واوضح من هذه المادة الدستورية المهمة التي انيطت بقوات حرس الثورة الاسلامية التي تأسست مع انتصار الثورة، بل يمكن القول أنها تشكلت نواتها في الشهور الاخيرة المنتهية بانتصار الثورة الاسلامية.. هذه المهمة التي جددتها المادة 150 كأمرين اساسيين:
الاول: الحراسة والدفاع في مواجهة الاعداء وما يتبعه من غلق لمنافذ ونقاط التسلل التي يمكن ان يستهدفها اعداء الثورة والنظام... دون ان تحدد المادة الدستورية نوع الحراسة والدفاع، رغم ان البعض فهم منها الحراسة المادية والعسكرية فقط، لكنه من الصعب الوقوف عندها نظراً لما تواجهه الثورة من مؤامرات ناعمة وصلدة في آن واحد.
والثاني: الدفاع عن مكاسب الثورة، وهذه واسعة بسعة النموذج الذي قدمته ثورة الامام الخميني (رض) الى العالم، والتحول الذي اوجدته في الفكر الاسلامي والشيعي... هذا المكسب ليس في المراكز العليمة والطبية والمؤسسات السياسية والدستورية فقط، بل الاهم من كل ذلك في النموذج الذي قدمته الثورة ونظام الجمهورية الاسلامية في نظرة الانسان الى الدين والحياة المحيطة به، وحتى القوى المعادية له..
نموذج المقاومة السياسية الذي تجلى في شعار "لاشرقية ولاغربية"، ونموذج المقاومة الثقافية الذي نراه في " الثقافة التبعوية" ونموذج المقاومة العسكرية الذي شاهد شجاعته العالم كله في مواجهة العدوان الصدامي واخيراً الجماعات التكفيرية، وما يمكن تسمية بـ "جيش المستضعفين" او اختصاراً " المقاومة" وايضاً المقاومة الاقتصادية التي تم تحديد خطوطها العامة في نظرية الاقتصاد المقاوم.. هذه التفاصيل التي يمكن ادراجا جميعاً في اطار نظرية الحكم المسماة بـ "السيادة الشعبية الدينية" او اختصاراً الديمقراطية الدينية.
اذا وخلافا للحضور السائد عن حرس الثورة الاسلامية والذي قد يكون منشأه قوات مشابهة في بلدان اخرى وعلى اساس ثورات جماهيرية او حزبية، كما هو الحال في حقبة الاتحاد السوفيتي السابق او الجمهورية الصين الشعبية. واقصد الجيش الاحمر السوفيتي وجيش التحرير الشعبي الصيني.. فقد بدأت هذه القوات في ايران كحالة عقيدية وثقافية للحفاظ على امن الثورة والدفاع الشعبي عنها في مواجهة الرمز العملية التي كانت تهددها منذ انطلاقتها ومن ثم تطورت هذه القوات بما يتناسب وحاجة النظام في دفع التهديدات والتحديات التي واجهها او سيواجهها لاحقاً.
لم يكن الباسدران في بداية تأسيسه والتي تصادف الثالث من شعبان 1979 ميلادي ذكرى ولادة الامام الحسين (عليه السلام) سوى مجموعات من الشباب المضحي الذي نذر نفسه للدفاع عن الثورة جعل اعداداً كبيرة من الشباب الجامعة ينظم الى هذه القوات ليستبعد مدن وقرى محافظتي كردستان واذربيجان الغربية التي سقطت بيد القوى الانفصالية.. ولحفظ امن محافظة خوزستان التي كان نظام البعث الصدامي يستهدفها حتى قبل الحرب المفروضة وهكذا في حوادث المناطق التركمانية شمال ايران ومن ثم فتنة جماعة الخلق الارهابية.. وايضاً سائر المنظمات الارهابية والجماعات المسلحة التي بدأت باغتيال قادة الثورة وكوادرها وبعد ايام من انتصارها.
الحرب المفروضة
بقى الحرس الثورة يعالج فتنة بعد اخرى ويخمد النيران التي يضرمها العداء باستمرار لسلب الاستقرار من النظام والمجتمع... ولكن التحول الكبير في وضع قوات حرس الثورة الاسلامية، بدا مع العدوان الصدامي على الجمهورية الاسلامية في 22 ايلول/سبتمبر، حين اعلن دكتاتور العراق المقبور وبدعم اميركي وخليجي هجومه العسكري على ايران والذي شابه في سيناريو اليوم الاول منع عدوان الصهاينة على مصر وسوريا في 6 حزيران /1967 كانت الطائرات العراقية في 22 سبتمبر تقصف مطار مهرآباد في طهران!! وللذين يتحدثون عن تلك الفترة بجهل او لغاية مرضية في نفوسهم اقول لقد عايشت تلك الفترة بنفسي، ولا احتاج لأن يحدثني عنها احد.. كان العراق او بشكل ادق نظام صدام المجرم يستعد للهجوم على ايران منذ شهور وقد شاهدت الخنادق والسواتر في مطلع نسيان 1980 بنفسي حين هجرنا النظام البعثي الى ايران وشاهدت حينها كيف كانت الحدود الايرانية فارغة وقد تفاجأ حرس الحدود بقدومنا نحو اراضيهم زرافات مشياً على الاقدام..
