ومن هنا، فإننا نستطيع أن نقول إنّه كما الصّلاة تدفعك إلى أن تؤصِّل الرّفض في نفسك للفحشاء والمنكر، فإنَّ الصّوم يدفعك إلى أن تحرِّك إرادتك في رفض كلّ ما لا يريده الله سبحانه وتعالى، وبذلك كان الصّوم حركةً في الإنسان من خلال هذا الخضوع الإرادي لله سبحانه وتعالى، ولذلك كان الصوم عبادة صامتة، لا يتحرك فيها شيء في جسدك، ولا يتحرّك فيها أيّ تعبير في لسانك.
فدور الصوم هو في أن يبقى في عمق إرادتك وفي عمق إحساسك وشعورك، وذلك بأن تكون بالصّوم الإنسان الرّافض، فالصّوم هو حركة رفض، في الوقت الّذي تتوجّه في نفسك إلى القبول.
ومن هنا، فقد نعيش الصَّوم في هذه المفردات، وربما ننحرف في ممارستنا له، بأن نطوِّق هذا الرّفض في السحور وفي الفطور بنحوٍ لا يحقِّق شيئاً، فيما نستعدّ له من مآكل قبل أن نصوم وبعد أن نصوم، كأنّنا نثأر من الرّفض، على طريقة الحيل الشرعيّة التي تجعل الإنسان يضعف إرادته في مقدّمة الصّوم وفي نهايته، فيما المطلوب من الصَّوم أن تكون إنساناً رافضاً لكلّ ما حرَّمه الله، لأنَّ هناك الصّوم الصّغير الذي هو مقدّمة للصوم الكبير، فإذا كان الله قد حرّم علينا أن نأكل أو نشرب أو نستمتع بما نستمتع به في هذا الوقت المعيَّن، فلقد أرادنا أن نصوم في كلّ عمرنا عمّا حرَّمه من مآكل ومشارب ولذَّات وما إلى ذلك.
العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
*من كتاب "النَّدوة ،ج4".