العبادة حاجة الإنسان الثّابتة
بغضّ النظر عن كلّ فائدة يمكن أن تكون فيها، فهي نفسها من الحاجات الروحيّة للإنسان. وعدم القيام بها يؤدّي إلى حدوث خلل في توازنه، وأذكر مثالًا بسيطًا على عدم التوازن بالخرج الّذي يوضع على ظهر الحيوان، فإنّ هذا الخرج يجب أن يكون متوازنًا من طرفيه دون رجحان طرف على آخر. إنّ في وجود الإنسان فراغًا يستوعب كثيرًا من الأشياء، وكلّ حاجة لا تشبع تؤدّي إلى الاضطراب وفقدان التوازن في روحه، وإذا أراد الإنسان أن يقضي عمره بالعبادة تاركًا الممارسات الحياتيّة الأخرى، ومعرضًا عن تلبية حاجاته المنوّعة، فإنّ هذا سوف يبعث على اضطرابه وامتعاضه، والعكس هو الصحيح، أي إذا ركض الإنسان لاهثًا وراء الماديّات فقط دون الاهتمام بالمعنويّات والقضايا الروحيّة فسوف لن يقرّ لروحه قرار، وتظلّ روحه في عذاب دائم،. وقد التفت إلى هذه الناحية الزعيم الهندي "جواهر لآل نهرو" حيث تغيّرت حالته في أواخر أيّام حياته بعدما كان علمانيًّا في عنفوان شبابه.
يقول هذا الرجل: "أشعر أنّ في روحي وفي هذا العالم فراغًا لا يسدّه شيء إلّا المعنويّات، وما هذا الاضطراب والقلق الّذي برز في العالم إلّا بسبب عدم التوجه إلى الجانب الروحي وضعف النزوع إلى المعنويّات. وقد تمخض هذا عن فقدان التوازن"، ثمّ يردف قائلًا: "وتلحظ هذه الحالة - أي القلق - بصورة حادّة في الاتحاد السوڤياتي. فعندما كان الشعب الروسي جائعًا كان لا يفكّر إلّا كيف يسدّ جوعه، ولذلك كان في دوّامة من التخطيط للنضال من أجل تحصيل قوته. ولمّا استتبّ الوضع واستعاد حياته الاعتياديّة بعد الثورة برزت في وسطه ظاهرة القلق الروحي. وها هو يعاني منها. ولو سنحت فرصة لأحد بعد عمله، فإنّ أوّل مأساة يواجهها هي كيف يقضي ساعات فراغه، وكيف تُقَضى هذه الساعات". بعد ذلك يقول "نهرو": "أنا لا أظنّ أنّ هؤلاء يستطيعون سدّ فراغهم إلّا بالتوجه إلى الجانب المعنوي، والتركيز على المعنويّات في ملء ساعات الفراغ الّذي أعاني منه أنا أيضًا".
آثار ترك العبادة
إذاً العبادة حاجة ماسّة للإنسان ولا بدّ له منها، وما الأمراض النفسية المتفشية في عالم اليوم إلّا بسبب إعراض الناس عن العبادة، ولعلّنا لم نحسب لها حسابها ولكن هي حقيقية جليّة. والصلاة - بغض النظر عن كلّ شيء - طبيب متواجد في كلّ وقت، أي إذا كانت الرياضة مفيدة للصحّة، وكانت المياه الصافية ضروريّة لكلّ بيت، والهواء النقي ضروريّ لكلّ إنسان، وكذلك الغذاء السالم، فالصلاة ضروريّة أيضًا لصحّة الإنسان كضرورة تلك الأشياء وفائدتها. ولعلّكم غافلون عن أنّ الإنسان لو خصّص ساعة من وقته لمناجاة ربّه لرأى كم تطهر روحه وتصفو، وكم تفيض عليه هذه المناجاة من نقاء وصفاء واطمئنان، وتضمحلّ كلّ المفردات الروحيّة المؤذية الّتي قد يتعرّض لها الإنسان.
* الشهيد الشيخ مرتضى مطهري (رضوان الله عليه(