سنوات قليلة قبل قيام الثورة الإسلامية في إيران خاض العرب القدماء آخر حروبهم مع الكيان الصهيوني عام 1973.
يعرف العرب ألا مجال أمامهم لتحقيق انتصار حاسم في حروب تقليدية مقابل عدو تضمن له القوى الكبرى أن يبقى متفوقا عليهم في العدة وسيبقى الحال كذلك لو بقيت المواجهة في الأطر التقليدية، دبابات مقابل دبابات وطائرات مقابل طائرات وربما كان هذا هو ما دفع السادات لإعلان أن حرب أكتوبر آخر الحروب!!.
منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران تغيرت تماما صيغة الحروب وهو ما مكن المقاومة الإسلامية في لبنان من طرد الصهاينة من لبنان والصمود أمامهم في حرب العام 2006 دون امتلاك غطاء جوي ودون أن يتمكن اليهود من فرض شروطهم كما هو دأبهم في حروبهم السابقة.
تغيرت أساليب القتال ووسائله ولم يعد الطيران سلاحا يحسم الحروب حيث ظهر للمرة الأولى أن ثمة إمكانية للصمود ورفض الإذعان للهزيمة طالما كان هناك عزيمة وإصرار على خوض حروب طويلة فلا حاجة لوساطة كيسنجر أو غيره لإبرام اتفاق فك اشتباك كما حدث في حرب 1973.
لا نقلل من قيمة المقاتل المصري أو العراقي بل ننبه إلى ضرورة تطوير أساليب المواجهة في عالم تغير وسيتغير فيه كل شيء.
صمد هؤلاء اتكاء على عقيدة قتالية جديدة قديمة هي عقيدة أبي الأحرار الحسين عليه السلام وهي عقيدة قامت على كلمتين (هيهات منا الذلة).
يرفض العرب القدماء القبول بأن ثمة جيل جديد من المقاتلين اصحاب عقيدة استشهادية وليس انتحارية ومن الطبيعي أن يعتريهم الخوف والقلق لعدم رغبتهم وليس عدم قدرتهم على التكيف مع الواقع الجديد.
منذ أربعين عاما لا يكف القوم عن التحذير من أطماع إيران التوسعية ورغبتها في الهيمنة وكأن إيران بِدعٌ من الدول حيث يتبارى الجميع في توسيع نفوذهم وإلا فليخبرني أحدهم ماذا تصنع تلك الدول الميكروسكوبية، قطر وجارتها الإمارات في ليبيا واليمن؟!.
التنافس والتزاحم بين الدول قديم قدم التاريخ ولا يمكن الاعتماد على الحرب دوما كوسيلة لحسم هذا التنازع.
الغريب في الأمر أن أعداء إيران من العرب القدماء يرفضون (التمدد الإيراني) ويحتمون بالتمدد الأمريكي وقبله الإنجليزي أي أنهم ليسوا أنصارا للحرية والاستقلال ولا من رافضي التبعية أو رافعي شعار لا شرقية ولا غربية فغايتهم الوحيدة هو القضاء على النفوذ الإيراني والأمر على طريقة (ليس حبا في معاوية بل بغضا في علي)!!.
تغير العالم فعلا وإلا فليفسر لنا أحدهم صمود المقاتل اليمني في مواجهة تحالف (عربي) تسانده أمريكا وأوروبا وتمده بأحدث أنواع السلاح.
ليس فقط تغيرت طبيعة الحروب بل طبيعة التفكير واصبح الحفاظ على معادلات النفوذ القديمة ضربا من المحال ونحن هنا لا نتحدث فقط عن العلاقة بين العرب وإيران بل بين العرب أنفسهم ويمكننا أن نزعم أن التصعيد الأخير الذي شهدته المنطقة والذي لم يتمكن الأمريكي الهائج من حسمه لصالحه، لا يبشر العرب القدماء بخير على الإطلاق.
وحتى بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أن الصراع لن ينتهي بمنتصر فالشيء الذي نعتقده أن الأمريكي لم يعد قادرا على فرض إرادته على الدنيا بأسرها بدءا من كوبا وفنزويلا وصولا إلى اليمن وسوريا وليس من المستبعد أن يرى عرب الخليج الذين تصوروا أن الاتكاء على أمريكا والتحالف مع إسرائيل سيمنحهم حماية مستدامة، أنفسهم قريبا في العراء.
فالحرب صبر ساعة (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ).
أفضل من عبر عن عقلية العرب القدماء كان مرشد الإخوان الذي قال (الإخوان لا يخطئون ولا يعتذرون) وكذا سائر العرب!!.
دكتور أحمد راسم النفيس