فالعملية السياسية العراقية قطعت مراحل معقدة وعويصة جدا على مستوى ازالة العراقيل والمعوقات وتجاوز التحديات الداخلية والخارجية، باتجاه اطلاق الطاقات الوطنية وتنميتها لفائدة اعادة الهيبة والمکانة المرموقة للدولة والاعتبار للشعب العراقي الذي كان ضحية 35 عاما من الحكم الدكتاتوري البعثي الاسود.
الرائع ان العملية السياسية شقت طريقها نحو آفاق رحبة شدت الانظار من جديد الى دور بغداد الريادي لكن من الواضح ايضا ان اعداء العملية السياسية في العراق الذين اعادوا انتاج انفسهم تحت واجهات ومسمیات مختلفة ، داخل العملیة و خارجها يظنون ان اتكالهم على الدعم المالي والسياسي والدعائي الخارجي ، ربما يمكنهم من دخول الحلبة مرة اخری لفرض الاجندات المعادية على الشعب العراقي وقواه الوطنية وقواته المسلحة من جيش وحشد شعبي وقوى أمنية ، وهو برأينا حلم بعيد المنال.
لقد حاول اعداء العراق استغلال ازمات وتظاهرات وحالات احتقان هي في معظمها نتيجة طبيعية لاحتجاجات شعبية مشروعة، حتى ظنوا بأنه قد أزفت آزفة استئناف دورهم الدموي البشع، وحسبوا بان الشارع العراقي الذي يعاني فعلا من تناقضات ، يمكن ان يجنح من جديد الى تبني تجربة النظام الدكتاتوري العنصري البائد مع ما ارتكب من جرائم لا تعد ولا تحصى.
أقول ان أيتام البعث القاتل ما برحوا اسارى “احلام العصافير” كونهم لا يريدون تصديق ان عهدهم المظلم قد انتهى وولى دون رجعة، حتى وان تربعوا على كنوز الارض مما سرقوه من خزائن العراق وشعبه لتمويل مؤامراتهم السياسية والطائفية والعنصرية.
واقع الامر ان الشعب العراقي بجميع طوائفه وقومياته وتياراته، له كل الحق في ان يقول كلمته، وان يعطي صناع القرار والساسة والناشطون في الساحة آذانا صاغية لها، فقد ابرزت السنوات الماضية ان العملية السياسية مازالت رهينة للصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية، وازاء ذلك فان من السذاجة بمكان، معالجة الازمة الراهنة على وجه التسطيح، والقرارات القشرية.
لاشك بأن الدولة العراقية مدعوة بكل قوة الى ايجاد مقاربة سياسية واجتماعية وانسانية دقيقة من اجل ان يشعر المواطن ان مطالبه المشروعة سوف تجد طريقها للتحقق على قاعدة العدالة والمساواة والانصاف، بعيدا عن اية ميول او توجهات حزبية او مذهبية او عنصرية ، وخلاف ذلك فان التغييرات الظاهرية لن تكون سوى مضيعة للوقت وتعطيلا للطاقات الجبارة التي يزخر بها العراق.
الثابت هو ان “البعثي” و”الطائفي” و”التکفیری ” يشكلون اليوم معا عصابة من القتلة والمجرمين الذين يعادون العراق الديمقراطي ومنجزاته واهمها القضاء على داعش والجماعات الارهابية ، يحاولون اغراق البلاد والشعب والعملية السياسية في مزيد من الخلافات والنزاعات، وهو ما يعتبر “غاية المنى” مادامت آمالهم في التحكم برقاب المواطنين سنة وشيعة ، مسلمین و مسیحیین وصابئة، عربا واکرادا وترکمانا، هي من سابع المستحيلات.
لقد اثبتت تطورات الاحداث ان المواطن العراقي لم يعد تنطلي عليه اكاذيب الاعداء ومخاتلاتهم ، لان الاجواء الديمقراطية ونسائم الحرية التي تنعَّم بها طيلة عقد من الزمن، صنعت منه انسانا جديدا واعيا بالمجريات من حوله، ومؤهلا لان يكون بمستوى التصدي للمؤامرات التي تسعى لارجاعه الى عهد الظلمات.
بقلم حميد حلمي البغدادي