يبدو العمل جارياً في العربيّة السعوديّة، على مُواصلة “تشويه” الخصم التركي وبلاده السياحيّة، فبعد الوسوم الافتراضيّة التي دعت إلى مُقاطعة الدراما التركيّة، ثم السياحة، ها هي صُحف المملكة وإعلامها يُصدّران إلى الواجهة موضوع اختفاء فتاة سعوديّة في العاصمة إسطنبول، فيما لا تزال التحقيقات جارية للكشف عن مُلابسات الحادثة المُريبة، والغريبة.
أذهان العالم، لم تتناس بعد جريمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وطريقة اغتياله المُريبة، والغريبة، والدمويّة في قنصليّة بلاده، وحتى كتابة هذه السطور، لم تظهر بعد جُثّة الراحل، والذي تتوجّه جميع أصابع الاتّهام إلى التوّرط السعودي، حيث اعترف الأخير بمسؤوليّته عن الحادثة، فيما تُطرح التساؤلات حول اختفاء الفتاة، وربّما قتلها على “الطريقة الخاشقجيّة” من قبل سُلطات بلادها أو غيرها، فيما يجري الحديث عن اختطاف، وكاميرات مُراقبة رصدت تفاصيل الواقعة المُثيرة للتساؤلات حول أهدافها، وتوقيتها.
الصحافة التركيّة كانت قد فنّدت بدورها بالأرقام، تراجع أعداد السيّاح السعوديين، والخليجيين، والمُسافرين إلى عاصمة العثمانيين إسطنبول، بل إنّ آخر الإحصاءات الرسميّة ذكرت أنّ هناك ازدياداً ملحوظاً في عدد السيّاح السعوديين على وجه التحديد، وإن كان قد شهد العام الماضي تراجعاً طفيفاً في أعدادهم، وعليه تُثبت الحملات السعوديّة الإعلاميّة ودعواتها لمُقاطعة السياحة التركيّة فشلها، وثني السيّاح القادمين من المملكة عن زيارتها تتحدّث في ذلك السياق.
السلطات السعوديّة ذاتها أقرّت بشكلٍ غير مُباشر، بتواجد السيّاح السعوديين في تركيا، وتحديداً حينما صدر عن سفارتها هُناك، تحذيرات للسعوديين بعدم التّواجد في مناطق بعينها، وتعرّضهم إلى اعتداءٍ مُسلّحٍ، وسرقات، يتعرّض لها سعوديون على وجه التّحديد، وهو ما يُؤكّد استمرار توافد السعوديين، واختيارهم لتركيا كوِجهةٍ سياحيّةٍ، رغم كُل التحذيرات الأمنيّة، والسياسيّة من سُلطات بلادهم.
تتزامن حادثة اختفاء الفتاة في تركيا، وبحسب ما يرصد المُراقبون، مع حملات إعلاميّة تواصليّة شرسة لا تزال تشنّها السعوديّة على تركيا، ومع عدم اتّخاذ السيّاح السعوديين احتياطاتهم الأمنيّة، وعدم الذهاب إلى إسطنبول استماعاً لتحذيرات حُكومتهم، تطفو على السطح حادثة “اختفاء” غامضة الظروف، قد تدفع السعوديين بالفعل إلى تفضيل سياحتهم الداخليّة على الخارجيّة، وهو ما تبتغيه الرياض بكُل الأحوال، رفداً لخزينتها من الأموال السياحيّة، وربّما إمعاناً في الخُصومة السياسيّة مع تركيا ورئيسها رجب طيّب أردوغان كما يقول نُشطاء مُعارضون، وتفضيلاً للسلامة أيضاً.
أسبوعٌ مضى إذاً على اختفاء السائحة السعوديّة، والصحافة السعوديّة تُصِر على وصفها بالاختطاف، فيما تُصر نظيرتها التركيّة انتظار التحقيقات، ووصف الحادثة بالاختفاء، فيما تتحدّث مصادر سعوديّة عن وصول “المُختطفة” عبير مع زوجها وأطفالها للسياحة، ويُؤكّد شقيقها فيصل العنزي الحادثة عبر حسابه الافتراضي في “تويتر”.
