الخطاب الذي أعلن خلاله البشير حالة الطوارئ في البلاد لمدة عام، فضلًا عن حل حكومته، وتعيين عسكريين حكامًا على الولايات، أتى بعد حالة ترقب سادت اﻷوساط السودانية لما يزيد على الشهرين من الاحتجاجات الشعبية المتواصلة، المطالبة بتنحي الرئيس المستمر في الحكم منذ نحو 30 عامًا، ورحيل نظامه.
ولوّح مئات المتظاهرين الذين تدفقوا إلى شوارع العاصمة الخرطوم وعدد من المدن فور انتهاء خطاب الرئيس بإعلام السودان ورددوا شعارات تطالب برحيل نظام حكم البشير.
وتواصلت الاحتجاجات ضد خطاب البشير يومي الجمعة والسبت بعدد من أحياء العاصمة وبعض المدن، وقال شهود عيان إن الشرطة فرقت بالغاز المسيل للدموع مظاهرات في أحياء الشجرة والمجاهدين وجبرة بالخرطوم.
وأكد تجمع المهنيين السودانيين الذي يقود التظاهرات ضد حكومة البشير، بجانب عدد من القوى السياسية، فيما يعرف بـ «قوي إعلان الحرية والتغيير»، رفضهم القاطع لخطاب البشير واعتبروه مجرد مناورة غير مجدية.
وقال المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين صلاح شعيب لـ «مدى مصر» إن خطاب البشير لا يعني قوى الانتفاضة في شيء، مشددًا أنهم سيواصلون التظاهرات السلمية إلى حين إسقاط النظام.
وأضاف: «نحن في التجمع رأينا واضح، وهو إسقاط النظام بلا قيد أو شرط، ولذلك لا تعنينا القرارات الأخيرة التي أصدرها البشير. سيستمر نضالنا لهزيمة دولة الاستبداد، وسنقاوم قانون الطوارئ بالمزيد من المسيرات التي ستنظم في البلاد. النظام لا يملك حلًا سياسيًا ولذلك نرى أن جوهر خطاب وقرارات رئيسه اعتماد الحل العسكري لقطع الطريق أمام إسقاطه».
وإلى جانب رفض قوى الثورة لخطاب البشير، هناك رفض آخر من قوى داخلية في أروقة السلطة. فقد أعرب قيادي في حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم عن رفض المكتب القيادي للحزب رغبة الرئيس البشير في الاستقالة من رئاسة الحزب ليصبح رئيسًا قوميًا. وقال محمد الحسن الأمين، رئيس اللجنة السياسية بمجلس شورى حزب المؤتمر الوطني الحاكم: «إن اجتماع المكتب القيادي للحزب الذي انعقد مباشرة قبل خطاب الرئيس للشعب السوداني مساء الجمعة لم يؤيد ما تقدم به البشير، خاصة تلك المرتبطة برئاسته للحزب».
وأضاف الأمين لـ «مدى مصر» أن الاجتماع السابق على خطاب البشير وقراراته ارتبط بإعلان حالة الطوارئ ووقف تعديل الدستور وحل الحكومة، فقط.
وأوضح القيادي بالحزب الحاكم، أن دستور الحزب يمنع استقالة البشير من رئاسته، مشيرًا إلى أن الرئيس السوداني تمّ انتخابه لرئاسة الجمهورية في عام 2015 كمرشح للمؤتمر الوطني وليس مرشحًا مستقلًا، كما أشار إلى أن المادة (87) من دستور البلاد والتي تنصّ على أن «تغيير الانتساب السياسي أو الحزب الذي انتخب العضو بموجبه لعضوية المجلس الوطني، يقود إلى إسقاط عضوية المجلس الوطني».
فيما قال المحلل السياسي عبد الله رزق إن الوضع الراهن يمكن أن يُقرأ في سياق ما ظهر من صراعات مراكز القوى في الحزب الحاكم.
وأشار رزق إلى أن الإجراءات المتعلقة بحل الحكومة المركزية وحكومات الولايات، والتي تنقض ما تم التوصل إليه خلال الانتخابات، وكذلك التوصيات التي تمخض عنها ما عُرف بمؤتمر الحوار الوطني، ما يفتح المجال أمام تحالفات جديدة في مركز السلطة، بدخول قوى جديدة، وخروج أخرى.
كان البشير ترأس في 7 فبراير الماضي اجتماع اللجنة التنسيقية العليا لمتابعة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، الذي أطلق الدعوة له في يناير 2014، وشارك به نحو 116 حزباً وحركة مسلحة، تمثل الأطياف السياسية كافة، ولكن المشاركة لم تستمر طويلًا فسريعًا ما انسحب من الحوار أبرز الأحزاب المعارضة وغيرهم من القوى، وعقب ذلك انسحبت أيضًا من انتخابات مجالس الولايات وكذلك الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي جرت في 2015 وفاز البشير بالأخيرة بنسبة 94%، فيما انتهى الحوار الوطني إلى تكليف بكري حسن صالح بتكوين حكومة وفاق وطني من المشاركين في الحوار الوطني والحزب الحاكم.
وأطاح البشير، أمس السبت، بنائبه الأول بكري حسن صالح، وعين بدلًا منه وزير الدفاع الفريق أول عوض بن عوف. كما أحال حكام الولايات للتقاعد وعين بدلًا منهم حكاما عسكريين للولايات الـ 18.
