القصيدة العاشورائية لأبي معتوق

الإثنين 2 سبتمبر 2019 - 07:39 بتوقيت غرينتش
القصيدة العاشورائية لأبي معتوق

الکوثر - هذه الأبيات يستهل الشاعر السيد شهاب الدين الموسوي المعروف بـ (أبي معتوق) قصيدته العاشورائية التي تبلغ (64) بيتاً وهو يستقبل شهر محرم بشعار الحزن والحداد.

 

هلّ المحرمُ فاستهــــــــــــلّ مكبّرا *** وانثرْ به دررَ الدمـوعِ على الثرى

 

وانظرْ بغرّته الهـــــلالَ إذا انجلى *** مسترجعاً متفــــــــــــــجّعاً متفكّرا

 

واقطفْ ثمارَ الحزنِ من عـرجونِه *** وانحرْ بخنجرِهِ بمقلتـــــــكَ الكرى

 

وانسَ العقيقَ وأُنْسَ جيــــرانِ النقا *** واذكرْ لنا خبرَ الطفوفِ وما جرى

 

واخلعْ شعارَ الصبرِ منكَ وزرِّ من *** خلعَ السقامَ عليكَ ثـــــــوباً أصفرا

 

فثيابُ ذي الأشجانِ أليـــــــــقها به *** ما كان من حمرِ الثيابِ مـــــزرَّرا

 

شهرٌ بحكـــــــمِ الدهرِ فيه تحكّمتْ *** شرُّ الكلابِ السـودِ في أسْدِ الشرى

 

للهِ أيُّ مصيـــــــــــــــــبةٍ نزلتْ به *** بكتِ السماءُ لها نجـيـــــــعاً أحمرا

 

خطبٌ دهى الإســـلامَ عند وقوعِهِ *** لبستْ عليه حـــــــــدادَها أمُّ القرى

 

 

فأجواء الحزن والأسى العميق على الإمام الحسين (علیه السلام) وهو سبط خاتم الأنبياء (صلوات الله علیه و آله) لا تقتصر على البشر, فهو (ع) ابن مكة ومنى, وابن زمزم والصفا, وهو خامس أصحاب الكساء, لذا فقد غشي الحزن أرض النبوة, واكتست بالحداد أرض الحرام:

 

أو ما ترى الحرمَ الشريفَ تكادُ مِن *** زفراتِهِ الجمــــــــراتُ أن تتسعّرا

 

وأبا قبيسٍ في حشـــــــاهُ تصاعدت *** قبســـــاتُ وجدٍ حرُّها يَصلي حرا

 

علمَ الحطيــــــــمُ به فحطّمه الأسى *** ودرى الصفا بمصــــــــابِهِ فتكدّرا

 

واستشعرتْ منه المشـــــاعرُ بالبلا *** وعفا مُحسَّــــــــرها جوىً وتحمّرا

 

قُتل الحسيـــــــــــنُ فيالها من نكبةٍ *** أضحى لها الإســــــلامُ منهدمُ الذُرا

 

فالحسين ليس فقط حفيد النبي (صلى الله عليه و آله), والارتباط بينهما ليس في النسب فقط, بل هو الامتداد الطبيعي لدعوته الشريفة, ويؤكد ذلك الحديث الشريف: (حسين مني وأنا من حسين), وهو (عليه السلام) لذلك أبو الأئمة من ولده والنبي (صلوات الله عليه و آله) أول المعزين بفقد ولده:

 

قتلٌ يدلــــــــــــــــكَ إنّما سرُّ الفدا *** في ذلكَ الذبــــــــــــحِ العظيمِ تأخّرا

 

رؤيا خليــــــــــــلِ اللهِ فيه تغيّرتْ *** حقّاً, وتأويلُ الكتـــــــــــــابِ تفسّرا

 

رزءٌ تــــــــداركَ منه نفسُ محمّدٍ *** كدراً وأبكـــــــــــــــى قبرَه والمنبرا

 

أهدى السرورَ لقلــــبِ هندٍ وابنها *** وأســــــــــاءَ فاطمةً, وأشجى حيدرا

 

ويل لقــــــــــــــــــاتلِهِ أيدري أنّه *** عادى النبــيَّ وصنوه ؟ أم ما درى ؟

 

شلّت يداه لقد تقمّــــــــصَ خزيةً *** يأتي بها يومَ الحســـــــــــــابِ مؤَزّرا

 

ويطفح الحزن بالشاعر وهو يستعرض ما جرى في كربلاء على سيد الشهداء (عليه السلام) وأهل بيته ونسائه فاللهفة تتكرر في بداية كل بيت أو نفثة حرى يطلقها الشاعر:

 

حزني عليــــــــهِ دائمٌ لا ينقضي *** وتصبّـــــــــــــــري مـني عليَّ تعذّرا

 

وارحمتاه لصــــــــارخاتٍ حوله *** تبكي له ولوجـــــــــــــــهِها لن تسترا

 

