بعد يومين من تبادل إطلاق النار بين قطاع غزة وجيش الكيان الإسرائيلي، أعلن قادة الجهاد الإسلامي قبول الكيان بشروط وقف إطلاق النار بوساطة مصرية.
حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية أعلنت الأربعاء 13 نوفمبر عن تحديدها لشروط وقف إطلاق النار، مؤكدةً أن الهجمات الصاروخية على الأراضي المحتلة ستستمر إذا لم تتحقق هذه الشروط.
"زياد النخالة" الأمين العام للجهاد الإسلامي وفي مقابلة مع قناة الميادين، كان قد أعلن عن شروط الحركة بما في ذلك "وقف" العمليات الصهيونية لاغتيال القادة الفلسطينيين في غزة، وإنهاء إطلاق النار على المتظاهرين في مسيرات العودة ورفع الحصار عن غزة.
وفي الوقت نفسه، قال المتحدث باسم الجهاد الإسلامي لرويترز: إن وقف إطلاق النار قد تم بعد قبول هذه الشروط من قبل الصهاينة.
على الرغم من أن السلطات الصهيونية لم تؤيّد أو تنفي هذه التصريحات بعد، ولكن بالنظر إلى التقليد السياسي الذي يحكم نوع سلوك المسؤولين الصهاينة الذين نادراً ما يعترفون بقبول مثل هذه الاتفاقيات، وحتى أن إذاعة الجيش الإسرائيلي قد أخبرت عن وقف إطلاق النار نقلاً عن مسؤول دولة عربية (من المرجّح أنها مصر)، وكذلك وقف إطلاق النار المتفق عليه، يمكن أن نفهم أن الصهاينة قد قبلوا شروط الجهاد الإسلامي، لتستمر سلسلة هزائم نتنياهو أمام المقاومة الإسلامية الفلسطينية.
وسيكون لهذا الفشل حتماً تداعيات استراتيجية لكل من الفلسطينيين وحكومة الكيان الإسرائيلي ونتنياهو نفسه.
تحرير غزة من الأسر.. الخطوة الأولى في طريق الانتصار
لا شك أنه إذا تحقق ذلك، فإن النتيجة الإيجابية الأهم للتوترات الأخيرة لقطاع غزة والمقاومة الفلسطينية، وأيضاً الضرر والتكلفة الأكبر للكيان الإسرائيلي، ستكون رفع الحصار عن قطاع غزة.
لقد حاصر الكيان الإسرائيلي قطاع غزة من الأرض والبحر والجو، بعد فوز حركة حماس في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية عام 2006، وقد اشتد هذا الحصار منذ 2007.
هذا الكيان ومن خلال إغلاق معابر قطاع غزة، قد قطع اتصال 1.5 مليون فلسطيني مع العالم الخارجي بشكل كامل، وجادل الكيان بأنه بعد اعتبار قطاع غزة عدواً، فإن تل أبيب لم تعد مضطرةً إلى الامتثال للقانون الدولي القاضي بإدارة الأراضي المحتلة، وتوفير الخدمات العامة التي يحتاجها المدنيون في المنطقة.
لذلك، بعد فترة من الزمن، قد قطع الوقود عن قطاع غزة تماماً، وأدّى ذلك إلى تقنين الكهرباء في غزة والعديد من المشكلات لسكان المنطقة، وحتى الحصول على مياه الشرب بات صعباً.
كما ازداد هذا الحصار اللا إنساني تدريجياً، بحيث في سبتمبر 2019، قام الجيش الصهيوني بتخفيض نطاق الصيد في قطاع غزة من 10 إلى 6 أميال بحرية، وهو ما يوفر لقمة العيش لخمسين ألف مواطن في غزة.
وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" قد أعلنت الشهر الماضي، أن 80٪ من سكان غزة وبعد سنوات من الحصار والأعمال العدائية والاضطرابات السياسية، يعتمدون على المساعدات الإنسانية، كما أن البطالة ونقص الأدوية والمستلزمات الأساسية، نقص المياه والسلع والمواد الغذائية ومنع المرضى من مغادرة هذه المنطقة، هي المشكلات الرئيسة لقطاع غزة، والمنظمات الدولية ذات الصلة لم تتخذ بعد إجراءات ملموسة لرفع الحصار الذي دام 13 عاماً.
وفي هذه الظروف، سيكون رفع الحصار عن غزة خطوةً مهمةً نحو تحسين الوضع الاقتصادي وسبل العيش والرفاهية لسكان غزة، والوصول الحر إلى العالم الخارجي، وحتى دخول المساعدات الإنسانية، وسيؤدي هذا حتماً إلى تعزيز قوة فصائل المقاومة في غزة في أبعاد مختلفة.
الفشل التام لصفقة القرن
جاءت التوترات الأخيرة بين الصهاينة وقطاع غزة في وقت تحاول فيه أمريكا والكيان الإسرائيلي تنفيذ صفقة القرن بأي شكل من الأشكال.
