الأهم من ذلك أن الصحيفة أكدت على أن قمة عربية محدودة ستعقد على هامش قمة إسلامية في مدينة مكة المكرمة في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، مما يعني أن الحضور من الزعماء العرب الذين من المفترض أن يشاركوا في القمة، سيدشنون أول اجتماع رسمي، وعلى هذا المستوى، لحلف “الناتو العربي السني” للتحضير لأي حرب يمكن أن تشنها الولايات المتحدة وإسرائيل ضد إيران.
ربما يكون من السابق لأوانه بالنسبة إلينا معرفة الزعماء العرب المذكورين آنفا الذين سيحضرون القمة المصغرة، ولكن يمكن التكهن بأن قادة كل من السعودية والإمارات والبحرين والأردن، وربما الكويت وسلطنة عمان، سيكونون من بينهم، ونستثني الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لأن تقارير إخبارية غير رسمية أكدت أنه أبلغ الإدارة الأمريكية أثناء زيارته الأخيرة إلى واشنطن بعدم رغبة بلاده الانضمام إلى الحلف المذكور الذي تريد هذه الادارة تأسيسه لخوض الحرب ضد إيران، ولكننا وعلى ضوء تصريحاته الأخيرة التي أدلى بها بعد استقباله الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، وأكد فيها على “أن أمن الخليج(الفارسي) من أمن مصر” ولا نستبعد أن يكون قد غير رأيه في هذا المضمار، وهذا التغيير لن يكون مفاجئا على أي حال.
بعد الضربتين القويتين اللتين استهدفتا ناقلات نفطية قبالة ميناء الفجيرة الإماراتي على خليج عمان، ومضخات النفط في محطتين رئيسيتين بخط أنابيب شرق غرب السعودية (مترو لاين)، ازداد الموقف غموضا في الخليج الفارسي، فاية الله السيد علي خامنئي، قائد الثورة الاسلامية، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب أكدا أنهما لا يريدان الحرب ولا يسعيان إليها، إذا كان الحال كذلك فمن يريدها إذا؟
هناك ثلاث جهات تريد هذه الحرب، الأولى أمريكية: وتضم صقور الإدارة مثل مايك بومبيو، وزير الخارجية، وجون بولتون، مستشار الأمن القومي، وجاريد كوشنر، مستشار الرئيس وصهره، والثانية عربية: تضم العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، والثالثة: إسرائيل.
الحرب إذا انفجرت ستكون حتما إقليمية، بين إيران وحلفائها في محور المقاومة من ناحية، وامريكا وحلفائها العرب من ناحية ثانية، ولكن أخطارها ستكون عالمية، لأن مسرحها منطقة تشكل شريانا حياتيا رئيسيا للاقتصاد العالمي، لأن هذا الاقتصاد يعتمد كليا على غازها ونفطها، ومن المرجح أن معظم حقول الطاقة ستتعرض للدمار، جزئيا أو كليا، أو الغياب عن زبائنها في أفضل الأحوال، لأنها ستكون في مرمى الصواريخ إلايرانية حتما.
لا نشك مطلقا من أن إيران وحلفاءها يعرفون جيدا القدرات العسكرية الأمريكية الجبارة، ويدركون أيضا أنهم سيخوضون حربا ضد الدولة الأعظم حاليا، ولكن ما نشك فيه أن إدارة الرئيس ترامب في المقابل يسيء تقدير قوة إيران وحلفائها، والضرر الكبير الذي يمكن أن تلحقه ومحورها بها، وحاملات طائراتها وقواعدها، وقواتها البرية في حال إعادة انتشارها، ناهيك عن مصالح حلفائها العرب، ومدنهم واقتصادهم وشعوبهم، التي ستكون جميعا في مرمى نيران صواريخ وزوارق انتحارية، وربما يفيد التذكير بأن صدام حسين أشعل النار في 800 بئر نفط كويتي عشية سحب قواته، أحتاج الأمر إلى كل فرق الإطفاء في العالم للسيطرة على نيرانها وفي فترة زمنية امتدت لعام، فكيف سيكون الحال لو اشتعلت كل آبار نفط وغاز المنطقة دفعة واحدة؟
عقيدة ترامب التي تتمحور حوله استخدام كل وسائل التهديد بالقوة لإرهاب الخصم وإجباره على الهرولة إلى مائدة المفاوضات، والتجاوب مع الشروط الأمريكية الابتزازية انهارت في ثلاث دول، وهي فنزويلا وكوريا الشمالية والصين (الحرب التجارية)، والرابعة في الطريق، أي إيران.
العبارة المحورية التي تقف خلف هذا الانهيار، ويعجز ترامب عن فهمها هي “الكرامة الوطنية” لأنها غير موجودة في قاموسه وحلفائه، ولكنها متغلغلة في الإرث الحضاري والتكويني النفسي والثقافي لكل خصومه، سواء في إيران أو معظم الدول الإسلامية والعربية التي تقف في مقابل الخندقين الأمريكي والإسرائيلي.
الحرب مع إيران ستكون مختلفة عن كل الحروب السابقة لأنها تمتلك قدرات عسكرية هائلة، واستعدت لهذه الحرب جيدا، واستفادت مما حدث للعراق وليبيا من غزو وعدوان أمريكيين، وما هو أهم من ذلك أن لها شبكة قوية من الحلفاء العقائديين، وليس المشترين بالمال، ومثلما هزمت أمريكا في سورية، وكلفتها وحلفائها أكثر من 150 مليار دولار على الأقل، فإنها ستدمي أنفها في أي حرب قادمة.. والأيام بيننا.
بقلم:عبد الباري عطوان
المصدر:راي اليوم