مواصفات الشخصية المهدوية

الأربعاء 24 إبريل 2019 - 07:22 بتوقيت غرينتش
مواصفات الشخصية المهدوية

أفكار ورؤى – الكوثر: إنّ ذكرى مولد المهدي المنتظر (عجل الله له الفرج) هي ذكرى المنقذ والمخلص الذي تتطلع إليه الإنسانية جمعاء بقلوبها الوالهة والمتعطشة إلى من يروي ظمأها، ولذا فهو مهوى القلوب وأنيس النفوس.

 

وعقيدة المهدوية التي نؤمن بها تعني أنّه لا بدّ للبشرية من مخلصٍ يظهر ذات يوم ليشكل ظهوره انعطافة كبرى في التاريخ البشري، حيث يضع حداً لمسلسل القهر والظلم، ويعمل على نشر العدل والقيم والأخلاق على وجه البسيطة. وهذه العقيدة، ليس المسلمون وحدهم من يؤمن بها، ولا الشيعة وحدهم، فالمسيحيون أيضاً يؤمنون بفكرة المخلص واليهود أيضاً يؤمنون بهذه الفكرة، والبوذيون كذلك؛ كل الناس يتطلعون إلى يومٍ يظهر فيه شخص أو خط يكون محققاً للآمال. وفي ضوء ذلك يمكننا القول:

 

إنّ عقيدة المهدوية هي عقيدة الأمل، والتي تجعل الإنسان يعيش حالة من الأمل في المستقبل والأمل في الحياة، وبوحي هذا الأمل عاش الكثيرون من المظلومين على مرّ التاريخ، عاشوا على أساس هذه العقيدة، فأعطتهم الحياة وأعطتهم العزيمة وأعطتهم القوة.

 

ومن الطبيعي أن الأسئلة تترى، فمن هو هذا القائد الذي تتطلع إليه القلوب وتشخص إليه الأبصار؟ ما هو مشروعه؟ كيف لنا أن نساهم في هذا المشروع وفي التمهيد له؟ ما هي وظيفتنا في هذه المرحلة؟ منْ هم المهدويون حقاً؟ ما هي أهم صفاتهم؟ وما هي خصائص شخصيتهم؟

 

وحيث لا يتسع المجال للإجابة على كل هذه الأسئلة، فإني أقصر الكلام في الإجابة على السؤال الأخير حول خصائص ومواصفات الشخصية المهدوية. فمن هم المهدويون ؟ وما هي أهم سماتهم؟

 

السمة الأولى: الشخصية القرآنية

 

إنّ الشخصيّة المهدويّة هي شخصية قرآنيّة بامتياز، فهي تتلو القرآن تلاوة تنفذ إلى أعماق القلوب لتطهرها من الغل والحقد، ولا تقف على اللسان، وتتدبر في آياته وتستهديه في كل حياتها، وتبني فكرها ومفاهيمها ورؤاها من وحي القرآن، وكذلك تهذب نفسها وتصقل روحها وتشحذ عاطفتها على ضوء القرآن، وكذلك تكون خطواتها وعلاقاتها وحركتها في هذه الحياة مبنية على أساس تعاليم القرآن. باختصار: إن القرآن عند المهدوي هو منهج حياة في الفكر وفي الروح وفي السلوك. فهو لا يتلو القرآن تلاوة ميتة فاقدة الروح - كما أخبرنا رسول الله عن جماعة يأتون في آخر الزمان وأنهم يقرأون القرآن لا يجوز تراقيهم[2] - بل تلاوة مفعمة بالحيوية، فروحه ترتوي من نمير الآيات قبل أن يتلفظ بها لسانه، وقلبه ينبض بعبق القرآن قبل أن تهتز لسماع آياته أذنه، وأخلاقه تتزين بهدي القرآن قبل أن يزين به جدران بيته. 

 

السمة الثانية: الانتظار في ميدان العمل

 

في الحديث عن رسول الله (ص):"أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج"[3].

 

المهدوي هو إنسان يتطلع دون شك إلى ظهور المهدي المنتظر وإلى أن يكحل ناظريه بالطلة الرشيدة والغرّة الحميدة، ولكنه ينتظره في الميدان وليس في الصوامع، ينتظره في خطوط الجهاد ضد أعداء الأمة وليس في مراتع اللهو، ينتظره وهو مرابط في ميادين العلم والمعرفة وليس في مستنقعات الجهل والأمية، ينتظره انتظار من قلبه مفعم بالأمل وحياته مملوءة بالعمل.