المعارضة الفلسطينية الموحدة وغياب الدعم الدولي للمشروع، قد عرقلا تنفيذ الخطة حتى الآن، لكن مسؤولي البيت الابيض قد أظهروا أنهم منحوا الضوء الأخضر للصهاينة لزيادة الضغط الاقتصادي والسياسي والعسكري على الفلسطينيين، لإرغامهم على قبول الخطة، بحيث قال "جاريد كوشنر" مستشار ترامب وصهره وحلقة الوصل الرئيسية بين اللوبي الصهيوني والرئيس الأمريكي، والعقل المدبّر لهذه المؤامرة الكبيرة باعتقاد الكثيرين، قال إن سكان غزة لن يتمكنوا من التخلص من الضغوط الحالية وتحقيق التنمية الاقتصادية إلا في حال قبول صفقة القرن.
لكن قبول رفع الحصار الآن يأتي في حين أن الصهاينة لم يرضخوا حتى الآن لرفع الحصار المفروض على غزة أثناء توافقات وقف إطلاق النار السابقة، بل كانوا يربطونه بالانتهاء من نزع سلاح حماس الصاروخي.
الآن، على الرغم من تذوّق الشعب الفلسطيني مراراً وتكراراً طعم الخيانة وانتهاك الوعود من قبل الصهاينة وشركائهم الغربيين بدلاً من الوفاء بوعودهم، ولم يقيموا وزناً لتصريحات كوشنر، ولكن مع قبول الصهاينة لرفع الحصار عن غزة للتخلص من الهجمات الصاروخية للمقاومة، فإن ملف صفقة القرن سيغلق أمام الشعب الفلسطيني إلى الأبد كخيار سياسي.
فلسطين بكاملها نحو خيار المقاومة
وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وتجرؤ الصهاينة لتقويض الحقوق التاريخية الفلسطينية والقرارات الدولية، وحتى التزاماتهم السابقة، من ناحية الكشف عن الطبيعة غير الموثوق بها لهذا الكيان، وأيضاً عدم جدوى التسوية مع الصهاينة بل كونها ضارةً، يمكن اعتبارها نصف الكأس المملوء للتطورات الفلسطينية الأخيرة.
إن تنامي مسيرات العودة على مدار العام الماضي، ثم انتصارات المقاومة في قطاع غزة، يبشران بإنهاء الانقسامات ودعم الفلسطينيين الموحّد لنهج المقاومة وتطلعاتها في التدمير الكامل لـ"إسرائيل"، وهو الأمر الذي يخشاه الصهاينة وحلفاؤهم الغربيون وحتى خونة العالم العربي بشدة.
إفلاس سياسي لنتنياهو
بينما تستمر الأزمة السياسية في الأراضي المحتلة والمتمثلة في عجز الأحزاب في تشكيل الحكومة، فإن نتنياهو الذي يخشى كثيراً تحالف الأحزاب اليمينية المتشددة مع غانتس من حزب "أزرق أبيض"، أقدم على الاغتيالات الأخيرة ضد قادة الجهاد الإسلامي في غزة ودمشق، لإظهار اقتداره الأمني لسكان الأراضي المحتلة.
ومع ذلك، فإن إمطار الأراضي الفلسطينية المحتلة بالصواريخ من قبل الجهاد الإسلامي، وعجز أنظمة دفاع القبة الحديدية عن صد هذه الهجمات، وفي النهاية جهود نتنياهو لوقف إطلاق الصواريخ من خلال قبوله بشروط المقاومة، ستكون بالتأكيد هزيمة كبيرة له وذريعة مهمة لمنتقديه لسحب البساط من تحت أقدامه.
نهاية "إسرائيل"
من بين التداعيات المهمة الأخرى لانتصار الجهاد الإسلامي، هي أن شعار اقتراب زوال "إسرائيل" بات أكثر وضوحاً.
إن هزيمة جيش الكيان الإسرائيلي المدجج بالسلاح أمام حركة الجهاد الإسلامي وهي غصن صغير فقط من أغصان شجرة المقاومة العملاقة، تثبت مرةً أخرى زيف شعار "الجيش الذي لا يقهر".
لقد استخدم القادة الصهاينة دائماً العدوان الأجنبي للتستر على الأزمات المحلية، ونفّذوا هذا الحل مراراً وتكراراً على مدار العقود الماضية، ولكن يوماً بعد يوم، يتم تشديد الحصار على هذا الكيان من قبل الحزام الأمني الذي يقيمه محور المقاومة، والذي يسلب منه مجال الاعتداء بحرية.
حالياً، تستطيع فصائل المقاومة كل على حدة تحطيم الهيمنة الجوفاء للكيان الإسرائيلي، وربما لإظهار هذه الحقيقة لم تتدخل حماس بجدية في الرد على الهجمات الصهيونية الأخيرة على قطاع غزة، ليرى الجميع حقبة نهاية "إسرائيل".
المصدر: الوقت