من تقصد الآية المباركه ﴿جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ﴾؟

السبت 1 يونيو 2019 - 09:31 بتوقيت غرينتش
من تقصد الآية المباركه ﴿جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ﴾؟

المسألة: من المقصود بالاسم الموصول (مَن) في قوله تعالى: ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ﴾(1) وما هو المراد من الآية المباركة؟

 

 

الجواب:

المقصود مِن التي ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ هي سفينةُ نوح (ع) بقرينة قوله تعالى: ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾(2) وهي السفينة، فهي تجري فوق مياه الطوفان بحفظ الله تعالى ورعايته، وهذا الحفظ وهذه الرعاية - التي انتهت بنجاة نوحٍ ومن معه من الغَرَق - كانت جزاءً وثوابًا لنوح (ع) الذي كَفر به قومُه وجحدوا بنبوَّته، فالمقصود من الاسم الموصول في قوله: ﴿لِمَنْ كَانَ كُفِرَ﴾ هو نوحٌ المكفور به أي بنبوَّته ودعوته، فإلإنجاءُ من الغرق كان جزاءً لنوحٍ الذي كُفر به أي كان جزاءً لمَن جُحِدَت نبوَّته وهو نوح (ع). فالمكفور به بناءً على هذا التفسير هو نبوَّة نوحٍ ودعوتُه، إذ لا معنى لكون المكفور به هو ذات نوح (ع).

 

وثمة بيانٌ آخر لمعنى الآية وهو أنَّ الإنجاء من الغرق كان جزاءً لنوح الذي كان بمثابة النعمة المكفورة أي المجحودة، فوصفُ نوح (ع) بالذي كُفر - أي بالمكفور - فيه إشارةٌ إلى تشبيهه بالنعمة الإلهيَّة المكفورة والمجحودة من قِبَل قومه، فالآيةُ لم تصف نوحًا بالنعمة ولكن جاءت بشيءٍ من لوازم تشبيهه بالنعمة على سبيل الإستعارة المكنيَّة كما يُقال عندي كتابٌ أستضيءُ به، فإنَّ معنى ذلك هو تشبيهُ الكتاب بالمصباح، فالمتكلِّم وإنْ لم يصرِّح بتشبيه الكتاب بالمصباح ولكنَّه وصف الكتاب بشيءٍ من لوازم المصباح وهو الاستضاءة، كذلك الحال في الآية فهي وإنْ لم تصرِّح بتشبيه نوح (ع) بالنعمة ولكنَّها وصفته بشيءٍ من لوازم النعمة، فالذي يُوصف بالمكفور والمشكور هي النعمة، فيقال نعمةٌ مكفورة ونعمةٌ مشكورة، ويقال شكرُ النعمة وكفرانُها أي جحودها، فحين يُوصف نوح بالذي كُفر أي بالمكفور فمعنى ذلك تشبيهه بالنعمة المكفورة فكأنَّه قال نوح النعمة الإلهيَّة المكفورة. فيكون مفاد الآية أنَّ الإنجاء من الغرق كان جزاءً لنوح الموصوف بالنعمة الإلهية المكفورة أي التي كُفر بها من قِبَل قومه. فالمراد من الاسم الموصول على التفسيرين هو نوح (ع) ومعنى الآية أنَّ الإنجاء من الغرق كان ثوابًا وجزاءً لنوح الذي كٌفر بنبوَّته ودعوته بناءً على التفسير الأول أو كُفر به بوصفه نعمة إلهيَّة بناءً على التفسير الثاني، فنوحٌ (ع) نعمةٌ إلهية جحدها قومُه ولم يؤدُّوا شكرها.

 

 

كلُّ ذلك بناءً على أنَّ الفعل (كُفر) مبنيٌ للمفعول أي مبنيٌ للمجهول كما هو المرسوم في المصحف الشريف وكما هي القراءة المعروفة للآية الشريفة، وأمَّا بناءً على أنَّ الفعل (كَفر) مبنيٌ للفاعل أي مبنيٌ للمعلوم - لتكون الآية جزاءً لمَن كان كَفر بفتح الكاف - فإنَّه بناءً على هذا الإحتمال يكون معنى الآية مختلفًا، فمفادُها بناءً عليه هو أنَّ الهلاك بالغرق كان جزاءً للذي كفر من قوم نوح، فالمرادُ من الاسم الموصول هم قوم نوح الذين كفروا. ولكنَّ هذا المعنى مخالفٌ لمساق الآية، فالآيةُ تتحدَّث عن أنَّ الله تعالى حمَل نوحًا في السفينة وأجراها تحت عينِه ورعايته وحفظه، فهي تتحدَّث عن امتنان الله على نوحٍ بأنْ نجَّاه من الغرق ثم قالت الآية إنَّ هذا الإنجاء كان جزاءً، فلا يصحُّ أنْ يكون جزاءً للكافرين وإنَّما هو جزاءٌ لمَن كُفر به وهو نوح (ع).

فيكون مفادُ الآية مشابهًا لقوله تعالى في سورة الصافات: ﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾(3) إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾(4) فالنجاة في هذه الآية وفي الآية من سورة القمر كانت جزاءً لنوح المُحسن والمكفور به من قِبَل قومِه.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الكاتب : الشيخ محمد صنقور