 

الشخصية المهدوية هي شخصية عاملة، وليست شخصيّة يملأ الفراغ والتكاسل حياتها؛ لا يمكن أن تكون مع المهدي وأنت شخص عطال بطال، والعمل عند الإنسان المهدوي لا يكون إلا عن تخطيط وتدبير، وليس عن انفعال أو ارتجال. فالعمل المثمر هو العمل الذي يسبقه التخطيط والذي يرافقه الإتقان والإحكام، فإنّ - وكما قال رسول الله (ص) - " الله تعالى يحب أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه"[4].

 

وعليه، فالتمهيد للإمام (عج) إنما يكون بالعلم والعمل، بالكد والسهر، وليس بالنوم والكسل.

 

السمة الثالثة: السعي في بناء مجتمع العدل

 

إنّ مشروع المهدي (عجل الله فرجه ) ليس كما يصوره البعض جهلاً أو تشويهاً بأنّه مشروع القتل والسيف والذبح وجزّ الرقاب، كلا، فهذا أكبر تشويهٍ لصورة هذا المشروع ولشخص المهدي نفسه (عج). مشروع المهدي ليس انتقامياً وإنما مشروعٌ إنساني، وهو يحمل راية الدفاع عن المستضعفين والمعذبين في الأرض كما جاء في إشارة القرآن إلى دولته، قال تعالى: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين} [القصص-5]، فهو المدافع عن المستضعفين، أياً كانت أديانهم وألوانهم وأعراقهم؛ ولذا فالمهدي ليس للشيعة فقط ولا للمسلمين فحسب، بل لكل المعذَبين على امتداد المعمورة، وهذا رسول الله (ص) عندما بشّر بالمهدي فقد قدّمه على هذا الأساس، يقول (ص) فيما روي عنه: "لولا لم يبق من هذه الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم ليخرج رجلٌ من ولدي يواطئ اسمه اسمي ليملأها.. ( ليملأ الأرض، بماذا يملأها؟ هل يملأها دماً وقتلاً، كما كان البعض يردد ذات يوم، حيث يقول: "لنغطي وجه الأرض دماً"؟ كلا، مشروع المهدي ليس أن يغطي وجه الأرض دماً، بل أن يغطي وجه الأرض أمناً وسلاماً وعدلاً، لأنّ الإنسان يحتاج إلى الأمن ويفتش عن السلام ويتطلع إلى العدل) .. ليملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً"[5]. إذاً مشروعه (عج) مشروع العدل، وهذا ليس مشروعاً مذهبياً ولا طائفياً، إنه مشروع إنساني؛ لذا فمن المؤكد أنّ الإنسانية في غالبيتها ستنخرط في هذا المشروع، لأنها متعطشة للعدل، وهي تنتظره بشوق ولهفة كانتظار الأرض العطشى للماء الذي يبعث فيها الحياة. إنّ البشرية لا يمكن أن تعيش أو تحيا حياة هانئة بدون العدل، وهي تتطلع من أعماق وجدانها إلى من يبسط العدل على ربوع الأرض، ويرفع الظلم والاستضعاف، ويمنع التعدي والعدوان على الإنسان والحيوان والبيئة برمتها، "بالعدل قامت السماوات والأرض"[6].

 

هذا هو مشروعه (عج)، ومن هنا كان المهدي محقق حلم الأنبياء (ع)؛ لأنّ شعار الأنبياء (ع) وهدفهم جميعاً هو إحقاق الحق وإقامة العدل، قال تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأرسلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط}[الحديد-25]. وقد جاء في بعض الأحاديث المعتبرة عن أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) قال: إن الله عز وجل أوحى إلى نبي من أنبيائه في مملكة جبار من الجبارين أن ائت هذا الجبار فقل له : إنني لم أستعملك على سفك الدماء واتخاذ الأموال وإنما استعملتك لتكفّ عني أصوات المظلومين، فاني لم أدع ظلامتهم وإن كانوا كفاراً"[7]. انظروا وتأملوا في قوله "فإني لم أدع ظلامتهم وإن كانوا كفاراً"، فالله لا يقبل بالظلم حتى لمن يكفر به ويجحد بربويته! إنّ الظلم لا دين له، والمظلوم أيضاً لا دين له، فلا تنظر إلى هوية الظالم الدينية، فليس هناك ظالم مسلم وظالم مسيحي وعلماني، وليس هناك ظالم شيعي وظالم سني، لا فرق بين ظلم محمد رضا بهلوي وبين ظلم صدام حسين، الظلم ملةٌ واحدة، والظالمون أهل دين واحد وهو دين الظلم وهذا هو أعظم الكفر، { والكافرون هم الظالمون } [البقرة-254]، والأنبياء والرسل (ع) براء من دين الظلم، لأنهم دعاة قسط ورسل عدل، وهكذا ليس للمظلوم هوية دينية، وعليك أن تقف إلى جانب المظلوم ولو كان كافراً، هذه فكرة المهدوية، وهكذا نفهم رسالته، إنها رسالة ذاك الشخص الذي يأتي ليحمل هموم الناس وأوجاع المستضعفين ولينشر راية العدل على وجه البسيطة.

