توصِياتُ العارِف السيد علي القاضي الطباطبائي لأشهُر رجَب، شَعبان، ورَمضان

الأربعاء 6 مارس 2019 - 09:30 بتوقيت غرينتش
توصِياتُ العارِف السيد علي القاضي الطباطبائي لأشهُر رجَب، شَعبان، ورَمضان

اسلاميات_الكوثر: یَنقُلُ المرحوم العلامة آیة الله السید محمد الحسین الحسیني الطهراني طابَ ثَراه هذه الأوامر فی إحدى الجَلَسات الخَاصَّة مع رُفقَائِه، وذکَرَ أنَّهُ نقلَهَا عَن آیة الله المرحوم المیرزا السَیّد علی القاضی الطباطبائي من الرِسالَةِ الخَطیَّة المسَمَّاة (صفحات من تاریخ الأعلام) و المکتوبة بقلم ولده، و کان العلامة یؤکد على العمل بها والمداومة علیها، و قد أمر طلابه بالخصوص أن یدوّنوها في دفاترهم ، و ها نحن نضعها بین یدي المهتمّین مع زیادة توضیح منه رضوان الله علیه...

وهذا هو المتن:
«الْحمدُ للهِ رَبِّ العالمین، وَ الصلاة وَ السلامُ على الرَّسولِ الْمبینِ وَ وَزیرهِ الْوصیِّ الأَمین وَ أبنائهما الْخلفاءِ الرَّاشدین وَ الذُّریَّة الطاهرین وَ الخَلَفَ الصالح وَ الماءِ الْمعین صَلّى اللهُ وَ سلّمَ علیهمْ أجْمَعینَ».
تَنبهْ فَقدْ وافَتکمُ الْأشهُرُ الْحرُمْ[1] ***** تَیقظْ لکی تَزدادَ فی الزَّادِ وَ اغْتنمْ
فقُمْ فی لیالیها وَ صُمْ منْ نهارها ***** لِشکْر إلهٍ تَم فِی لُطْفه وَ عَمْ
وَ لا تَهجَعَنْ فی اللَیل إلاَّ أقَلَّهُ ***** تَهَجّدْ وَ کمْ صَبٍّ من اللَیْل لَمْ یَنَمْ[2]
وَ رتِّلْ کتابَ الْحَقِّ وَ اقرأَهُ ماکثاً ***** بِأَحْسن صوتٍ نورُهُ یشرقُ الظلمْ
فَلمْ تحظَ بَلْ لَمْ یُحظَ قط بِمِثْله ***** وَ أخْطأَ مَنْ غیرَ الذی قُلْتُهُ زَعمْ
وَ سلِّمْ على أَصْل القُرَانِ وَ فصلِهِ ***** بَقِیَّة آل الله کُنْ عبْدَهُ السَّلمْ
فَمنْ دانَ للرَّحْمن فی[3] غیرِ حُبِّهمْ ***** فَقَدْ ضَلَّ فی[4] إنکارهِ أعظمَ النِّعمْ
فَحُبهمْ حُبُّ الالهِ اسْتعذْ به ***** هُمُ الْعروَةُ الوُثقى فَبالعرْوَة اعْتصمْ
ولاتَکُ باللاهی عن الْقول وَ اعْتَبرْ ***** معانیه کیْ تَرْقى إلى أرْفَع الْقمَمْ
عَلیکَ بِذکر الله فی کُلِّ حالةٍ ***** وَ لا تَن فیهِ لا تقُلْ کیْفَ ذا و کم! [5]
فهَذا حِمى الرَّحمن فادْخلْ مُراعیاً ***** لِحرماته فیها عَظِّمْهُ وَ التزمْ
فَمَنْ یعتصم بالله یُهْدَ صراطُهُ[6] ***** فإنْ قُلْتَ رَبِّی اللهُ یا صاحِ فاسْتقمْ
قالَ عَزَّ منْ قائلٍ: {وَ مَنْ یعتصِم بِالله فقَدْ هُدی إلَى صِراطٍ مستقیمٍ} [7]
وَ قالَ: {وَ اسْتقمْ کَمآ أمرْتَ... } [8]
وَ قالَ جلَّ جلالُهُ العَظیمُ: {إنَّ الذین قالوا رَبُّنا اللهُ ثمَّ استَقَاموا تتَنَزَّلُ علیْهمُ الملائکَة... } [9] .
انتبهوا ـ إخوانی الأعزَّة وَفقَکمُ اللهُ لطاعتِهِ ـ فَقَدْ دَخلنا فی حِمى الأشَهرِ الْحرُمِ[10]، فَما أعظم نِعَم الْباری علینا وَ أتَمَّ.
فالْواجِبُ علینا قَبْلَ کُلِّ شیْءٍ التوبَةُ بشُروطها اللازمَةِ وَ صَلَواتُها الْمعْلُومَةِ[11] ..
ثُمَّ الاحتماء مِنَ الکبائِرَ وَ الصَّغائِرِ بِقدْر القُوَّة.
فَلَیْلَةُ الجُمُعة أوْ یوْمُ الأحدِ تُصَلوُّنَ صَلاةَ التوبة لیلةَ الْجمعَةِ أوْ نهارِها؛ ثُمَّ تعیدُونها یوْمَ الأحَدِ فی الْیومِ الثانِی مِنَ الشَّهْرِ[12] .
ثُمَّ تلتزمونَ المراقَبَة الصَّغْرى[13] وَ الکُبْرى[14] وَ المُحاسَبَةَ وَ المُعاتَبَة بِما هُوَ أحْرى. فَإنَّ فیها تَذْکرةً لِمَنْ أرادَ أن یَتَذَکَّرَ أوْ یَخْشى.
ثُمَّ أقْبَلوا بقلوبکُمْ وَ داوُوا أمراضَ ذُنوبکُمْ وَ هَوّنوا بالاسْتغْفار خُطُوبَ عُیوبِکُمْ.
وَ إیاکُمْ وَ هَتْکَ الْحرماتِ فَإنَّ مَنْ هَتَکَ وَ إنْ لَمْ یهتکِ الکریمُ علیِهِ فهُوَ مَهْتوکٌ.
وَ أنّى یرْجى النجاةُ لِقلبٍ ارتبکَتْ فیهِ الشُّکوکُ [15] حتى یسلِکَ سَبیلَ المتّقینَ وَ یَشْربَ منَ الماءِ الْمَعینِ مَعَ الْمُحسنین؟! وَ اللهُ الْمستعانُ على نَفْسی وَ أنْفسِکُمْ وَ هُوَ خیْرُ مُعینٍ.

الأوامِرُ العمَلِیَّة لهذِهِ الأشهُر الثلاثَة:
1-عَلیْکُمْ بالْفرائض فی أَحْسن أوقاتها وَ هی مَعَ نوافلها الإحدى وَ الخمْسین[16] . فانْ لَمْ تتَمَکَّنُوا فبأرْبَعٍ وَ أرْبعینَ[17] . وَ إنْ مَنعتکُمْ شواغِلُ الدُّنْیا، فَلا أقَلَّ مِنْ صلاة الْأوَّابین[18] .
2- وَأما نَوافلُ اللیْلِ فلا محیصَ منها عنْدَ المؤْمنین. وَ العجبُ ممَّنْ یَرومُ مرْتبةً مِنَ الکَمالِ وَ هُوَ لا یَقُومُ اللیالی! وَ ما سَمعنا أحَداً نالَ مرْتبةً مِنهُ إلا بِقیامِها.
3- وَعَلیکُمْ بقراءة الْقرآنِ الْکریم فی اللَیل بِالصوتِ الْحَسَنِ الْحزین[19]، فهُوَ شرابُ الْمُؤمنین.
4- وَعلیکُمْ بالتزام الْأوْراد الْمعْتادَة التی هی بید کُلِّ واحدٍ منْکُمْ. وَ السّجْدَةِ الْمَعهُودَةِ[20] مِنْ 500 إلى 1000.
5- وَزیارَة المشْهد الْمعظَّم الْأعظم[21] کُل یومٍ. وإتیانُ الْمساجدِ الْمعظَّمَة[22] ما أمْکنَ. وَ کذا سائِرَ الْمساجدِ. فَإنَّ الْمُؤْمن فی الْمسجد کالسَّمَکة فی الماء.
6- وَلا تترُکوا بَعدَ الصلواتِ الْمفروضاتِ تسبیحةَ الصِّدیقة صلواتُ اللهِ علیها، فإنَّها مِنَ الذِّکْر الکبیر. وَ لا أقَلَّ فی کلِّ مَجْلِسٍ دوْرَةٌ.
7- وَمِنَ اللازمِ الْمُهمَّ الدُّعاءُ لفرجِ الْحجَّة صَلواتُ اللهِ عَلیهِ فی قُنوتِ الْوتر[23] . بَل فی کُلِّ یومٍ و فی جمیع الدَّعوات.
8- وقراءةُ الْجامعة[24] فی یومِ الجُمُعة أعْنی الجامعةَ الْمعروفَةَ الْمشروحَة.
9- وَلا تَکونُ التلاوة أقلَّ مِنْ جزْءٍ.
10- وَأکْثروا منْ زیارة الإخوان الأبرار؛ فإنّهمْ الإخْوانُ فی الطریق وَ الرَّفیقُ فی المضیق.
11- وَزیارة القبور فی النَّهار غبّاً[25] وَ لا تزورُوا لیْلاً.
مَا لنا وَ للدُّنْیا قَدْ غرَّتْنا! وَ شَغلتْنا وَ اسْتهوَتنا وَ لیْسَتْ لَنا!!
فَطوبى لرجالٍ أبْدانُهمْ فی الناسوت وَ قلوبُهُمْ فی اللاهوتِ.. أولئك الأقلونَ عدَداً.. وَ الأکْثرونَ مَدَداً.. أقولُ ما تسْمعونَ وَ أَسْتغفرُ الله)) [26] .... 1357 هـ.ق ________________________________________
[1] ـ وهی رجب وشعبان وشهر رمضان، التی تعدّ عند أهل العرفان من الأشهر الحرم.
[2] ـ فعلیک أن تصلی رکعتین من صلاة اللیل، ثم تنام مقداراً، ثم تستیقظ وتصلی رکعتین وهکذا إلى أن تنتهی من صلاة اللیل.
[3] ـ (فی غیر حبهم ) یعنی من دونه خلواً منه و یکون هنا مرادفاً لمعنى الباء
[4] ـ و (فی) هنا بمعنى الباء یعنی ضلّ بإنکاره أعظم نعم الباری و هو ولایتهم علیهم السلام أو هو للتعلیل ، أی بسبب إنکاره لأعظم النعم ، کقوله تعالى {و لولا فضل الله علیکم و رحمته لمسکم فیما أفضتم فیه عذاب عظیم} أی بسبب ما أفضتم فیه و أذعتم و أکثرتم الکلام فیه.
[5] ـ یعنی: لا تدع الاشتغال بالأمور الدنیویّة وتراکم الأعمال علیک سبباً فی تساهلک بهذا الأمر المهم، وترى أن ذلک عذر لک فی توانیک عن القیام بما علیک.
[6] ـ بأن یمدّ یده نحو رحمة الله وجماله وجلاله، ویتمسّک بها.
[7] ـ ذیل الآیة 101 من سورة آل عمران
[8] ـ جزء من الآیة 15 من سورة الشورى
[9] ـ صدر الآیة 30 من سورة فصلت
[10] ـ لقد دخلنا فی حرم الله تعالى الزمانی، فکما یجب علینا أن نجتنب بعض الأمور التی لا تعتبر حراماً فی غیر الحرم وتصیر محرمة عند دخول الحرم، کذلک الحال فی هذه الأشهر فهی بمثابة الحرم الزمانی، لذا علینا أن ننتبه ونلتفت عند دخولنا فیها.
[11] ـ المقصود طریقة التوبة التی بینها رسول الله صلى الله علیه و آله، و هی مذکورة فی کتب الأدعیة مثل (مفاتیح الجنان) فی أعمال شهر ذی القعدة ، یقول فی المفاتیح فی أعمال شهر ذی القعدة: وصفتها أن یغتسل فی الیوم الأحد ویتوضّأ ویصلّی أربع رکعات یقرأ فی کلّ منها الحمد مرّة وقُلْ هُوَ اللهُ اَحَدٌ ثلاث مرّات والمعوّذتین مرّة ثمّ یستغفر سبعین مرّة ثمّ یختم بکلمة لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللهِ الْعَلیِّ الْعَظیمِ ثمّ یقول : یا عَزیزُ یا غَفّارُ اغْفِرْ لی ذُنُوبی وَذُنُوبَ جَمیعِ المؤمِنینَ وَالْمُؤمِناتِ فَاِنَّهُ لا یَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاّ أنْتَ .
[12] ـ المقصود هنا الأحد الثانی من الشهر.
[13] ـ منع النفس من أی عمل لا یرضى الله به.
[14] ـ حفظ القلب عن کل ما لا یعجب المحبوب .
[15] ـ أی أن أحد أهم الواجبات الحتمیة للسلوک إلى الله تعالى، الیقین بالمبدأ و المعاد و حقانیت الطریق و الأستاذ، و فی حالة وجود أقل شک أو تردید فإن السالک سیمنع نفسه بنفسه من الحرکة، و لذا فمن المستحیل مع وجود الشک أن یحصل السالک على النجاة.
[16] ـ و ذلک أن الصلوات الواجبة سبعة عشر رکعة، و بضم نوافل کل واحدة بهذا الترتیب: رکعتین نافلة الصبح و وقتها قبل صلاة الصبح، و ثمان رکعات نافلة الظهر و ثمان رکعات نافلة العصر تصلى قبل فریضتی الظهر و العصر، و أربع رکعات نافلة المغرب و وقتها بعد المغرب و رکعة واحدة من وقوف أو رکعتین من جلوس نافلة العشاء و وقتها بعد صلاة العشاء و ومجموعها ثلاثة و عشرون، یضاف علیها أحد عشر رکعة لصلاة اللیل لیکون مجموع کل النوافل أربعا و ثلاثین رکعة، و هکذا یکون مجموع الفرائض و النوافل الیومیة واحد و خمسون رکعة.
[17] ـ و ذلک بحذف أربع رکعات من نافلة العصر و رکعتین من نافلة المغرب و (الوتیرة) لیصبح مجموعها سبع رکعات. (هذا التوضیح من العلامة الطهرانی روحي فداه)
[18] ـ المقصود بها نافلة الظهر، وصلاة الظهر هی المراد من صلاة التوابین .
[19] ـ وهو یسرّع فی حرکة الإنسان إلى الله تعالى، ومفید جداً له، والتغنی بالقرآن یقرب الإنسان من الله خلافاً للغناء المحرم الذی یجر الإنسان إلى اللهو.
[20] ـ أی السجدة الیونسیة مع ذکر {لا إله إلا أنت سبحانک إنی کنت من الظالمین}
[21] ـ المراد به حرم أمیر المؤمنین علیه السلام، وکذا سائر المشاهد المشرّفة لأهل البیت علیهم السلام.
[22] ـ کالمسجد الحرام والمسجد النبوی ومسجد الکوفة ومسجد السهلة.
[23] ـ وهو الدعاء الوارد فی مفاتیح الجنان، والذی یشرع بالعبارة التالیة: "إلهی عظم البلاء و برح الخفاء..."
[24] ـ وهی الزیارة الجامعة الکبیرة.
[25] ـ کأن تزوروها فی کل أسبوع مرة.
[26] ـ انتهت إلى هنا توصیات آیة الحق المرحوم القاضی و الکلام بعده للعلامة الطهرانی رضوان الله علیهما (م)