هل انتهى شهر عسل اللّاجئين السوريين في تركيا؟

الخميس 25 يوليو 2019 - 16:37 بتوقيت غرينتش
هل انتهى شهر عسل اللّاجئين السوريين في تركيا؟

مقالات-الكوثر: هل انتهى شهر عسل اللّاجئين السوريين في تركيا؟ ولماذا باتوا هدَفًا للكراهية والعنصريّة بعد انتخابات إسطنبول؟ وهل بدأت السلطات التركيّة تُطبّق استراتيجيّتها بترحيلهم قسرًا؟ وأين ذهبت مقولة “المُهاجرين والأنصار” التي راجت بداية الأزَمَة السوريّة؟ وماذا عن المُعارضة؟

تسود حالة من القَلق الشّديد في أوساط أكثر من نِصف مليون لاجئ سوري يعيشون حاليًّا في ولاية إسطنبول بعد القرارات الأخيرة التي اتّخذتها السلطات التركيّة، وتُطالبهم بتصحيح أوضاعهم في غُضون شهر، والعودة إلى مناطق إقاماتهم الأصليّة بموجب بطاقة إقامة مُؤقّتة.

بعد انتهاء مُهلة الشّهر ربّما يتعرّض عشرات، إن لم يكُن مِئات الآلاف من هؤلاء، إلى التّرحيل الإجباري بتُهمة مُخالفة القانون، ممّا يعني إغلاق آلاف المحلّات التجاريّة والشركات والمطاعم، لأنّ مُعظم أصحابها غادروا مخيّمات اللّجوء، وأقاموا في العاصمة الاقتصاديّة (إسطنبول)، ورتّبوا أوضاعهم المعيشيّة بما في ذلك إدخال أولادهم في المدارس، على أساس أنّهم مُرحّب بهم من قبل السلطات التركيّة وحزب العدالة والتنمية الحاكم الذي شجّعهم على الاندِماج في المجتمع التركي كأشقّاء.

هذه المُضايقات الجديدة التي تتّخذ طابع تطبيق القانون وحماية الأمن، وتوفير فُرص العمل للعاطِلين الأتراك، تأتي في ظِل حمَلات كراهية يمينيّة عُنصريّة ضِد هؤلاء، وأحداث عُنف استهدفت المناطق التي يُقيمون فيها مثل أحياء أسنيورت، ويكيتلي، والفاتح، وفندق زادة، وسلطان بايلي، حيث تنتشر المطاعم والشركات والمقاهي والتجمّعات السكانيّة السوريّة.

ترحيل المُهاجرين السوريين من إسطنبول إلى المناطق التي يحمِلون بطاقات حماية (إقامة أو الكيميليك) صادرة منها يعني اقتِلاع هؤلاء وزعزعة استقرارهم المعيشي، وقطع أرزاقهم، وتشريد أطفالهم وأسرهم، وبِدء حياة جديدة في مناطق لا توجد فيها فُرص عمل، ولا يُريد بعض أهلها وجودهم.

الأزمة بدأت تظهر على السطح بقُوّةٍ أثناء الحملات الانتخابيّة لعُضويّة ورئاسة المجلس البلدي في ولاية إسطنبول، حيث استخدم المُرشّحون، وعلى رأسهم أكرم إمام أوغلو، الفائز الأكبر فيها، ورقة اللاجئين السوريين ضِد خصمه بن علي يلدريم وحزب العدالة والتنمية الحاكم، وركّز على ضرورة طردهم لخلق فُرص عمل للعاطلين، والقضاء على الجرائم التي تزايدت أرقامها بسبب اللاجئين السوريين، حسب دعايته الانتخابيّة.

الاتّهامات للاجئين السوريين بالعُنف والجريمة مُعظمها، إن لم يكُن كلها، اتّهامات كاذبة، وعُنصريّة الطّابع، فاللاجئون السوريّون لم يكونوا عبئًا على السلطات التركيّة، وساهموا بدورٍ كبيرٍ، سواء من خلال استثماراتهم أو كفاءاتهم العالية، في دعم الاقتصاد التركي وازدهاره، وتحسين قِطاع الخدمات لمهاراتهم العالية جدًّا.