ما زال بالرمــــحِ الطويلِ مدافعاً *** عنها ويكفــــــــــــــــلها بأبيـضَ أبترا

 

ويصونُها صـونَ الكريمِ لعرضِهِ *** حتى له الأجلُ المتـــــــــــــــاحُ تقدّرا

 

لهفي على ذاكَ الذبيــــحِ من القفا *** ظلماً وظلّ ثـــــــــــــــــلاثةً لن يُقبرا

 

ملقى على وجهِ التــــــرابِ تظنه *** داودَ في المحرابِ حيـــــــــن تسوَّرا

 

لهفي على العاري الســليبِ ثيابَه *** فكأنّه ذو النــــــــــــــــونِ يُنبذُ بالعرا

 

لهفي على الهاوي الصـريعِ كأنه *** قمرٌ هوى من أوجـــــــــــــــهٍ فتكوّرا

 

لهفي على تلكَ البنانِ تقـــــطّعت *** ولو أنها اتصلت لكــــــــــــانتْ أبحرا

 

ولموقف أبي الفضل العباس (عليه السلام) تأثير كبير في نفس الشاعر استمد منه أسمى معاني الإباء والبطولة, ذلك الموقف الذي أذهل الأجيال وألهمها دروس الوفاء والإباء:

 

لهفي على العبــاس وهو مُجندلٌ *** عرضت منيّـــــــــــــــــــته له فتعثرا

 

لحقَ الغبـــــــــارُ جبينَه ولطالما *** في شأوِهِ لحقَ الكــــــــــــــرامُ وغَبّرا

 

سلبته أبناءُ اللئــــــــــــامِ قميصَه *** وكسته ثوباً بالنجيــــــــــــعِ مُعصفرا

 

فكأنما أثرُ الدمــــــــــــاءِ بوجِهِه *** شفقٌ على وجهِ الصبــــــــاحِ قد أنبرا

 

حرٌ بنصرِ أخيهِ قامَ مُجـــــــاهداً *** فهوى المماتُ على الحيـــــــــاةِ وآثّرا

 

حفظ الإخـــــــاءَ وعهدُه وفّى له *** حتى قضى تحتَ السيــــــــوفِ مُعفّرا

 

ويتمنّى الشاعر أنه لو كان حاضراً يوم الطف وهو إحساس يخالج نفسه ويهزّه من الأعماق، ويفيض على روحه:

 

من لي بأن أفــدي الحسينَ بمهجتي *** وأرى بأرضِ الطفِّ ذاكَ المحضرا

 

فلو استطـــــــعتُ قذفتُ حبَّة مقلتي *** وجعلتُ مدفنَه الشـــــريفَ المحجرا

 

روحي فدى الرأسِ المفارقِ جسمَه *** ينشي التلاوةَ ليــــــــــــــلَه مُستغفرا

 

ريحـــــــــانةٌ ذهبت نضارةُ عودِها *** فكأنّهـــــــــــا بالتربِ تسقي العنبرا

 

ومضرّجٍ بدمــــــــــــــــــائِهِ فكأنّما *** بجيــــــــــــــــوبِهِ فتّتت مسكاً أذفرا

 

عضبٌ يدُ الحدثــــــــان فلّتْ غربَه *** ولطــــــــــالما فلقَ الرؤوسَ وكسَّرا

 

ومثقّفٍ حطمَ الحِمــــــــــــامِ كعوبَه *** فبكــــــــــــــى عليهِ كلُّ لدنٍ أسمرا

 

عجباً له يشــــــــــــكو الظماءَ وإنّهُ *** لو لامسَ الصــــــخرَ الأصمَّ تفجّرا

 

يلجُ الغبـــــــــــــــارَ به جوادٌ سابحٌ *** فيخوضُ نقعَ الصافنــــــاتِ الأكدرا

 

طلبَ الوصـولَ إلى الـــورودِ فعاقه *** ضربٌ يشبُّ على النـواصي مِجمرا

 

ويلٌ لمن قتلـوه ظمـــــــــــــــآناً أما *** علموا بأنّ أبــــــــــاهُ يسقي الكوثرا

 

لم يقتــــــــــــــلوه على اليقينِ وإنّما *** عرضتْ لهم شبـــــه اليهودِ تصوّرا

 

لعنَ الإلهُ بنــــــــــــــــي أمية مثلما *** داودُ قد لعـــــــــــــــنَ اليهودَ وكفّرا

 

وسقاهم جُـــــــرعَ الحميمِ كما سقوا *** جرعَ الحِمـــــــامِ ابن النبيِّ الأطهرا

 

كما يتمنى لو كان قومه حاضرين .. وهو إحساس يتدفّق من ولاء الشاعر وعقيدته ويمليه عليه دينه بوجوب نصرة الإمام الحسين (عليه السلام) فيعيشه ويتفاعل معه رغم البعد الزماني والمكاني:

 

يا ليـتَ قومي يولــــــــدونَ بعصرِهِ *** أو يسمـــــــــعونَ دعاءَه مُـستنصرا

 