اللافت في الحادثة، أنّ الإعلام السعودي، وصحيفة “المرصد” على وجه الخُصوص بدايةً، تحدّثث عن تفاصيل العمليّة التي وصفتها بالاختطاف، وقالت إنّ كاميرات المُراقبة أظهرت قيام شخص يحمل عبوة صغيرة برش ما تحتويه على وجه المُواطنة، والتي فقدت وعيها، واصطحبها إلى مكانٍ مجهول، وبحسب صحيفة “عكاظ” فإنّ تفاصيل اختفاء الفتاة تبدو غامضةً، والسلطات بحسب الصحيفة تعمل مع المعنيين لكشف مُلابسات اختفاء الفتاة التي كانت برفقة عائلتها.
اللّافت في الحادثة بحسب المُراقبين، أنّ شقيق الفتاة المُختفية، ناشد وليّ العهد السعودي الأمير بن سلمان مُساعدته في تغريدته، والأكثر لفتاً أنّ زوج المُختطفة وجّه خلال تسجيل صوتي انتقادات للشرطة التركيّة، واتّهمها بالتّقصير، والأداء الضعيف، ولعلّه ليس من المُستبعد أن تدخل العلاقات بين البلدين مُنعطفاً حادّاً آخراً، خاصّةً أنّ الوسوم السعوديّة “هاشتاق” المُتصدّرة، بدأت تتحدّث عن امتداد يد الغدر التركيّة للمُواطنين السعوديين، واستهدافهم، فيما يتزايد الحديث عن تقصير وإهمال الأمن التركي، وضعفه في تأمين السيّاح الأجانب، وتحت عُنوان: “اختطاف فتاة سعوديّة في إسطنبول”.
بكُل الأحوال، السلطات التركيّة ستكون هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن توضيح حقيقة ما جرى مع الفتاة المُختفية، وحتى إعداد المادة لم تذكر أيّ مصادر تركيّة معلومات أمنيّة أو شخصيّة عن الفتاة المُختفية، وفيما إذا كانت زيارتها وزوجها حقّاً مُقتصرةً على السياحة، فيما لا تزال الصحافة السعوديّة تتحدّث عن مُجرّد زوجة اختطفت أمام عدسات كاميرا المُراقبة، لتبقى التساؤلات مطروحةً فيما إذا كانت مثل تلك الحوادث الغامضة ستضرب السياحة التركيّة ككل، وتمنع السيّاح حتى العرب منهم من زيارتها، لكن في كُل الأحوال تبقى الدراما التركيّة مُتربّعةً على عرش قلوب المُشاهدين العرب، والأرقام تتحدّث في مواقع عرضها، وترجمتها، ودبلجتها، وكم الإعلانات التي تُرافقها.
بالتّزامن، وللمُفارقة، يتداول نُشطاء صوراً لما قالوا إنها مناهج السعوديّة الجديدة، وهي تتضمّن انتهاكات الدولة العثمانيّة، ووصفها بالغازية، والتطرّق لمعركة “تربة” التي تقول المناهج إنّها انتهت لصالح انتصار الدولة السعوديّة الأولى، وترك العثمانيون على إثرها سلاحهم، وجنودهم، ولم يقتصر الأمر على العالم الافتراضي، فقد تناولت قناة “العربية” المملوكة للحُكومة للسعوديّة الموضوع، وصدّرت حديثها عن المعارك بين الدولتين العثمانيّة، والسعوديّة، فيما تُطرح التساؤلات حول المُزامنة والتّوقيت والحِرص السعودي على التّوثيق للأجيال، أو كما وصفه رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” سلمان الدوسري السابق بتفاصيل الاحتلال العثماني الذي كان غائباً عن أجيالٍ وأجيال، وأيّ خِيارات يُمكن لتركيا استخدامها في مُواجهة حملات مُمنهجة سعوديّة مُتواصلة، ضِد سياحتها، وجهاز أمنها، وتاريخها، وخِلافتها، يتساءل مراقبون.
عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي