بالتأكيد، هناك مواقف معلَنة وهناك مواقف غير معلَنة في المتغيّرات في خارطة الحرب الدولية الجديدة على سوريا، المعلَن فيها دائماً هو الخطأ، وغير المُعلَن هو الأساس والهدف..
هذه هي سياسة الدول التي مازالت تحنّ إلى الاستعمار، أو على الأقل إلى الهيمنة السياسية والاقتصادية..
هناك أيضاً مواجهة علنية ضد الإرهاب من روسيا وسوريا، وهناك في المقابل تستّر عنه من طرف أميركا، وبحماية خاصة، ومن وراء الواجهة الأخيرة مخطّطات إرهابية أخرى لا تنفّذها قوى عسكرية أجنبية ولكن قوى مُسخّرة لها تحت مُسميات عدّة، والذين يعتقدون أن تنظيم القاعدة لا تُسيّره أميركا انطلاقاً من المحتوى السياسي الذي تؤمن به مخطئون، فالثابت أن أغلب تنظيماته تُسيّرها أجهزة المخابرات وعلى وجه الخصوص الغربية منها والأميركية، لأن الإسلام الذي يدّعيه "داعش" والنصرة لا يُبيح إلا القتل والفوضى وهما فساد في الأرض، و"الله لا يحب المُفسدين "..
هناك دول لديها من أجهزة الرصد، ما يكفيها لحماية شعوبها من هذه الظاهرة المزدوجة، ومن هذه الدول الجزائر، وهناك دول احتلّتها المجموعات الآتية من الغرب تحت يافطة المعارضة مثلما حدث في العراق وليبيا وسوريا بمباركة أميركية ودول الخليج.
في نفس السياق هناك سباق محموم بين كتلة الروسي الصيني، والأميركي الأوروبي، قصْد الاستفادة الأكثر من مساحة المُتغيّرات التي يشهدها العالم اليوم، الروسي الصيني صاعِد، والغربي الأميركي يجمع أوراقه باتجاه الانكفاء، لأن حرائق "الربيع العربي" المشؤوم أصابته أكثر وقد كان من صناعته، والموالون له من دويلات الخليج على أهبة الرحيل من الواجهة، بعد أن ظهر البُعبُع الإيراني كما يصفونه، وكل المحطات الأميركية العسكرية في المنطقة العربية هي الآن تبدو أمام الإيراني مجرّد خردة، كما يقول أحد جنرالات إيران..
صحيح أن التسويات المُنتظرة بين الروسي والأميركي مازالت بعد في غياهب المكاتب المُغلقة، لكنها في طريقها إلى الظهور كقاعدةٍ جديدةٍ لعالمٍ جديد، وهنا يمكن الإشارة إلى ما قاله هنري كيسنجر آخر مُنظّري أميركا، يقول "إنّ على الأميركيين عدم تجاهُل أنّ "فلاديمير بوتين" الذي يريدون شيطنته، هو مَن أنفق على ألعاب سوتشي مطلع العام ستين مليار دولار، ومَن يفعل ذلك ليس هتلر جديداً بل زعيم وطني يريد لبلده مكانة تتناسب مع حجمه، والخصومة الأميركية مع روسيا حول أوكرانيا تعبير عن تصادُم مصالح يجب إدارته بهذه الحدود، لكن يجب معرفة متى يتمّ الانسحاب من المواجهة ورسم سقوفها".
لكن المؤسف والمُحزن هو هذا القتل المتواصل لإطارات ليبيا، واليمن، والعراق، وسوريا، بتوجيه خلايا الوهّابية وهو لا يساعد إلا العدو، ويدفع بهذه الدول إلى التخلّف الأشدّ، في عالمٍ لا يعترف بالانتظار لأيّ مُتخلّف عن الرِكب، والذين يقولون بذلك مع الأسف يدَّعون الإسلام وهم للكفر ينتصرون.
مواقف مُتناقضة بين المُعلَن وغير المُعلَن
مواقف تجري الأفعال بها تحت الطاولات ، وبنفاقٍ سياسي واضحٍ ، أصحابه يدَّعون فيه محاربة الإرهاب ، ويخشون من عودته إلى ديارهم ، إذ تمّت التسوية السياسية في سوريا وهم بالأساس من أشعلها ، دول يمكن توصيفها بدول الشتات لاختلاف الرؤى فيها والمواقف والأهداف، تلتقي خلف الأسوار المُغلقة ، برؤوس القاعدة وتحت حماية هي أشبه بالحماية التي تُعدّ لرؤساء الدول ، دول أخرى عربية تسعى في الليل والنهار من أجل استضافة قادة القاعدة ، وفي أماكن بعيدة عن الأضواء ،لا تسلكها إلا الأجهزة الأمنية الخاصة جداً ، وتُنفق لأجل ذلك من الأموال ما يكفي لبناء مدن بكاملها ... الهدف فيها واحد أن يبقى الفساد فيها مُتفشّياً والعروش بناياتها مرتفعة وأموال الشعوب تُهدَر على أشياء لتفاهتها لا يمكن ذِكرها .. أشياء تُدار في الخفاء ولكن في الحقيقة ليست إلا دسائس تُخبّأ تحت ستار محاربة الإرهاب ، وهي للإرهاب تمدّ يدها ، لم تكن فرنسا، والولايات المتحدة الأميركية ، والسعودية ، وقطر، وتركيا إلا نموذجاً لكل ذلك وهنا أؤكّد ،أن الجزائر محصورة ضمن هذه المؤامرات ، وإن كان الكل من مموّليها لا يُظهِرون ذلك ، ونحن نعرف بالتأكيد ما هو لديهم من مواقف مطبوخة في دهاليز السياسة خارج التصريحات ... بل إن واحداً من الجزائريين فقط أبطل كل تلك المؤامرات بعد رصد كل كبيرة و صغيرة فيها، سواء تردّد صوتها في القصور المهجورة أو المأهولة أو في اللقاءات البالغة السرّية، لقد استقبلت فرنسا نفسها ( عبد الحكيم بلحاج) المسؤول العسكري في تنظيم القاعدة، استقبل في وزارة الخارجية الفرنسية ، ووضعت له حماية شخصية من قِبَل الأمن الفرنسي بحسب مصادر صحافية فرنسية، وعبد الحكيم بالحاج هو أول من أرسل مُقاتلين إلى سوريا عام 2011 ، وذهب هو شخصياً إلى الشمال السوري لتدريب المُقاتلين كما كشف تقرير لصحيفة" لوفيغارو" الفرنسية يومها.."المصادر تقول إنه وكِّلَت إليه مواصلة تفقيس الإرهاب في سوريا بجلبه من كل القارات ، ومن المؤكّد أن لديه الدور الأهم في ما يجري في ليبيا من تمزيق ، وقتل واعتداء على السفارات العربية بالخصوص، ومنها التهديد الذي وجِّه لسفارتنا في ليبيا ، و هناك معلومات وإن كانت غير مؤكّدة لدينا إنه كان أحد المساهمين من بعيد في الاعتداء على منشأة الغاز في عين أميناس (الجزائر).. استقبل في فرنسا لمصالح تريدها فرنسا في إفريقيا ومنها تفجير الوضع فيها تمهيداً لتدخّلها المباشر... معروف أن الغرب لا يريد اليوم حرباً يقتل فيها جنوده ويستهلك اقتصاده ، بل إن أدوات الحرب لديه اليوم هم هؤلاء الوكلاء الذين يدَّعون أنهم حُماة الإسلام وأمراء الإمارة المُزيّفة فيه، مع الإشارة إلى أن أغلب هذه التنظيمات تقودها المخابرات الأميركية والأوروبية ، حتى أن هناك صراعاً بينها لاختلاف المصالح والرؤى المنصوبة لكل طرف، لم تكن فرنسا، وقطر، والإمارات بعيدة عن الفوضى الآن في ليبيا بل صار مؤكّداً أنها هي التي تلعب على أوتار القاعدة لتخريب ما لم تخرّبه الحرب، والغرض واضح لكل ما هو غير واضح ، هو أن الولايات المتحدة فشلت مع طالبان حين أتت قطر ببعض زعمائها وأعطتهم مكتباً خاصاً تحت يافطة التحاور مع الولايات المتحدة الأميركية من اجل السلام لخروجها من أفغانستان بأقل خسارة ، و لم تلفح لأنه تبيّن لطالبان أن قطر مُتورِّطة مع الولايات المتحدة الأميركية في المؤامرة ، ووجود هذا المكتب في الأصل ما هو إلا غرفة عمليات استخباراتية، لقد حاولت أميركا من خلاله الوصول إلى فكر طالبان والمراكز الذي تتمركز فيها ، ولكنها فشلت.... بل إن قطر وبأمرٍ أميركي حاولت ترويض طالبان وفق الرؤى الأميركية للاقتصاص منهم تحضيراً لخروجها من أفغانستان بأقل خسارة، ومعلوم أن تقسيم السودان مرّ عن طريق قطر بما جرى فيها بين النظام السوداني والحركات المُتمرّدة عليه في دارفور، وقد تراجعت أميركا عن كل وعودها المُعطاة للسودان، بعد أن تمّ تقسيمه ، وهذا ما كان يُخطَّط فعلاً لسوريا بتآمُر قطري سعودي تركي ، وبعد أن فشل المخطّط تخلّت أميركا عن الكل ، بمن فيهم أصدقاؤها الكرد ، وهي الآن تمارس التناقض الفاضح في موقفها من سوريا ، فهي قد قالت لرئيس الإتلاف السوري "الجربا "..."الانتصار على الجيش السوري ممنوع " ، وفي نفس الوقت تساعد المعارضة ،أي أنها تريد بقاء الاستنزاف كمُحصّلة أخيرة ، بل وتشترط الخروج من العراق بالبقاء في سوريا !! وهو ما فهمته روسيا جيداً و ما لم تفهمه بقية الدول الأخرى ، التي هي الآن أمام احتمال الانفجار، فالسعودية تحاول التخلّص من أخطائها بعزل المُتشدّدين فيها من الأجهزة الأمنية والعسكرية ، كان أولها بندر بن سلطان وما لحق به من مسؤولين ، لكن رغم كل هذه الأخطاء القاتلة في سياسة الغرب وأميركا والأعراب يبدو أن هناك اتجاهاً نحو إفريقيا ، وبالتالي ما المطلوب من مؤتمر" القمّة الإفريقية المُصغّرة " الذي عُقِد سابقاً في باريس والذي دُعيَ إليه الأميركي والبريطاني، هم يقولون أنه من أجل محاربة" بوكو حرام "..؟ وإذا كان الأمر كذلك ، فلماذا تستقبل فرنسا عبد الحكيم بلحاج وتحت الحماية الخاصة..؟ ولماذا تجهّز الولايات المتحدة الأميركية ، المرتزقة في أوكرانيا وتحاول توصيف الموقف الروسي بأنه موقف مدعم للفوضى في أوروبا ..؟ المنظور من هذه القمّة هو التخطيط لحروب جديدة في المستقبل ضد إفريقيا . وقد بدا ذلك اليوم واضحاً..