وخلال السنوات العشر التي قضيتُها في الدوحة اثناء قيامي بمهمتي الدبلوماسية كانت علاقة قطر بتركيا قد شهدت تنامياً، تَجسدَ في نشاط الشركات التركية الحثيث في مشاريع البنية التحتية والإعمار والصحة ونقل التكنولوجيا، والتعاون في مجال النقل الجوي بحيث إن الخطوط الجوية القطرية والتركية ضاعفت رحلاتها الى مطارَي اسطنبول والدوحة عدة أضعاف، وغدا كلٌّ من المطارَين محطة ترانزيت مهمة وحيوية لهبوط طائرات اسطول النقل الجوي الحديثة التركية والقطرية .
كما ان قطر اعتمدت في إنجاز المئات من مشاريع الطرق والجسور والمجمّعات ومحطات الطاقة والمستشفيات والملاعب الرياضية والموانئ وأنابيب المياه والري على الشركات التركية العملاقة.
وكنا نرى -- أثناء الذهاب والإياب من السفارة وإليها -- تنامياً في عدد مشاريع الشركات التركية، فضلا عن متابعة أخبارها في الصحف الاربع (الراية، الشرق، الوطن، والعرب) وازدياد التعاون السياحي والثقافي والفني بين الجانبين التركي والقطري، حتى أن تركيا كانت ضيف الشرف في معرض الدوحة السنوي الدولي للكتاب، وصاحبة أكبر جناح لعرض وبيع الكتب التركية باللغة الانجليزية والعربية والمصاحف النفيسة، فضلاً عن تمتّعها بحصة الاسد في معارض الدوحة التجاري وتُعرض مسلسلاتها التلفزيونية المدبلجة باللغة العربية حاليا من تلفزيون قطر كل ليلة.
ولم تشعر الحكومة القطرية آنذاك بحاجة ماسّة الى التعاون العسكري مع أنقرة. لكن الحصار الجائر الذي فرضته الشقيقات العربية الاربع على الشعب القطري الشقيق، وتفاقم الخطوات العدائية من جانب مصر والسعودية والبحرين والامارات جعل الدوحة تمد يدها اليمنى لإيران واليسرى لتركيا ، واستفادت من طهران في الجانب الاقتصادي والسياسي والمجال الجوي والنقل البري والبحري وبعض المنتجات الزراعية، فيما استدعت قوات عسكرية تركية خاصة، للتمركز في قاعدة عسكرية كبرى قرب الدوحة، تأهّباً وتحسّباً لصد أي محاولة لاجتياحها من قبل القوات السعودية والمتحالفة معها من ناحية الغرب (أبو سمرة-- سلوى) .
كما ازدادت وتائر التعاون العسكري والتسليح بين انقرة والدوحة بالاضافة الى مشاريع البنية التحتية استعدادا لاستضافة المسابقات الأولمبية لعام 2022 التي خصصت لها قطر أموالاً طائلة سال لها لعاب اردوغان فجاء إليها يسعى.
وما فتئ المراقبون السياسيون يتابعون - عن كثب - التعاون والتنسيق التركي القطري في ما يخص تطورات الاوضاع في عدة دول عربية منها ليبيا وسوريا وغزة ومصر و شمال العراق.
ومؤخرا تقدمت الدوحة بطلب الى البيت الأبيض لشراء طائرات مقاتلة هجومية متطورة من طراز اف 35 أسوةً بالقوات الجوية لدول الجوار من أجل تحديث قوتها الجوية المزودة بطائرات فرنسية و بريطانية قديمة الصنع.
إن الحصار الجائر على الشعب القطري دخل يومه ال 1122 وجعل الدوحة تفكر في تحقيق الإكتفاء الذاتي، وتعتمد بشكل كبير على دعم ايران وتركيا وبعض الدول الأخرى في تجاوز تداعيات الحصار، وازداد اعتمادها على اردوغان في تأمين احتياجاتها في المجالين الدفاعي والاقتصادي ، مما أثار حفيظة [الاخوة الاعداء!] الاربعة الذين لم يرُق لهم إحباط جهودهم المعادية وإفشال حصارهم للشعب القطري وعدم رضوخ الدوحة لشروطهم من أجل إلغاء الحصار، وتنامي الروابط الأخوية مع طهران وأنقرة، وتخلت الدوحة عن شقيقاتها الاربع بفضل تمتعها بالدعم التركي والايراني.
وهنا نستحضر قول ابي الطيب المتنبي :
بِذا قضتِ الأيامُ ما بين أهلِها مصائبُ قومٍ عند قومٍ فوائدُ.
بقلم:
رعد هادي جبارة
باحث سياسي