فعلا إذا أقدمت السعودية على إعدامهم فهي بذلك تعدم فكرا معتدلا طالما كان يمثل الوسطية فجأة من أجل تغريدة تحمل الدعوة إلى لمّ الشمل ونبذ الفرقة والتشتت، أو من أجل فكرة قالها أو طرحها دون أن يفرضها على أحد أو يجر كالشاة إلى المقصلة، أكذا نعامل علماءنا ونحترم مفكّرينا؟ أهكذا نصادر فكرهم مهما اختلفوا معنا؟ أهكذا يصادر الفكر الإسلامي المعتدل في السعودية؟
وما الذي فعله الداعية عوض القرني، إنه داعية عُرف عنه عداؤه الشديد للحداثة من خلال كتابه "الحداثة في ميزان الإسلام" الذي أحدث ضجة كبيرة في الأوساط الفكرية السعودية آنذاك، وساهم بفكره ومن خلال محاضراته ودروسه ومقالاته في نصرة القضايا الإسلامية أبرزها القضية الفلسطينية، فهل هذا كاف لتقديم الرجل إلى حبل المشنقة وإعدامه، أم أن القضاء السعودي له رأي خاص.
وماذا قال الداعية الشاب علي العمري حتى يُعتقل ويُحكم عليه بالإعدام، هل لأنه من الشباب الذين حفظوا القرآن الكريم بإتقان، وألفوا في قضايا الشباب والدعوة والإيمانيات؟ أو لأنه اهتم بقضايا الشريعة والفقه؟ أو لشغله المناصب المتعددة والكثيرة في المملكة العربية السعودية ألهذا حُكم على العمري بالإعدام؟ وإلى هذا الحدّ يصادر الفكر المعتدل في السعودية؟
لم نسمع في تاريخ السعودية أنها أعدمت رجل دين، حتى في عهد كانت مصر تعدم سيد قطب لأفكاره الثورية، رغم أن السعودية كانت تميل إلى فكره وتعتبره مجاهدا كبيرا استشهد وهو يقول الحق، ولم تنفع اتصالات وتدخلات العديد من الزعماء بمن فيهم الملك فيصل ملك السعودية، والمفكرين والشخصيات والهيئات العربية والإسلامية في إثناء الرئيس المصري عبد الناصر عن إعدامه، الذي نفذ في 29 أغسطس 1966، فقد كانت السعودية تنشر كتبه وعلى رأسها كتاب "معالم في الطريق" وكانت مؤلفاته وأفكاره محل الرواج والقبول في المملكة العربية السعودية، واليوم وبعد النكسة التي ألمّت بها صار سيد قطب من ألد أعدائها فسحبت كتبه واتهمته بأنه كان إرهابيا حتى قال فيه أحد الوزراء السعوديين "كان إرهابيا كبيرا، ولا يمتلك ذائقة أدبية" وغير ذلك من الاتهامات.
هذا النهج الجديد الذي تسير عليه السعودية في عداء جميع الدعاة والمفكرين، وزجّهم في السجون وإعدامهم لإسكات أصواتهم وإرهاب من يأتي بعدهم يحمل فكرهم، لن يقضي على هذا الفكر بل سيتواصل في التوالد وربما سيسرع ويتسارع بعد أن صرّحت السعودية بأنها ستعدم فكرهم وتصادر آراءهم وهي بذلك تقضي على حرية التعبير المكفولة في كل دول العالم، فما قيمة أمّة تزدري علماءها وتعدم خيارها، وما قيمة الدولة التي لا تحترم مفكريها ودعاتها؟
الغريب في الأمر والمحزن أن منظمات حقوق الإنسان التي تدافع عن السعوديات الثلاث الناشطات والحقوقيات ومنهن لجين هذلول لم تصدر أي بيان إدانة في حق هذا الحكم الجائر في حق الدعاة الثلاثة الذين سيواجهون الإعدام بعد شهر رمضان، ولم تتحرك قوافل هذه الجمعيات صوب المملكة العربية السعودية كما فعلت مع الناشطات الحقوقيات، ترى لماذا؟ ولماذا لم تتحرك المنظمات الإسلامية والقنوات الإعلامية لإدانة هذه الأحكام ومطالبة السعودية بسحب الحكم، وإعادة النظر فيما تقوم به.
فهل يعيد التاريخ نفسه مع الفارق، هل انقلب الحال في السعودية، بعد أن كان في مصر أيام جمال عبد الناصر؟ هل مثّل الأمير محمد بن سلمان دور جمال عبد الناصر؟ وهل يكون الدعاة الثلاثة المحكوم عليهم بالإعدام شهداء الكلمة كما كان سيد قطب في ذلك الوقت؟ حرام على السعودية أن تعدم هؤلاء الرجال الثلاثة الذين أفنوا حياتهم للعلم والمعرفة، حرام على السعودية أن تشنق فكرها المعتدل، سيحاسبها التاريخ يوما أنها أقدمت على فعل شنيع، وستتذكر الأجيال القادمة هذا اليوم في التاريخ الذي سيعدم فيه خيار الرجال في السعودية.
فوزي بن حديد/الجزيرة