أَسْنَانِهِ !

الإثنين 14 ديسمبر 2020 - 16:57 بتوقيت غرينتش
التقييم والنقد المنصف:ومَا أَشَدَّ بَيَاضَ أَسْنَانِهِ !

مقالات-الكوثر: كلنا نمارس النقد في حياتنا اليومية؛ النقد للأشخاص والظواهر والاشياء. ولكننا في الغالب نمارس الانتقاد او الانتقام (حيناً) وليس النقد .

فالنقد لغةً: هو تمييز الدراهم وغيرها والكشف عن صحيحها وزائفها.

والنقد اصطلاحاً: دراسة الاشخاص والأعمال والاشياء والكشف عما فيها من جوانب [القوة أو الضعف] وتشخيص [الجمال أو القبح] ثم إصدار الأحكام النقدية عليها.

ولنأخذ مثلاً في حياتنا المعاصرة: "شرب الخمر" وهو من أقبح الافعال وأشدها حرمةً وهو حرام بإجماع المسلمين ولا نقاش في ذلك.

لكن لفت نظري في الآية الكريمة التي تحرّم شرب الخمر أن الله عز و جل حتى و هو يريد تحريم الخمر و الميسر يتطرق الى "نفع" فيهما ويستدرك قائلا:
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ"مَنَافِعُ" لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} [البقرة/الآية 219]
  وهذا يجسد لنا طريقة النقد البناء و المنصف.
فربنا و رغم أنه ينهانا عن شرب الخمر النجس وينبهنا الى حرمته، لكنه في مورد النقد والتقييم المنصف يقول (قل فيهما إثم كبير و "منافع" ).
ولم يقل (ليس في الخمر الا الإثم الكبير و الضرر البالغ و النجاسة و المعصية و الإنحراف).

ولو عكسنا ذلك على واقعنا المعاش، فعندما نريد أن ننقد شخصا ما أو ظاهرة ما ( كالتنظيم الإسلامي أو أحد رموزه و شخوصه) فعلينا  أن نكون منصفين و لا نسوّد الصورة ونمارس التسقيط و الإنكار لأي جوانب إيجابية أو فوائد عملية، حالية و مستقبلية، في التنظيم الإسلامي [أوصيكما بتقوى الله و نظم أمركم] كما يقول الإمام علي عليه السلام الذي يقول كذلك [ عَجَباًـ وَاللهِ ـ يُمِيتُ القَلْبَ وَيَجْلِبُ الهَمَّ مِن اجْتَِماعِ هؤُلاَءِ القَوْمِ عَلَى بَاطِلِهمْ، ‏وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ!!].

عندما يكون العقلاء والواعون بصدد تقييم قضية معينة او زعيم ما فإنهم يطرحون الإيجابيات و السلبيات.

قال تعالى في ثلاث سور:
{وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [الاعراف/85] و[الشعراء/183] و [هود/85]
  

ثم ينهى الله أن يكون للحب والبغض مدخلية في النقد و التقييم و العدل:
{وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ عَلىٰ أَلّا تَعدِلُوا ۚ اعدِلوا هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوىٰ} [المائدة/الآية 8]

 درس عملي آخر في النقد والتقييم المنصف:
(النبي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ مَعَهُ اثْنَا عَشَرَ مِنَ الْحواريين، و كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ سَائِرًا مَعَهم فَأَتَوْا عَلَى جِيفَةِ كَلْبٍ أَنْتَنَتْ فَهَؤُلاءِ الَّذِينَ مَعَهُ أَخَذُوا بِآنَافِهِمْ حَتَّى اجْتَازُوا الْكَلْبَ، أَمَّا سَيِّدُنَا عِيسَى فلَمْ يَفْعَلْ.
فَقَالُوا بَعْدَ أَنْ تَجَاوَزُوا هَذِهِ الْجِيفَةَ: مَا أَشَدَّ نُتْنَ هَذَا الْكَلْبِ.
فَقَالَ عِيسَى ع: ومَا أَشَدَّ بَيَاضَ أَسْنَانِهِ.
فَقَالُوا لَهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَيْفَ تَقُولُ هَذَا؟!!
فَقَالَ: أُرِيدُ أَنْ لا أُعَوِّدَ لِسَانِي الذَّمَّ!)
فلنكن إيجابيين في تقييمنا، و لنعطي طاقة إيجابية في أقوالنا وكتاباتنا.

بقلم: د. رعد هادي جبارة

كاتب اسلامي ومحلل سياسي