ما هي سكرة الموت ؟

الثلاثاء 24 ديسمبر 2019 - 11:36 بتوقيت غرينتش
ما هي سكرة الموت ؟

اسلاميات_الكوثر: سكرة الموت تعبير قرآني جاء في قوله الله عَزَّ و جَلَّ: ﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَٰلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾.

سكرة الموت

 آيات قرآنية:

1 ـ ﴿وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾([1]).
سكرة الموت هي الغشية والشدة التي تصيب المحتضر عند الموت، فيصير بمنزلة السكران.

2 ـ ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ﴾([2]).
كل نفس مؤمنة أو كافرة، وبأي أرض كانت، لا بد أن ينزل بها الموت وأن تعاين مفارقة البدن...

3 ـ ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ﴾([3]).
أي إذا بلغت الروح الحلقوم عند نزول الموت.

4 ـ ﴿كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾([4]).
وصفٌ لحال المحتضر وما يصيبه من شدة النزع عند نزول الموت به، وعن الباقر «عليه السلام» في قوله تعالى: ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾: إلتفت الدنيا بالآخرة([5]).

5 ـ ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ﴾([6]).
فيها إشارة إلى سكرات الموت، وما يعانيه الظالمون من شدائد ومكاره عند الإحتضار.

6 ـ ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾([7]).
الملائكة تقبض أرواح الكافرين عند الموت، وتصيبهم بالعذاب من كل جانب.
 
روايات معتـبرة ســـنداً:    

1 ـ روى الشيخ الكليني عن مُحَمَّد بْن يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سِنَانٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ، عَنْ أَبِيه، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ «عليه السلام» قَالَ:
إِنَّ الله عَزَّ وجَلَّ إِذَا كَانَ مِنْ أَمْرِه أَنْ يُكْرِمَ عَبْداً ولَه ذَنْبٌ ابْتَلَاه بِالسُّقْمِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَه ابْتَلَاه بِالْحَاجَةِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بِه ذَلِكَ شَدَّدَ عَلَيْه الْمَوْتَ لِيُكَافِيَه بِذَلِكَ الذَّنْبِ.
قَالَ: وإِذَا كَانَ مِنْ أَمْرِه أَنْ يُهِينَ عَبْداً ولَه عِنْدَه حَسَنَةٌ، صَحَّحَ بَدَنَه، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بِه ذَلِكَ، وَسَّعَ عَلَيْه فِي رِزْقِه، فَإِنْ هُوَ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِه، هَوَّنَ عَلَيْه الْمَوْتَ لِيُكَافِيَه بِتِلْكَ الْحَسَنَةِ([8]).

2 ـ روى الشيخ الكليني عن مُحَمَّد بْن يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ:
قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ «عليه السلام»: قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَ:‏ ﴿فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ﴾‏ إِلَى قَوْلِهِ‏ ﴿إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾.
فَقَالَ: إِنَّهَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ، ثُمَّ أُرِيَ مَنْزِلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: رُدُّونِي إِلَى الدُّنْيَا حَتَّى أُخْبِرَ أَهْلِي بِمَا أَرَى.
فَيُقَالُ لَهُ: لَيْسَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ([9]).

3 ـ روى الشيخ الصدوق عن أبيه عن سَعْد بْن عَبْدِ اللهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ عَنْ أَخِيهِ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَابُور، قال:
سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ «عليه السلام» يَقُولُ:‏ الْمَيِّتُ تَدْمَعُ عَيْنُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَقَالَ: ذَلِكَ عِنْدَ مُعَايَنَةِ رَسُولِ اللهِ «صلى الله عليه وآله»، يَرَى مَا يَسُرُّهُ.
قَالَ: ثُمَّ قَالَ: تَرَى الرَّجُلَ يَرَى مَا يَسُرُّهُ فَتَدْمَعُ عَيْنُهُ وَيَضْحَكُ([10]).

4 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ «عليه السلام» قَالَ:
﴿إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ‏ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ‏﴾ إِلَى قَوْلِهِ‏ ﴿تَعْمَلُونَ‏﴾، قَالَ: تَعُدُّ السِّنِينَ، ثُمَّ تَعُدُّ الشُّهُورَ، ثُمَّ تَعُدُّ الْأَيَّامَ، ثُمَّ تَعُدُّ السَّاعَاتِ، ثُمَّ تَعُدُّ النَّفَسَ‏ ﴿فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾‏([11]).

