أطلقت السعودية موقعا الكترونيا مخصصا لـ«قمة العشرين» التي ستعقد اليوم في الرياض، وهي تجمع للدول التي تمثل أكبر اقتصادات العالم، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، تتصدره صورة تذكارية سابقة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يتوسط فيها كبار قادة العالم الذين حضروا قمة سيول السابقة، مع ابتسامة عريضة على وجهه، تقول، في جملة ما تريد قوله، أن وليّ العهد قادر على جمع العالم من حوله، ولو في قمة افتراضية بسبب انتشار كورونا، وأن قبول هؤلاء هذا الاجتماع تعني مباركة لزعامته للمملكة، رغم كل الكوارث السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تسبب بها خلال فترة حكمه القصيرة.
من حسن حظ القادة أولئك طبعا، أن إعادة تأهيل وليّ العهد، والتي سيقوم إعلامه وذبابه الالكتروني على ترجمتها باعتبارها «مبايعة» له، لن تكون كالمبايعة التي حصلت في السعودية نفسها، والتي كان من تفاصيلها احتجاز مئات الأمراء ورجال الأعمال الكبار وابتزاز قرابة 100 مليار منهم، ورغم اجترائه على احتجاز بعض المسؤولين الكبار غير السعوديين (كما فعل مع رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري، ورئيس مجلس إدارة البنك العربي، الأردني، صبيح المصري، والملياردير الأثيوبي محمد العمودي) فإن أحلام بن سلمان بالزعامة العالمية، لا تصل إلى حد استخدام زعماء العالم رهائن، لكنّها ستستخدمهم، بالتأكيد، للترويج لزعامته العالميّة المفترضة، ولدغدغة أوهام العظمة.
وسواء أطلقت السعودية بعض الناشطين والناشطات المحتجزين، أو لم تفعل، فمن المؤكد أن الطاقم الذي يدير المملكة حول بن سلمان، سينتهز فرصة «قمة العشرين» للاستمرار في النهج السياسي والأمنيّ البائس نفسه، الذي لا تحدّه جغرافيا أو قوانين عالمية، والذي بدأه وليّ العهد منذ تعيينه وزيرا للدفاع وبدئه الحرب المدمرة في اليمن، وتابعه في مسلسل انتهاكات حقوق الإنسان، وصولا إلى جريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، ومحاولة اغتيال ضابط الأمن السابق سعد الجبري، والتجسس على السعوديين عبر التطبيقات الإسرائيلية، أو باختراق وسائل التواصل الاجتماعي، مثل «تويتر» عبر شراء ذمم موظفين فيها.
من المثير للتفكّر، خلال عقد هذه الفعالية، تناظرها مع خسارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (الذي يظهر في الصورة على يمين بن سلمان) للانتخابات، وهو الرئيس الذي دشّن أول زيارة خارجية له بالوصول إلى الرياض عام 2017، والذي رقص حينها رقصة السيف مع الملك سلمان بن عبد العزيز، وأعلن بعدها عن توقيع السعودية صفقات أسلحة بمئات المليارات، ثم كلّف صهره ومستشاره جاريد كوشنر، بالإشراف المباشر على رعاية ولي العهد السعودي، وقد كتبت وسائل إعلام عديدة أنه كان على علم بأغلب الخطوات القمعية التي اتخذها بن سلمان، وقد أقرّ ترامب بنفسه، بعد اغتيال وتقطيع خاشقجي، أنه أنقذ بن سلمان وحماه من تداعيات أفعاله.
من المتوقع أن تتخوف إدارة بن سلمان من إدارة الرئيس الأمريكي الجديد الفائز جو بايدن، وستستخدم طبعا ورقة «مكافحة الإرهاب» العزيزة على الدول الغربية عموما، وهو ما عبرت عنه رسالة ريما بنت بندر إلى إدارة بايدن والتي اعتبرت السعودية «أعظم حليف لأمريكا في مكافحة التطرف والإرهاب» ورغم أنه من غير المتوقع هبوب عاصفة أمريكية على النهج السياسي لولي العهد، لكنّ الأكيد أن إسقاط الغطاء الترامبي عن بن سلمان، والحملات العالمية المستمرة المناهضة لانتهاكات حقوق الانسان في السعودية، ستجعل ديوان ولي العهد أكثر حذرا في مغامراته خارج المملكة، وأن صورة وليّ العهد وحوله زعماء العالم لن تكون كافية لتغطية الجرائم الرهيبة التي حصلت في عهده.
القدس العربي