ولو أنهم سمـــــــــــــعوا إذاً لأجابَه *** منهم أسودُ شــــــــرّىً مؤيدةَ القُرى

 

من كل شهـــــــــــــــمٍ مهدويٍّ دأبُه *** ضربُ الطلا بالسيفِ أو بذلُ القِرى

 

من كلِّ أنمـــــــــــلةٍ تجودُ بعارضٍ *** وبكلِّ جــــــــــارحةٍ يريكَ غضنفرا

 

قومٌ يرونَ دمَ القـــــــــــرونِ مدامةً *** وريــــاضُ شربِهم الحديدُ الأخضرا

 

ويختم قصيدته بمدحه لأهل البيت (عليهم السلام) ويصله بفخره بانتسابه لهم وهو غاية الفخر فبهم تشرف بالسيادة وبحبهم توشح بوسام الفوز والنجاة:

 

يا ســـادتي يـــــــــــا آلَ طهَ إنَّ لي *** دمعاً إذا يجري حديـــــــــثكم جرى

 

بي منكمُ كاسمي شهـــــــــابٌ كلّما *** أطفيته بالدمـــــــــــعِ في قلبي ورى

 

شرّفتموني في زكـــــــــيِّ نجارِكم *** فدُعيتُ فيــــــــــكم سيداً بين الورى

 

أهوى مدائحــــــــكم فأنظمُ بعضَها *** فأرى أجلَّ المــــــــدحِ فيكمْ أصغرا

 

ينحطّ مـدحي عن حقيـــــقةِ مدحِكمْ *** ولو انني فيــــــــكمْ نظمتُ الجوهرا

 

هيهــــاتَ يستوفي القريضُ ثناءَكم *** لو كــــــــان في عددِ النجومِ وأكثرا

 

يا صفـــــوةَ الرحمنِ أبرأ من فتى *** في حقكم جـــــحدَ النصوصَ وأنكرا

 

وأعوذُ فيــــــــكم من ذنوبٍ أثقلتْ *** ظهري عســـــــى بولائِكم أن تغفرا

 

فبكمْ نجاتي فـــي الحياةِ من الأذى *** ومن الجحيـــــمِ إذا وردتُ المَحشرا

 

فعليكمُ صلّى المهيـــــــــــمنُ كلما *** كرَّ الصباحُ عـــــلى الدّجى وتكوّرا

 

ويُستشف من خلال هذه القصيدة أن الشاعر حمل قضية مقدّسة فعاشها وصوّرها وجسّدها في شعره فملأت وجدانه وتخللت فكره فكانت رسالته التي بقيت بعده, ألا وهي قضية أهل البيت (عليهم السلام) فتخلد اسمه في ضمير الزمن ودوّى صدى صوته في سماء الأدب العربي.

 

نسبه ومولده

 

ينتمي الشاعر السيد شهاب الدين الموسوي إلى أشرف نسب حيث يتصل بالإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليهما السلام) وقد ذكر السيد ضامن بن شدقم نسبه كاملاً إلى الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حيث قال:

 

السيد شهاب الدين بن أحمد بن ناصر بن حوزي بن لاوي بن حيدر بن المحسن بن محمد مهدي بن فلاح بن مهدي بن محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن الرضا بن إبراهيم بن هبة الله بن الطيب بن أحمد بن محمد بن القاسم بن محمد أبي الفخار بن أبي علي نعمة الله بن عبد الله بن أبي عبد الله جعفر بن موسى بن محمد بن موسى بن أبي جعفر عبدالله ابن الإمام موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام).

ولد السيد شهاب الدين في البصرة عام (1025هـ ــ 1616م) وقد أطلق عليه لقب (ابن معتوق الموسوي) واشتهر به حتى صُدّر ديوانه باسم (ديوان أبن معتوق), وهو خطأ فالصحيح هو (ديوان أبي معتوق) لأنه ليس في أجداده من اسمه معتوق كما يلاحظ، بل له ابن أسمه السيد معتوق وقد جمع ديوان أبيه فكأنه كان يسمى في الأصل (ديوان أبي معتوق) ثم قيل (ابن معتوق) لأنه أخف على اللسان كما قال بذلك السيد محسن الأمين نقلاً عن ملحق السلافة وكتاب الأنوار.

 

كما أشار إلى هذا الشيء المحقق الشيخ آغا بزرك الطهراني في عندما ذكر ديوان ــ أبي معتوق ــ فقال: (جمع الديوان ولد الناظم معتوق بن شهاب الدين بعد موت والده ورتبه على ثلاثة فصول: المدائح والمراثي والمتفرقات.. الخ) ثم قال: (وطبع مرة على الحجر بمصر عام 1271 وأخرى على الحروف بمطبعة شرف عام 1302 وأخرى بالإسكندرية عام 1290 وأخرى ببيروت عام 1885) وأول قصائد اديوان في مدح النبي (صلوات الله عليه و آله) .

المصدر: موقع العتبة الحسينية المقدسة