وهناك آيات تحثّ على الإقراض وتناشد المؤمن بصيغة الاستفهام لتحرّك أريحيّته وتملأ قلبه بالعطف على المعوزين ابتغاءً لمرضاة الله، كما في قوله تعالى: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً...)[1]، وقوله عزّ من قائل: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ)[2].
ولا يخفى أنّ نسبة الشيء إلى الله تعالىٰ دليل على تعظيمه، فلا ينسب شيء إليه عزّ وجل إلاّ للتعظيم، كما يقال: رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وولي الله (عليه السلام)، وبيت الله، ونحوها.
ويظهر من النصوص الدينية أن القرض أكثر ثواباً من الصدقة.
قال الإمام الصادق (عليه السلام): «لأن أقرض قرضاً أحبّ إليّ من أن أصّدّق بمثله»[3]. ومردّ ذلك للثواب الكبير الذي يحصل عليه المقرض.
فالقرض هو النافذة المفتوحة أمام من ضاقت به السُبل، وهو الفضاء المتسع لمن أراد الثواب، عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): « من أقرض ملهوفاً فأحسن طلبته، استأنف العمل، وأعطاه الله بكلّ درهم ألف قنطار من الجنّة»[4].
وعن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «من أقرض رجلاً قرضاً إلى ميسرة، كان ماله في زكاة، وكان هو في الصّلاة مع الملائكة حتّى يقضيه»[5].
ولعظمة ثواب القرض، فقد وصف في بعض الأحاديث الشريفة بأنّه غنيمة، قال الإمام الصادق (عليه السلام): «قرض المؤمن غنيمة وتعجيل أجر، إن أيسر قضاك، وإن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة»[6].
وقد قام أئمة أهل البيت بوظيفتهم التكافلية خير قيام على الرغم من ترّبص السلطات الحاكمة بهم، وسعيها للحيلولة دون إيصال الحقوق الشرعية إليهم بشتى السُبل والوسائل. ومع كل ذلك فقد رفدوا المحتاجين والمعسرين بما يحتاجون إليه، واضطلعوا بوظيفة التكافل في أكثر من اتجاه وعلى أكثر من صعيد.
روي أنّه: «جاء رجل إلى أبي عبدالله (عليه السلام) فقال له: يا أبا عبدالله، قرض إلى ميسرة، فقال له أبو عبدالله (عليه السلام): إلى غلّة تدرك؟ فقال الرجل: لا والله، قال: فإلى تجارة تؤبُّ؟ قال: لا والله، قال: فإلى عقدة تباع؟ فقال: لا والله. فقال أبو عبدالله (عليه السلام): فأنت ممّن جعل الله له في أموالنا حقّاً ثمّ دعا بكيس فيه دراهم فأدخل يده فيه، فناوله منه قبضه، ثمّ قال له: أتّق الله ولا تسرف ولا تقتر، ولكن بين ذلك قواماً....»[7].
وقد ورد في الشريعة التأكيد على جزيل الثواب لمن يقرض المعسرين من جانب، ومن جانب آخر نجد حثاً على إنظار المعسرين بعد إقراضهم، فهنا ترغيب آخر للمقرض بأن عليه أن يُنظر المعسر الذي أقرضه، وأن يمهله حتى تمكنه الظروف من تسديد دينه، وفي هذا الإمهال ـ أيضاً ـ ثوابٌ جزيل.
عن النبي (صلى الله عليه وآله): «من أنظر معسراً كان له على الله عزّ وجلّ في كلّ يوم صدقة، بمثل ماله حتى يستوفيه»[8].
ومن جهة التحذير أو الإنذار الذي يسير في خطّ متوازٍ مع الترغيب، حذّرت الشريعة من نذر الشؤم لكل من يحجم عن إسعاف إخوانه مع قدرته على ذلك، قال الرسول (صلى الله عليه وآله) في معرض التحذير: «من احتاج إليه أخوه المسلم في قرض وهو يقدر عليه فلم يفعل، حرّم الله عليه ريح الجنّة»[9].
التكافل الاجتماعي في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)
---------------
[1] سورة البقرة: 2 / 245.
[2] سورة الحديد: 57 / 11.
[3] ثواب الأعمال: 167 / 4.
[4] ثواب الأعمال: 341 / 1.
[5] الكافي 3: 558 / 3، باب القرض أنه حِمى الزكاة من كتاب الزكاة.
[6] الكافي 3: 558 / 1، باب القرض أنه حِمى الزكاة من كتاب الزكاة.
[7] الكافي 3: 501 / 14 باب قرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق، من كتاب الزكاة.
[8] الكافي 4: 35 / 4، باب إنظار المعسر، من أبواب الزكاة.
[9] من لا يحضره الفقيه 4: 15.