من المُؤسف أنّ ورقة هؤلاء باتت ورقةً رئيسيّةً في الصّراعات الحزبيّة بين الحُكومة والمُعارضة، الأمر الذي شكّل ضغطًا كبيرًا على الرئيس رجب طيّب أردوغان حتى أنّه قال في اجتماع تقويمي لنتائج انتخابات بلدية إسطنبول يوم 11 تموز (يوليو) الحالي أنّ حُكومته ستتّخذ خطوات جديدة تُجاه السوريين اللاجئين في تركيا:

أوّلًا: تشجيعهم على العودة إلى بلادهم.

ثانيًا: ترحيل مُرتكبي الجرائم بالقُوّة.

ثالثًا: إيقاف الخدمات الطبيّة المجانيّة التي تُقدّم لحاملي بطاقة الحماية.

والي إسطنبول علي يرلي كايا، أكّد في اجتماع مع صحافيين أتراك وسوريين “أنّ رواية المُهاجرين والأنصار” التي كان يطرحها حزب العدالة والتنمية كشعارٍ بدأت تنتهي، والتحدّيات كبيرة، أمّا وزير الداخليّة سليمان صويلو فقال في لقاءٍ صحافي آخر بأنّ وزارته ستتمسّك بإجراءاتها بإعادة السوريين إلى المناطق التي جاءوا منها إلى إسطنبول، وإغلاق كل المحلّات التي لا تملك ترخيصًا قانونيًّا، وضبط العَمالة.

أكرم داوود أوغلو عُمدة إسطنبول قال إنّه بات يشعُر بالانزعاج من اللافتات التي ترفعها بعض المحلات باللغة العربيّة، وسيُطالب بإزالتها جميعًا بالإقناع، أو بالقوّة إذا لزِمَ الأمر.

باختصارٍ شديد، يُمكن القول أنّ شهر العسل التركي الرسميّ والشعبيّ للاجئين السوريين في تركيا التي كانت تفتخر بأنّها الحاضنة الأكثر دفئًا بالنّسبة لهم، قد أوشك على الانتهاء، إن لم يكُن قد انتهى فعلًا، مع فشل كُل رهانات حزب العدالة والتنمية الحاكم على إسقاط النظام السوري.

اللاجئون السوريون كانوا ضحيّة هذه الرّهانات، واستُخدِموا كورقة مُساومة سياسيّة لا أكثر ولا أقل، والآن حان وقت الرّحيل وسواء بالعودة إلى بلادهم، وهذا الخِيار الأكثر منطقيّة، وإن كان صعب التّطبيق حاليًّا بسبب حالة الدمار النّاجمة عن الحرب، والحِصار الاقتصادي العربي والأمريكي على سورية، أو الرحيل إلى أوروبا طلبًا للجوء، ولكن الأبواب لم تعُد مفتوحةً على مِصراعيها في هذا الصّدد، فالجميع أدار ظهره لهُم للأسف، بِما في ذلك حُلفاؤهم العرب.

المُعارضة السوريّة المُقيمة في إسطنبول تُواجه انتقادات شرسة من قبل مُعظم اللاجئين الذين يتّهمونها بالتخلّي عنهم، ولم يبذُل الائتلاف الوطني السوري، التّنظيم الأكثر دورًا فاعِلًا في تخفيف مُعاناة هؤلاء، ووقف عمليّات ترحليهم، وتشتيت أُسرهم، بحُكم علاقاته مع حزب العدالة والتنمية، حسب أقوال بعض هؤلاء اللاجئين، والأهم من ذلك أنّ من بين هؤلاء من يتّهم قيادات هذا الائتلاف بالثّراء والحُصول على جنسيّات تركيّة وتركهم، أيّ اللاجئين، يُواجهون مصيرهم الغامِض لوحدهم.

“رأي اليوم”