أولا: ترامب أكد بالصوت والصورة أنه أسقط طائرة مسيرة إيرانية ردا على إسقاط طائرته “غلوبال هوك” فوق مضيق هرمز يوم 20 حزيران (يونيو) الماضي، ووعد ببث شريط مصور يؤكد ادعاءاته، وحتى هذه اللحظة، وبعد أربعة اشهر لم نر الشريط.
ثانيا: أكد أنه ألغى غارات جوية انتقامية ضد إيران قبل عشر دقائق من وصول الطائرات إلى أهدافها في العمق الإيراني، ولم يقدم أي دليل على مزاعمه.
ثالثا: تعهد بالانتقام ضد أي هجوم تشنه إيران يستهدف مصالح أمريكا وحلفائها في الشرق الأوسط والعالم، وعندما جرى قصف منشآت أرامكو في بقيق وخريص في السعودية بلع لسانه وقال إنه يبيع أسلحة للسعودية وليس لاستخدامها لحمايتها.
رابعا: رصد الصحافيون الأمريكان ثمان أكاذيب هي الأشهر له، من بينها قوله إن الإيرانيين حصلوا على 150 مليار دولار من أمريكا بعد الاتفاق النووي، و180 مليار دولار قيمة العجز التجاري مع الاتحاد الأوروبي، وأن الصين تأخذ 50 مليار دولار من أمريكا سنويا، وإيرلندا جزء من بريطانيا، وبوتين أخذ جزيرة القرم من أوباما، وأنه أنفق 5 مليارات دولار ليصبح رئيسا في أمريكا، بينما قدرت ثروته بأقل من 4 مليارات.
خامسا: ترامب أكد أنه قتل أبو بكر البغدادي، وقبله حمزة بن لادن، وحتى هذه اللحظة لم نر جثتي الرجلين أو جثث زوجة البغدادي وأطفاله الذين كانوا معه، وادعى دفنهم في البحر، ولن نراها في المستقبل القريب.
***
حتى لو افترضنا أن الصواريخ الإيرانية لم تقتل أي أمريكي في القاعدة المذكورة، فإن ترامب لم ينكر مطلقا أنها أصابت هذه القاعدة ودمرت بعض منشآتها، وهذا يؤكد أن القيادة الإيرانية قادرة على اتخاذ القرار بإطلاق الصواريخ على أكبر القواعد الأمريكية في العراق دون تردد، وأن هذه الصواريخ دقيقةٌ جدا في إصابة أهدافها.
ترامب لا يريد استخدام قدرات بلاده الضخمة وجيشها الكبير في الرد على هذه الضربة الإيرانية، لأنه بات يدرك أن الرد يعني الرد المضاد، وعدم قتل أمريكان في المرة الأولى، إذا صح، ربما لا يعني الحال في الضربة الثانية.
تهديده بفرض عقوبات إضافية على إيران بعد هذا القصف مضحك ويؤكد ضحالته، فماذا تبقى من عقوبات لم يفرضها، وهو الذي كانت آخر عقوباته على السيد محمد جواد ظريف وملياراته في المصارف الأمريكية، ربما يريد في العقوبات القادمة منع ابتسامته الشهيرة.
إنها حرب استنزاف طويلة الأمد ومفتوحة على كل الاحتمالات، وتحتاج إلى إدارة تتسم بالثقة والنفس الطويل والدهاء، والإيرانيون، اختلف معهم البعض أو اتفق، هم الفائزون حتى الآن، إذا وضعنا في الاعتبار أنهم إحدى دول العالم الثالث.
المرحلة الثانية القادمة ستكون زعزعة أمن واستقرار القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط، ومنطقة الخليج (الفارسي) تحديدا، تمهيدا لطردها، الأمر الذي ستتولاه "الأذرع الضاربة العسكرية الحليفة" مثل الحشد الشعبي في العراق، وأنصار الله في اليمن، وحزب الله في لبنان، وحركتا حماس والجهاد الإسلامي في غزة، ولا نستبعد اكتمال عملية توزيع الأدوار، وأن خطوة التنفيذ تنتظر الضوء الأخضر، هذا إن لم يكن قد صدر فعلا، فالحشد الشعبي سينتقم حتما لاغتيال زعيمه أبو مهدي المهندس.
***
القيادة الإيرانية التي تتلاعب بأعصاب ترامب ستفتح مخازن صواريخها الدقيقة لهذه "الأذرع" في الأيام والأسابيع المقبلة للحصول على أنواع أكثر دقة وتقدما تفاجئ بها خصومها، والرسالة الإيرانية تقول نحن بدأنا وعليكم إكمال المسيرة، أما الرسالة الأخرى فهي لروسيا والصين وتقول نحن حليف جاد يمكن الاعتماد عليه.
ترامب لن يعرف الراحة في هذه السنة الانتخابية، وحلفاؤه في المنطقة والخليج (الفارسي) لن يعرفون النوم، العميق منه أو المتقلب، وستظهر الحقائق حول الخسائر الأمريكية من جراء القصف الصاروخي الإيراني في المستقبل القريب، وإذا لم تظهر سنرى غيرها، وما حدث في قاعدة “ki” التي قصفها “حزب الله” العراق قرب كركوك وأدت إلى مقتل متعاقد أمريكي وإصابة آخرين ربما هي أحد الأمثلة.. والأيام بيننا.
* عبد الباري عطوان .. راي اليوم