وأضاف رزق: «تتداول الأوساط السياسية أنباء عن معارضة بعض مراكز القوى في الحزب الحاكم لبعض ما جاء بالخطاب، الذي يبدو أنه تعرض لتعديلات، جعلته يحتشد بالمفارقات. ويمكن أن يكون تأخير إلقاء الخطاب لأكثر من ساعة بسبب الخلافات حوله بين مراكز القوى ومساعي تعديله»، موضحًا أن أبرز هذه التعديلات تمثلت في خلو الخطاب من الإجراءات التي أعلنها الفريق صلاح قوش، مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني، خلال تصريحات للصحفيين، سبقت الخطاب، وتتعلق بتنحي الرئيس عن رئاسة المؤتمر الوطني، والتخلي عن تعديل الدستور.
وأعلن البشير خلال الخطاب تأجيل النظر في التعديل، بما يجعل منه بندًا محتملًا في أي مفاوضات أو حوار، ليس مع المعارضة الداخلية، ولكن مع المبادرات الخارجية، والإقليمية والدولية، الرائجة منذ أيام والتي تتمحور حول عرض يقضي بتنحي للرئيس مقابل خروج آمن، يشمل وقف ملاحقته من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وهي ما توصفه المعارضة، باسم «الهبوط الناعم».
وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد وجهت للبشير في عام 2008 تهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية في دارفور بين عامي 2003 و2008.
واعتبر رزق أن إعلان حالة الطوارئ «آخر استجابة رسمية للثورة، على الرغم مما تضمنه خطاب البشير، من توجه جديد للحوار مع المعارضة والتفاوض مع حملة السلاح»، موضحًا أنه «أمر يتصادم مع إعلان الطوارئ، بما يشكك في جدية التوجه نحو الحوار والتفاوض» حسب قوله.
وأكد أن إجراءات الطوارئ المعلنة تعيد البلاد مجددا 30 عامًا للخلف، إلى ما عرف بعهد الشرعية الثورية.
أسماء حامد، إحدى المشاركات في مواكب الرفض التي تنظمت في العاصمة الخرطوم أمس، السبت، قالت لـ «مدى مصر»: «لم أكن أتوقع أن يأتي خطاب البشير بجديد تجاه المطلب الأوحد المرفوع بتنحيه، لكن الذي كان مستفزًا بالنسبة لي هو إعلان حالة الطوارئ لمدة عام».
وأضافت حامد: «خطاب البشير كان دافعًا لي للخروج إلى الشارع لأنه في اعتقادي بداية الحلقة الأخيرة في عمر النظام القائم وانهياره. وأتمنى أن يكون الخطاب القادم هو خطاب التنحي». مستطردة: «مشوارنا نحو التغيير يقترب».
وحول الوضعية القانونية لإعلان حالة الطوارئ في البلاد واتساقها مع الدستور، قال الخبير القانوني حاتم إلياس لـ «مدى مصر»: «على الرغم من أن دستور السودان يمنح الرئيس سلطة إعلان حالة الطوارئ لكن تقييم وضع حالة الطوارئ نفسها يخضع لمنظور قانوني أيضًا يحدد مدى انطباق حالة الطوارئ على الظرف السياسي والاجتماعي والاقتصادي أو البيئي في البلاد، أي أن إعلان حالة الطوارئ ليست مجرد سلوك سيادي».
وأضاف إلياس: «في كثير من النظم الدستورية يعتبر إعلان حالة الطوارئ مقيد لتقديرات تنفيذية وبرلمانية باعتبار أن حالة الطوارئ هي استثناء عارض على الجسد القانوني ولما يشكل إعلانها نوع التضييق على الحريات العامة بما فيها الحريات الشخصية والسياسية للأفراد والمواطنين ولذا فأن فقهاء القانون العام تعاملوا مع إعلان الطوارئ كاستثناء ضروري وحال تلجأ إليه السلطة التنفيذية والحكومات لا بد أن يكون هنالك قدر من التراضي الشعبي ينعكس مؤسسيًا إزاء هذه الحالة لكن هذا الأمر غير موجود إزاء إعلان الرئيس البشير للطوارئ».
واعتبر إلياس أن فرض حالة الطوارئ يؤثر بشكل كبير على أحكام القضاء وإجراءاتها من حيث تأثر ضمانات المحاكمات العادلة في الأحوال العادية بالنسبة لمن يقفون أمام القضاء حيث تضيق المساحة الطبيعية التى يمنحها القانون كضمانات أمام هذا النوع من المحاكم، خاصة أن للسودان تجربة سيئة إبان حكم الرئيس الأسبق جعفر نميري حين ظهرت محاكم الطوارئ وما سمي بمحاكم العدالة الناجزة وفيها تمت أكبر المجازر لقيم القانون والحريات.
وأكد القانوني حاتم إلياس أن «إعلان حالة الطوارئ هنا من قبل البشير هي ببساطة استعمال سلطة سيادية لغرض تقويض القانون».
فيما اعتبر رزق أن تطور الأوضاع في البلاد هو تطور لحركة الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ أكثر من شهرين وتطور رد الفعل الرسمي بالمقابل بعد أن بدا جليًا عجز النظام عن احتوائها بوسائل العنف والإفراط في استخدامه، والذي لم يزد المواطنين إلا تمسكًا بالثورة على النظام وضرورة إسقاطه.
واعتبر رزق أن الموقف الرسمي تميز عن سابقه كما عكسه الخطاب الذي اعترف فيه البشير بالثورة كأمر واقع ومطالبها كأمر مشروع، مشيرًا إلى خلو الخطاب، الذي ترحم خلاله الرئيس على أرواح الشهداء، من لغة العنف التي ظل يتسم بها الخطاب الرسمي منذ بدء الحراك الشعبي قبل شهرين.
مدى مصر