5 ـ روى الشيخ الكليني عن أبي عَلِيٍّ الأَشْعَرِيّ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ جَارُودِ بْنِ الْمُنْذِرِ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله «عليه السلام» يَقُولُ: إِذَا بَلَغَتْ نَفْسُ أَحَدِكُمْ هَذِه، وأَوْمَأَ بِيَدِه إِلَى حَلْقِه، قَرَّتْ عَيْنُه([12]).

6 ـ روى الشيخ الصدوق عن أبيه، عن سَعْد بْن عَبْدِ اللهِ، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي، عن عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عن جميل بن صالح، عن مُحَمَّدٍ بن مسلم، عن أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدٍ بن علي الباقر «عليه السلام»: أنه سُئِلَ عن قولِ الله عزّ وجلّ: ﴿وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ﴾.
قال: ذاكَ قولُ ابنِ آدمَ إذا حَضَرَهُ الموتُ، قَال: هَل مِن طَبيب؟ هل من دَافِع؟
قال: ﴿وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ﴾. يَعْني فراقَ الأَهْلِ وَالأَحبّةِ عندَ ذلك.
قال: ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾، قال: إلتفّتِ الدُنيا بالآخرة.
قال: ﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾ إلى ربِّ العَالمَينَ يومَئذٍ المصيرُ([13]).

7. روى الشيخ الكليني عن عَلِيّ عَنْ أَبِيه عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ «عليه السلام»:
قَالَ: إِذَا أَدْرَكْتَ الرَّجُلَ عِنْدَ النَّزْعِ فَلَقِّنْه كَلِمَاتِ الْفَرَجِ "لَا إِلَه إِلَّا اللَّه الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ سُبْحَانَ اللَّه رَبِّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ ورَبِّ الأَرَضِينَ السَّبْعِ ومَا فِيهِنَّ ومَا بَيْنَهُنَّ ومَا تَحْتَهُنَّ ورَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ والْحَمْدُ لِلَّه رَبِّ الْعَالَمِينَ"([14]).

درجات شدة سكرات الموت

سكرة الموت هي من أصعب الحالات التي يمرُّ بها الانسان في نهاية حياته الدنيوية عند الاحتضار و لدى خروج الروح من بدنه، و هذه الحالة ليست بمستوى واحد لدى جميع المحتضرين، بل تختلف نسبتها بين الخفيفة جداً و بين القوية جداً، و هناك من لا يرى سكرة الموت و شدتها بل تكون لحظة احتضاره بداية راحته و خلاصه من متاعب الدنيا، فيجد نفسه في روح و ريحان، فقد رُوِيَ عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام، عَنْ أَبِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليه السلام أنَّهُ قَالَ: قِيلَ لِلصَّادِقِ عليه السلام: صِفْ‏ لَنَا الْمَوْتَ‏؟
قَالَ: "لِلْمُؤْمِنِ كَأَطْيَبِ رِيحٍ يَشَمُّهُ فَيَنْعُسُ‏  لِطِيبِهِ وَ يَنْقَطِعُ التَّعَبُ وَ الْأَلَمُ كُلُّهُ عَنْهُ، وَ لِلْكَافِرِ كَلَسْعِ‏  الْأَفَاعِيِّ وَ لَدْغِ الْعَقَارِبِ وَ أَشَدَّ".
قِيلَ: فَإِنَّ قَوْماً يَقُولُونَ إِنَّهُ أَشَدُّ مِنْ نَشْرٍ بِالْمَنَاشِيرِ، وَ قَرْضٍ بِالْمَقَارِيضِ، وَ رَضْخٍ‏  بِالْأَحْجَارِ، وَ تَدْوِيرِ قُطْبِ الْأَرْحِيَةِ عَلَى الْأَحْدَاقِ؟
قَالَ: "كَذَلِكَ هُوَ عَلَى بَعْضِ الْكَافِرِينَ وَ الْفَاجِرِينَ، أَ لَا تَرَوْنَ مِنْهُمْ مَنْ يُعَايِنُ تِلْكَ الشَّدَائِدَ، فَذَلِكُمُ الَّذِي هُوَ أَشَدُّ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ عَذَابُ الْآخِرَةِ، فَإِنَّهُ أَشَدُّ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا".
قِيلَ: فَمَا بَالُنَا نَرَى كَافِراً يَسْهُلُ عَلَيْهِ النَّزْعُ فَيَنْطَفِي وَ هُوَ يُحَدِّثُ وَ يَضْحَكُ وَ يَتَكَلَّمُ، وَ فِي الْمُؤْمِنِينَ‏  أَيْضاً مَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ، وَ فِي الْمُؤْمِنِينَ وَ الْكَافِرِينَ مَنْ يُقَاسِي عِنْدَ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ هَذِهِ الشَّدَائِدَ؟
فَقَالَ: "مَا كَانَ مِنْ رَاحَةٍ لِلْمُؤْمِنِ هُنَاكَ فَهُوَ تَعْجِيلُ ثَوَابٍ، وَ مَا كَانَ مِنْ شَدِيدٍ فَتَمْحِيصُهُ‏ مِنْ ذُنُوبِهِ لِيَرِدَ الْآخِرَةَ نَقِيّاً نَظِيفاً مُسْتَحِقّاً لِلثَّوَابِ الْأَبَدِ لَا مَانِعَ لَهُ دُونَهُ‏،  وَ مَا كَانَ مِنْ سُهُولَةٍ هُنَاكَ عَلَى الْكَافِرِ فَلِيُوَفَّى أَجْرَ حَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا لِيَرِدَ الْآخِرَةَ وَ لَيْسَ لَهُ إِلَّا مَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْعَذَابَ، وَ مَا كَانَ مِنْ شِدَّةٍ عَلَى الْكَافِرِ هُنَاكَ فَهُوَ ابْتِدَاءُ عَذَابِ اللَّهِ لَهُ، ذَلِكُمْ بِأَنَّ اللَّهَ عَدْلٌ لَا يَجُورُ"
 