 

وفي ضوء ذلك نقول: إنّ البعض منا يتخيل أنّ العلاقة بالمهدي تختصر بزيارة المهدي (عج) وبالقيام عند ذكر اسمه المبارك، وبكثرة الدعاء إلى الله تعالى بتعجيل الفرج، وبعضنا ينادي صبحاً وعشياً "يا مهدي عجل على ظهورك"، ويحمل راية المهدي، ويسمي ابنه باسم "مهدي"، متوهماً أنّه بذلك قد أدى قسطه للعلى! كلا وألف كلا، ليس بذلك تكون مهدوياً ولا علوياً ولا محمدياً ولا قرآنياً، وإنما تكون مهدوياً بالأفعال لا بالأقوال والشعارات. والكثيرون يتطلعون وينشغلون بما يسمى علامات الظهور ويحدقون فيها وينشغلون بها ليلهم ونهارهم: هل ظهر السفياني في الشام أم لا ؟ هل ظهر اليماني أم لا ؟ هل ظهر الخراساني في إيران؟ هل وهل؟ إلى غير ذلك من العلامات المفترضة التي ننشغل بها. ونحن نحدق إلى هذه العلامات، وهذا الأمر ليس مذموماً ولا ممنوعاً، ولكني لا أعتقد أنه بمثل ذلك نقوم بمسؤولياتنا الدينية وواجبنا تجاه المهدي، ولا بذلك نكون في عداد المهدويين، إنّ الأجدى والأولى بل والمتعيّن - بدل أن نستغرق في التحديق بعلامات الظهور - أن نحدق في مقدمات الظهور وشروطه، وكيف نساهم في تهيئة الأرضية التي يستفيد منها المهدي لإقامة مشروع العدل؟ فالمهدي لن يخرج ليجترح المعجزات بعيداً عن الأنصار والتابعين والأعوان، إنّه سيستعين بأمة، تنخرط في مشروعه وتهيىء له الأرضيّة المناسبة والقاعدة الصلبة التي يقوم عليها مشروعه الإنساني، فأين مسؤوليتنا من تهيئة هذه الأرضية؟ تعالوا إذا أردتم الارتباط بالمهدي والتمهيد لمشروعه لنبني مجتمع العدل، ألم يكن شعاره وعنوان دعوته وهدف رسالته هو إقامة العدل، أين نحن من إقامة العدل؟ تعالوا نجرب بناءَ نموذجٍ لمجتمع مهدوي يسود فيه العدل في العلاقات الإنسانية، على المستوى السياسي، على المستوى الاقتصادي، وعلى المستوى الإنساني، عندئذٍ يمكن أن نكون من الممهدين للمهدي ومن أنصاره، وإذا وُفقنا بعد ذلك لنكون من أهل دولته الكريمة فنكون قد نلنا المنى، وإلا فحسبنا أننا نكون قد شاركنا وساهمنا في التهيئة وفي التمهيد والإعانة والمساعدة في هذا المشروع.

 

 بكلمة أخرى: كلما اقتربنا في حياتنا وعلاقاتنا من العدل أكثر، اقترب منا المهدي (عج) واقتربنا منه أكثر، وكلما اقتربنا من الظلم خطوة ابتعد عنا المهدي (عج) خطوات. وكلما ابتعدنا عن العدل ومارسنا الظلم في بيوتنا مع زوجاتنا وأولادنا مع جيراننا مع أهل بلدنا مع أي إنسان كان، كلما مارسنا الظلم أكثر كلما ابتعدنا عن المهدي أكثر، حتى لو كنا نحمل شعاره واسمه ورايته، فالمسألة في العلاقة مع المهدي ليست مسألة عواطف ومشاعر، المسألة مسألة قيم واتباع وسلوك، { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } [آل عمران-31]، والمسألة أيضاً في العلاقة معه (عج) هي بالانخراط في مشروعه. فتعالوا نتنادى في كل العالم إلى تشكيل جبهة العدل لمواجهة جبهة الظلم، وسوف نجد أن غالبية بني الإنسان سوف ينخرطون في هذه الجبهة إذا أحسنا تقديمها ضمن رؤية واضحة وخطة متماسكة.

