أما الثانية، فأطلقتها إيران عندما حددت 35 هدفا حيويا أمريكيا للقصف والتدمير في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تل أبيب.
البداية سياسية تمهيدية للرد العسكري الذي بات وشيكا، بعد أن رفضت إيران كل الوسطاء الخليجيين (من دول مجلس التعاون في الخليج الفارسي)، وأعادت معهم الرسائل الأمريكية التي أحضروها مغلقة بالشمع الأحمر كما هي، مؤكدة أن لا مكان للدبلوماسية بعد هذا الإجرام الأمريكي.
موقفان حازمان ومشرفان التقيا على أرضية الرد العسكري، وتلقين الأمريكيين درسا لا يمكن نسيانه:
الأول: صدر عن السيد مقتدى الصدر زعيم كتلة “سائرون” في البرلمان، وأكد فيه أن طرد القوات الأمريكية من العراق يعتبر ردا هزيلا لا يرتقي لمستوى الانتهاك الأمريكي للسيادة العراقية، ولا بد من أن يتم هذا الطرد بطريقة “مذلة”، ودعا الفصائل المسلحة للاتحاد وتشكيل أفواج المقاومة المسلحة لتوجيه ضربات لأمريكا في الخارج وليس في الداخل العراقي فقط، وإغلاق السفارة الأمريكية وتجريم أي اتصال بواشنطن.
الثاني: جاء على لسان السيد حسن نصرالله أمين عام “حزب الله” في خطاب تأبين الشهيد قاسم سليماني اليوم، وتوعد فيه بتدفيع الأمريكيين ثمنا غاليا، وإعادة جنودهم وضباطهم إلى بلادهم في نعوش وأكياس بلاستيكية سوداء، مؤكدا في الوقت نفسه، وهذه نقطة على درجة كبيرة من الأهمية، أن الرد على اغتيال الحاج سليماني ليس مسؤولية إيران بل مسؤولية حلفائها أيضا.
***
هذه التهديدات والقرارات التشريعية البرلمانية التي صاحبتها تنبئ بحرب ضروس ضد الولايات المتحدة وقواتها وربما حلفائها أيضا، وتلغي استثمارا أمريكيا في العراق تصل قيمته إلى أكثر من 6 تريليونات دولار، وتعيده إلى الصورة التي كان عليها قبل الغزو والاحتلال مع تغيير في الوجوه فقط.
السيد نصر الله حدد الأهداف الأمريكية التي ستكون موضع استهداف في المنطقة، عندما قال يجب ضرب البوارج الحربية، والقواعد العسكرية، والجنود والضباط الأمريكيين، جميعهم، ورئيسهم ترامب خاصة يجب أن يدفعوا الثمن غاليا، بما في ذلك خسارة الانتخابات الرئاسية المقبلة، ومنطقة الشرق الأوسط أيضا.
المرحلة المقبلة التي أوشكت، وبالنظر إلى التهديدات الواضحة والقوية التي صدرت عن السيدين نصرالله والصدر، ستتمثل في تشكيل كتائب قتالية لضرب أهداف أمريكية في الداخل والخارج، في الداخل يعني القواعد والقوات الأمريكية في العراق وسوريا ومنطقة الخليج (الفارسي)، وفي الخارج ربما السفارات والقواعد العسكرية في أي دولة في العالم بما في ذلك دولة الاحتلال الإسرائيلي التي حددتها القيادة الإيرانية بالاسم، وهذه هي الخلاصة التي توصل إليها أيضا مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، عندما قال “نرى احتمالات حقيقية لاستهداف إيران جنودا أمريكيين” في حديث تلفزيوني لمحطة أمريكية.
عندما يقول السيد نصر الله “إن الرد على اغتيال سليماني ليس مسؤولية إيران وحدها، بل مسؤولية حلفائها في المنطقة أيضا”، فهذا يعني أن الحرب المحتملة ضد أمريكا والكيان الصهيوني وحلفائها العرب، ستكون على أكثر من جبهة ومن قبل أكثر من فصيل، أي الحرس الثورة الاسلامية في إيران، و”حزب الله” في لبنان، و”أنصار الله” في اليمن، و”الحشد الشعبي” في العراق، و”الجهاد الإسلامي” و”حماس” في غزة إلى جانب “خلايا نائمة” في مختلف العواصم العالمية سيتم إيقاظها وتفعيلها.
انضمام السيد مقتدى الصدر إلى “الحشد الشعبي”، واتخاذه هذا الموقف الوطني، الأخلاقي، المتشدد، ومطالبته بإذلال القوات الأمريكية وليس فقط طردها، أي قتل أكبر عدد منها يعكس تحولا خطيرا جدا، لا يقتصر فقط على توحيد معظم الكتل العراقية خلف هذا الهدف، وإنما تحويل العراق أيضا إلى عضو أصيل في محور المقاومة، وقاعدة انطلاق له ضد أمريكا وحلفائها، إنه انقلاب في كل موازين القوى ومعادلاتها في العراق والمنطقة بأسرها، ومصالحة تاريخية بين أفرقاء عراقيين مهمين على أرضية المقاومة.
***
يمكن القول إن صراع النفوذ بين أمريكا وإيران على أرض العراق جرى حسمه لصالح الأخيرة بدءا بتصويت البرلمان العراقي، والتحول الكبير في موقف السيد الصدر، وفي الجولة الأولى على الأقل، وأي رد أمريكي أحمق، عسكري أو سياسي، سيؤدي إلى إشعال حرب قد تحرق أصابع امريكا وحلفائها، ولا يستطيع أحد أن يتنبأ بعمرها الزمني أو نهاياتها.
اغتيال سليماني لم يجعل منطقة الشرق الأوسط والمصالح الأمريكية فيها أكثر أمانا، مثلما قال مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي، وإنما أكثر خطورة، وأشعل فتيل حرب قد تكون الأخيرة في المنطقة، وستكون أمريكا وحلفاؤها وقودها، فإما حياة بكرامة أو موت بشرف، أما الإذلال الأمريكي فلن يستمر ولا يجب أن يستمر، وهذا لسان حال كل الشرفاء في المنطقة، وساعة الصفر أوشكت.. والأيام بيننا.
* عبد الباري عطوان .. راي اليوم