نعم شاهدت كيف ان حرس الثورة الاسلامية كانوا يواجهون طائرات الميغ برشاشات عيار 50 ملم!! واحياناً كان شباب الحرس يقفون بعض الاشجار ويطلقون النار من رشاشات UZI نحو الطائرات!! هذه الرشاشات التي لايزيد مداها افقياً من 100-150 في احس التقادير!!!
وشاهدت ايضاً كيف كان الناس يتطوعون لمواجهة الغزو الصدامي وبيمنا لم يكن عند الحرس سلاح كان الجيش او قوات الجندرمة تزودهم ببندقية M1 نصف آلیة مع 80 اطلاقه فقط!! كان كثير منهم يعود وقد سحقت الدبابات العراقية اجزاءاً من جسده لانه رفض ان يتراجع بل بعضهم كان يشد رجله لكي يبقى في مكانه!
هؤلاء الذين شكلوا حرس الثورة الاسلامية وحاضنته في بداية الساعة هذا الحرس الذي تحول الى افواجه ومن ثم الوية وفرق الى قوات برية وبحرية وجوية وصاروخية.. واقام الدنيا ولم يقعدها والذي يرتعب منه المنافقون والاعداء في الخارج.. يكفي ان تقول "جاء الباسدران" او صرخ قاسم سليماني!!
لقد كان لحرس الثورة الفضل والدور الكبير في افشال اهداف الهجوم الصدامي... الذي لم يكن يقصد تعديل اتفاقية الجزائر او مجرد اقتطاع محافظة خوزستان عن الجسد الايراني، بل كان هدفه القضاء على الثورة وتفتيت ايران الى كانتونات قومية متحاربة وخاضعة جميعها للشيطان الامريكي.
لم يقف حرس الثورة عند انجازه في الدفاع عن البلاد والثورة.. بل شارك في مرحلة ما بعد الحرب خلال مؤسساته وقدراته اللوجستية والعملية وايضاً كوادره التي تركت بزتها العسكرية وعادت الى مجالات عملها المهنية المتنوعة... شارك في عملية اعمار ايران ورفد الاقتصاد الايراني بالروح التعبوية التي يحملها افراده... ذلك لم نستغرب ايضاً من سرعة النهوض الاقصتادي والعملي الذي شهدته ايران خلال تسعينات القرن المنصرم في حين كان نظام صدام حسين قد ادخل العراق في مغامرة اخرى والشعب العراقي يئس من وطأة العقوبات الاقتصادية.
نموذج المقاومة
كانت تجربة دعم المقاومة الاسلامية في لبنان واحدة من اهم وانجح التجارب التي قامت بها الجمهورية الاسلامية في مواجهة التغول الصهيوني والعجز العربي والاسلامي الرسمي... والتي كانت المنفذ الاساس فيها الحرس الثوري.
هذا النموذج المقاوم التي بات اليوم يؤرق ويقلق اعداء الامة والذي استطاع ان يسقط المشروع الصهيوني بالتمدد على حساب الشعوب العربية في مرحلة ما بعد كامب ديفيد التي تم التوقيع عليها في 1987.
واليوم ورغم كل الانهزامات الرسمية العربية والمؤامرات التي تحاك ضد القرى المقاومة التي تعد المؤامرة الطائفية واحدة من اهمها واشرسها والتي نشأة وظهرت بتمويل فكري ومالي وهابي خليجي نشاهد ان هذا النموذج (المقاوم) يمتد على مساحات واسعة من عالمنا الاسلامي... فلم يعد منحصراً بفضل قوات فيلق القسد في حرس الثورة الاسلامية بايران ولبنان، بل امتد ليمشل فسطين وسوريا والعراق واليمن وافغانستان وغيرها من مناطق الصراع الاسلامي مع المشروع الصهيو اميركي- الوهابي.
لذلك فانه من الطبيعي ان يستهدف الاعداء نموذج حرس الثورة الاسلامية باعتباره نقطة القوة في المشروع المقاوم... استهداف تشاهده بوضوح في قنوات الاعلام المجمولة غربياً وخليجياً والتي تحاول جاهدة الى شيطنة هذا القوات... لكن ما قدمه الحرس على الصعيدين الداخلي والخارجي من مبدئيه وعقائدية ومهنية ومابذله من تضحيات يجعل من الصعب تسويق اية مؤامره ضده.. ولقد لمسنا هذا الامر في تعاطف الشعوب والنحب الوطنية والاسلامية مع الفتنة الاخيرة التي اججها الاعداء بذريعة الاقتصادية التي تواجهها ايران...
"فاما الزبد فيذهب جفاءا واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض..." صدق الله العلي العظيم.
بقلم: علاء الرضائي