 

إنّ مشكلتنا على الدوام أنّنا نريد لعلاقتنا مع المثل الأعلى أن تكون علاقةً شخصية وذاتية وليست علاقة مبدئية ورسالية، العلاقة الشخصية لا تجدي نفعاً؛ لأنّ الأنبياء والرسل (ع) ليس لديهم مشاريع شخصية، لديهم مشاريع رسالية وإنسانية، فكلما اقتربنا من رسالتهم أكثر كلما اقتربنا من شخصهم أكثر، وبقدر قربك من المبادئ الإسلامية تكون علاقتك بالمهدي قريبة، وهكذا تكون علاقتنا بالله تعالى، وهكذا تكون علاقتنا بالنبي (ص)، بأن نقترب من دينه، من أخلاقه من مشروعه.

 

السمة الرابعة: المبدئية والالتزام الأخلاقي

 

عن الإمام الصادق (ع) قال: "من سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر ، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه ، فجدوا وانتظروا ، هنيئا لكم أيتها العصابة المرحومة"[8].

 

إنّ المهدويين أصحاب التزام عملي، هم أصحاب سلوك وأخلاق، الشخصية المهدوية شخصية تتسم بالنزاهة والاستقامة، فأين الأخلاق فينا؟ أتحدّث عن الأخلاق الإنسانية الإسلامية، عن الصدق والأمانة، عن التراحم والتعاطف، عن الحشمة والحياء والعفة، عن توقير الوالدين؛ ألا ترون أننا في الكثير من مفاصل حياتنا نبتعد عن الأخلاق، وتغادرنا القيم شيئاً فشيئاً؟ حتى أصبحنا نرى مظاهر لم نكن نعرفها من ذي قبل، إنّنا نعيش تفلتاً أخلاقياً ذريعاً في مجتمعاتنا.. هذا ليس مجتمعاً يمهّد للمهدي، ولا يستطيع أحدٌ من أفراده أن يدعي ويقول أنا من المهدويين! المهدويون حقاً هم الذين يقتربون من رسالة الأخلاق، وهي رسالة محمد بن عبد الله (ص).

 

 والمهدي (عج) ليس صاحب مشروع خاص، فهو تابع لدين جده المصطفى (ص)، ودين جده له عنوان أساسي هو الأخلاق، "إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"[9].

 

 إذاً إنّ واحدة من أهم مواصفات الشخصية المهدوية أن يكون الفرد صاحب أخلاق، وإنساناً صالحاً "الشر منه مأمون"، هناك بعض الأشخاص في أيامنا يحمل أحدهم اسم الإسلام ولكن إذا نظرت إليه تخاف وترتعد فرائصك، هل هذا فعلاً مسلم؟ كلا، المؤمن والمسلم هو الذي يألفه الناس " الخير منه مأمول" هو الذي إذا رآه الناس تنشرح صدورهم وتنفتح قلوبهم له، وتتطلع آذانهم للاستماع إلى حديثه.

 

 الأخلاقية التي يتحلى بها المهدويون تجعل منهم أشخاصاً مبدئيين ويصرون على استخدام الأساليب النظيفة في العمل السياسي وفي مواجهة الأخصام السياسيين، ولا يستخدمون الأساليب المحرمة ولا القذرة بهدف إسقاط الخصم، ولا يتوسلون الحق والباطل في مواجهة الآخر. عندما تُطلق على خصمك إشاعة، وتتهمه بأنّه إمبريالي وصهيوني وأمريكي وما إلى ذلك من ألقاب، لأجل خلاف على مقعد اختياريٍ أو بلدي أو نيابي ، فلا تكون لائقاً بالمهدي أو الانتساب إلى مشروعه، لا يحقّ لك أن "تشيطن" خصمك وترميه بما ليس فيه، قال تعالى: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} [المائدة-8]. وهذا علي بن أبي طالب (ع) الذي قُتل بسيف الخوارج الذين أربكوا مشروعه وعاثوا في الأرض فساداً .. لكنْ ذلك لم يمنعه من أن يقول كلمة الحق فيهم: "لا تقاتلوا الخوارج بعدي فإنه ليس من طلب الحق فأخطاً كمن طلب الباطل فأدركه"[10]، إنّه يقول: هؤلاء جماعة طلبوا الحق فأخطأوا في الطريق، إنّه (ع) ينصفهم. ومن يتبع منهج علي والمهدي، لا يكون مع علي بن أبي طالب في العقيدة ومع معاوية في النهج السياسي، فيستخدم أساليب الدجل والخداع والتضليل. وإنّما عليه اتباع الإمام علي (ع) في العقيدة وفي السياسة وفي الأخلاق، وقد قالها الإمام الصادق (ع) وهو يقيّم حواراً أجراها بعض أصحابه مع رجل شامي وكان صاحب الإمام قد استعمل المغالطات في حواره مع الشامي فقال له (ع): " تمزج الحق مع الباطل وقليل الحق يكفي عن كثير الباطل"[11].