هذه عقيدتنا في سـكرة المـوت:      

إنّ الموت حـقّ، وكل ّ شيء هالك، ولا يبقى إلاّ وجهه تعالى.

وعند الإحتضار وقبض الروح، تصيب الإنسان سكرة الموت.

 وهي غشية، تغلب عليه بالإضطراب والذّهول والرّعب، وتفتر أطرافه، ويتغير لونه، ويفقد النطق، والبصر والسمع، قتنقطع صلة الإنسان بالدنيا، وتبدأ حياة البرزخ..

وحيئذٍ ينكشف للنّاس الحقّ عمّا كانوا يعتقدون، ويعاينون الآخرة، فتسيطر على أهل الضلال والمعاصي، الحسرة على ما فاتهم وعجزهم عن التدراك.

ويعترف منكرو البعث أنه حقٌ لا ريب فيه.

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "فاجتمعت عليهم سكرة الموت، وحسرة الفوت، ففترت لها أطرافهم، وتغيرت لها ألوانهم، ثمّ ازداد الموت فيهم وُلوجاً"([15]).

وتسهَّل السكرات وتهون على المؤمنين وأهل الطاعة والعمل الصالح، فيُكشف لهم الغطاء، ويرون منزلتهم في الجنّة، فيما تشتدّ على الكافرين وأهل المعاصي، فتنزع روح الكافر بسفود من نار.
 
([1]) الآية 19 من سورة ق.
([2]) الآية 185 من سورة آل عمران، والآية 35 من سورة الأنبياء، والآية 57 من سورة العنكبوت.
([3]) الآية 83 من سورة الواقعة.
([4]) الآيات 26 ـ 29 من سورة القيامة.
([5]) أمالي الصدوق، ص384.
([6]) الآية 93 من سورة الأنعام.
([7]) الآية 50 من سورة الأنفال.
([8]) الكافي، ج2 ص444. ومرآة العقول، ج11 ص333.
([9]) الكافي، ج3 ص135. وبحار الأنوار، ج6 ص169.
([10]) علل الشرائع للصدوق، ج1 ص306. وبحار الأنوار، ج6 ص182.
([11]) الكافي، ج3 ص262. وبحار الأنوار، ج6 ص145.
([12]) الكافي، ج3 ص135. ومرآة العقول، ج13 ص295.
([13]) أمالي الصدوق، ص384. وراجع: الكافي، ج3 ص259.
([14]) الكافي ج3 ص 122، وتهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج1 ص 288.
([15]) نهج البلاغة، الخطبة 108.