 

الصفة الخامسة: الشجاعة في مواجهة الفاسدين

 

والصفة الأخرى للمهدويين أنّهم يقفون مع الحق ولو كان مراً، وينتصرون للإصلاح. المهدويون ليسوا فاسدين ولا مفسدين، ولا يداهنون الفاسدين، ولا يغطون الفساد، من أدنى مستوياته إلى أعلاها، لا يمكن أن تكون مهدوياً وأنت تسكت على السرقة والفساد والهدر، من يغطّي على السارق فهو سارق مثلَه، ومن يغطي على الفاسد هو فاسد مثله، لأنه كما قال علي (ع): "الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم"[12]. وعندما نقرأ في زيارة الإمام الحسين( ع): " فلعن الله أمة قتلتك ولعن الله أمة ظلمتك ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به"[13]، فلا يمكنك أن تكتفي بالهتاف " يا لثارات الحسين "، أو أن تلبس السواد أو تذرف الدمع حزناً عليه، فإن بعض الذين قاتلوه ذرفوا الدمع حزنا عليه! بل لا بد أن تسأل نفسك أين أنت من مشروعه وخطه ومن أخلاقه؟ فلا يمكن أن تكون حسينياً وأنت تحمل أخلاق يزيد، أو أن تكون حسينياً وأن توالي الظالمين والفاسدين..

 

ولو تأملنا في مجتمعنا العربي والإسلامي سنجد أننا كلنا نصرخ في مواجهة الظالمين والفاسدين، لكن في الوقت عينه، تجد أن الفساد مستشرٍ في كل مفاصل الدولة والمجتمع، وعليه فمعنى أن تكون مهدوياً أن تقف في مواجهة الفاسدين حتى لا يستشري الفساد ويتمدد في مفاصل المجتمع، ومحال أن تكون مهدوياً وأنت تقر الفساد أو تغطي المنحرفين والفاسدين.

 

 إنّ من مواصفات الشخصيّة المهدويّة أنّها تمارس أعلى درجات الشفافية والانضباط في التصرف بالمال العام، فلا تعبث فيه، فعلي بن أبي طالب (عليه السلام) عنده كلمة، وعلى كل شخص في موقع السلطة سواء في العمل الإسلامي أو غير الإسلامي أو يجلس في منصب عام أو غير ذلك أن يضعها نصب عينيه، لتذكره وتعظه، فليس المهم أن نكتب، المهم أن نطبّق، والكلمة كان (ع) يكتبها إلى عماله: " أدقوا أقلامكم ، وقاربوا بين سطوركم ، واحذفوا عني فضولكم ، واقصدوا قصد المعاني ، وإياكم والاكثار ، فإن أموال المسلمين لا تحتمل الاضرار"[14]، احذفوا - وأنتم تكتبون الرسائل إلى الدوائر الحكوميّة - من الإنشائيات، ولا داعي للفضول، حتى لا تصرفوا حبراً وورقاً كثيراً.. فالحبر والورق مسؤولية وسوف تحاسبون على الإسراف فيهما، فكيف عندما تُسرق بلدانٌ ودول، أو تُنهب أموال الشعوب. إذا أردنا أن نكون فعلاً من أنصار علي والمهدي (عليهما السلام)، فتلك أخلاقهم وتلك سلوكياتهم، من يقرأ "نهج البلاغة" سيجد عشرات الكتب والرسائل المرسلة إلى عماله وهي كلها تتحدث عن المسؤولية وعن المبدئية والابتعاد عن المساومات التي قد نجد لها عناوين ثانوية كعناوين المصلحة أو ما إلى ذلك، ولهذا نراه " لما عوتب على التسوية في العطاء يقوله بكل صراحة: "أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه ، والله ما أطور به ما سمر سمير، وما أم نجم في السماء نجماً. لو كان المال لي لسويت بينهم فكيف وإنما المال مال الله "[15]. وهذا ما دفعه إلى رفض المداهنة في أمر معاوية، فقد جاء بعض محبي الإمام علي (ع) وقالوا له: الأفضل أن  لا تعزل معاوية لأنّ ذلك سوف يسبب مشكلة، اتركه سنة سنة، أو أكثر وبعد ذلك تعزله ماذا كان موقفه؟ أجاب بالرفض لأنه لا مزاح ولا لعب ولا عبث في مصير الأمة، وفي مواقع المسؤولية. كان علي (ع) يمارس أعلى درجات الرقابة والمحاسبة والصلابة على أقرب الناس إليه، لعلكم سمعتم قصته مع أخيه عقيل، عقيل يأتي للإمام (ع) يقول له أعطيني صاعاً من بيت المال، يريد ثلاث أرباع الكيلو زيادة على حقه، وعقيل كان أعمى، فتعالوا لنستمع إلى علي (ع) وهو يصور لنا هذا المشهد، يقول (ع): " والله لقد رأيت عقيلاً، وقد أملق حتى استماحني من بركم صاعا ، ورأيت صبيانه شعث الشعور غبر الألوان من فقرهم كأنما سودت وجوههم بالعظلم ، وعاودني مؤكداً، وكرر علي القول مرددا فأصغيت إليه سمعي فظن أني أبيعه ديني وأتبع قياده مفارقا طريقي ، فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها فضج ضجيج ذي دنف من ألمها، وكاد أن يحترق من ميسمها . فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل، أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه ، وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه . أتئن من الأذى ولا أئن من لظى"[16].

 

هذا هو علي بن أبي طالب، أين علي فينا؟ أين أخلاقه من أخلاقنا؟ لسنا قادرين أن نكون كعلي(ع) 100%، فلنكن كعلي بحدود 50% أو 40%، وقد قال لنا: "ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد. فوالله ما كنزت من دنياكم تبراً، ولا ادخرت من غنائمها وفراً ولا أعددت لبالي ثوبي طمراً"[17].

 

 كانت هذه بعض كلمات أتوجه بها إلى جميع أخواني بكل شفافية ومحبة، وأقولها قبل ذلك كله لنفسي عسى أن تشكّل واعظاً لنا جميعاً بما يفتح قلوبنا على الإيمان وينير عقولنا بنور الهدى ويسدد خطانا للاستقامة على طريق العدل والقسط.

 

الشيخ حسين الخشن

كلمة أُلقيت على طلاب المعهد الشرعي في النص من شعبان 1438هـ.

-----

[1] من كلمة ألقيت على جمع طلاب الحوزة العلمية في بيروت، في ذكرى مولد المهدي (عجل الله فرجه) في 15 شعبان 1439هـ.

[2] في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سيخرج في آخر الزمان قوم احداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية"، صحيح مسلم ج 3 ص 114، وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : اقرؤوا القرآن بألحان العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر فإنه سيجيئ من بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء والنوح والرهبانية ، لا يجوز تراقيهم قلوبهم مقلوبة وقلوب من يعجبه شأنهم" الكافي ج 2 ص 614..

[3] كمال الدين وتمام النعمة ص 644.

[4] المعجم الأوسط للطبراني ج 1 ص 275.

[5] في الحديث عنه (ص): " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلماً وعدواناً ، ثم يخرج من عترتي ، أو من أهل بيتي ، من يملأها قسطاً وعدلاً ، كما ملئت ظلماً وعدواناً "، عقد الدرر في أخبار المنتظر ص 16.

[6] حديث يروى عن رسول الله (ص)، انظر: عوالي اللئالي ج 4 ص 103.

[7] الكافي ج 32 ص 333.

[8] الغيبة للنعماني ص 207.

[9] مكارم الأخلاق ص

[10] نهج البلاغة ج 1 ص 108.

[11] الكافي ج 1 ص 173

[12] نهج البلاغة ج

[13] المصباح للشيخ الطوسي ص 721.

[14] الخصال للصدوق ص 310.

[15] نهج البلاغة ج 2 ص 6.

[16] نهج البلاغة ج 2 ص 218.

[17] نهج البلاغة ج 3 ص 71.